يقضي معظم البشر حوالي ثلث حياتهم وهم نيام، ويتضمن جزء كبير من هذه المدة الطويلة من حياة الإنسان الأحلام.
رغم العملية العميقة والتفاصيل الدقيقة التي نشهدها في كل حلم، فإن معظم الناس على الأرجح لا يتذكرون أياً من تلك الأحلام.
وحتى في تلك الأيام المميزة التي يكون فيها الحلم واضحاً بعد الاستيقاظ، تظل هناك فرصة جيدة لنسيانه كلياً في غضون دقيقة واحدة، بعد الانخراط في أي نشاط مهما كان بسيطاً.
ما الذي يحدث في العقل أثناء الأحلام؟
يوضح إرنست هارتمان، أستاذ الطب النفسي وخبير اضطرابات النوم الأمريكي، أن البشر يميلون إلى نسيان كل الأحلام بعد فترة وجيزة من الاستيقاظ تقريباً. ويُعزى ذلك عموماً إلى الظروف الكيميائية العصبية في الدماغ، التي تحدث أثناء نوم حركة العين السريعة، أو REM Sleep، وهي مرحلة من النوم تتميز بحركات العين السريعة والنوم العميق القابل لخلق الأحلام.
ويطرأ على المخ في هذه المرحلة نقص في هرمون النورإيبينفرين في القشرة الدماغية بعد الاستيقاظ من النوم، وهو الهرمون الذي يلعب دوراً رئيسياً في الذاكرة والأفكار واللغة والوعي.
وتدعم دراسة نُشرت عام 2002 في المجلة الأمريكية للطب النفسي النظرية التي ترجّح أن وجود النورإيبينفرين في الدماغ يعزز الذاكرة لدى البشر. ومع ذلك فإن نقص النورإيبينفرين لا يفسر تماماً سبب نسيان الأحلام بهذه السهولة.
الأحداث المهمة والتفاصيل المثيرة للانتباه
وقد تخلق الأحلام التي لا تُنسى بشكل خاص انطباعاً يستمر لعقود، ويساعد إعادة سرد الحلم فور الاستيقاظ على تثبيته في الذاكرة.
وتكون الأحلام (أو الكوابيس) المرتبطة بالعواطف الشديدة، بما في ذلك الخوف، هي الأرجح في أن تعلق في الذهن. وتكون اللوزة أو الـAmygdala هي المنطقة في الدماغ التي تساعد في إثارة هذه الأحلام المليئة بالعواطف.
وتشير الأبحاث وفقاً لمجلة American Scientist العلمية، إلى أن الحلم يتكوّن من سلسلة من الوظائف العقلية الأخرى التي تتميز جميعها بإحداث نشاطات عديدة في القشرة الدماغية.
أحد عناصر هذه السلسلة عملية من التفكير المُركّز، يصاحبها حالة من شرود الذهن، وتحدث الحالتان في عملية متصلة من التداخل والامتزاج، ما يجعل الحلم قابلاً للنسيان تماماً، مثلما هو قابل لأن يكون قوياً وواضحاً في الذاكرة أثناء حدوثه.
وبشكل عام، يعتبر البشر بارعين للغاية في نسيان الأشياء غير الضرورية؛ ففي الواقع تضيع الكثير من أفكارنا التي تراودنا أثناء وعينا واستيقاظنا، وليس فقط تلك الأفكار التي تراودنا أثناء الحلم.
ويميل البشر إلى تذكر الأشياء التي نفكر فيها كثيراً أو التي لها أهمية عاطفية لدينا، مثل مشكلة عصيبة تواجهنا أو موعد مهم أو شخص عزيز.
وينشّط التفكير في الأمور المهمة قشرة الفص الجبهي الظهرية DLPFC، وهي منطقة دماغية مسؤولة عن الذاكرة.
ورغم أن معظم الأحلام تتلاشى فإن بعض الأحلام تميل إلى البقاء بسبب انتقالها إلى هذا الجزء من الدماغ. ويحدث ذلك سواء بسبب جمال الأحلام وتفاصيلها أو لغرابة أحداثها، وبالتالي ينتقل الحلم إلى الذاكرة، لأنه جذب انتباهنا ورفع من نشاط المخ في منطقة DLPFC.
لذلك، يُعتقد أنه كلما كان الحلم أو الأفكار أكثر إثارة للإعجاب في العقل الباطن والواعي على حدٍّ سواء، زادت احتمالية تذكره، بحسب مجلة American Scientist العلمية.
الأحلام تختفي في طريقها من الذاكرة القصيرة للطويلة المدى
ولا تتوقف جميع أجزاء المخ للراحة أثناء النوم، ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2011 في مجلة Neuron العلمية، وجد الباحثون أن واحدة من آخر المناطق التي تخلد إلى الراحة في المخ هي منطقة الحُصين، وهي بقعة منحنية تقع داخل كل نصف كرة دماغية، وهي ضرورية لنقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.
ويوضح عالم الأعصاب أندريلون إنه إذا كان الحُصين هو آخر جزء ينام في الدماغ، فقد يكون هو آخر من يستيقظ أيضاً، وبالتالي لا يتمكن العقل من نقل الأحلام وتفاصيلها من الذاكرة قصيرة المدى إلى طويلة المدى.
وفي حين أن هذا قد يفسر سبب تلاشي الأحلام، إلا أنه لا يعني أن الحُصين غير نشط طوال الليل. في الواقع، تظل هذه المنطقة في غاية النشاط أثناء النوم، إذ تُخزِّن وتهتم بالذكريات الموجودة لتوحيدها وترتيبها وفقاً لأهميتها.
لكن عند الاستيقاظ فجأة، قد يحتاج الدماغ إلى دقيقتين على الأقل لبدء تشغيل قدرات ترميز الذاكرة. وفي دراسة نُشرت عام 2017 في مجلة Frontiers in Human Neuroscience راقب الباحثون في فرنسا أنماط النوم لدى 18 شخصاً، أفادوا بتذكر أحلامهم كل يوم تقريباً، و18 آخرون نادراً ما يتذكرون أحلامهم.
ووجد الفريق أن الأشخاص الذين يتذكرون أحلامهم بصورة أكبر كانوا يستيقظون بشكل متكرر خلال نومهم، واستغرقت تلك الفترات من الاستيقاظ خلال الليل حوالي دقيقتين في المتوسط. ما يوحي أنه كلما استطاع العقل كسب الوقت لكي يستيقظ كان من الممكن انتقال الأحلام إلى الذاكرة طويلة المدى.
هل هناك طريقة لتذكُّر الأحلام؟
تظل طبيعة ووظيفة الأحلام لغزاً للباحثين حتى اليوم رغم الدراسات والأبحاث العديدة التي تُجرى على طبيعة الأحلام ومسبباتها منذ سنوات وعقود.
ورغم أنه يمكن للباحثين مراقبة وتسجيل وتحليل نشاط الدماغ أثناء النوم، فإنهم لا يستطيعون تحديد متى بالضبط يحلم الشخص أو معرفة تفاصيل أحلام الشخص.
وتعتمد أبحاث الأحلام حالياً على الأدلة القصصية وقدرة الأشخاص على التذكر، ثم شرح أحلامه في مقابلات يتم تسجيلها ومن ثم دراستها.
ويمكن أن تؤثر عدة عوامل على قدرة الشخص على تذكر أحلامه. وتشمل هذه العوامل نمط الحياة، والاختلافات في فسيولوجيا الدماغ.
يقول توماس أندريلون، عالم الأعصاب الأسترالي لمجلة Live Science العلمية: "لدى البشر ميل إلى نسيان الأحلام فوراً، ومن المرجح أن الأشخاص الذين نادراً ما يروون أحلامهم ينسونها بسهولة أكبر عن غيرهم".
ولفت عالم الأعصاب أن الدراسات تُظهر باستمرار أنه حتى الأشخاص الذين لم يتذكروا حلماً واحداً منذ عقود، أو حتى طوال حياتهم، يمكنهم في الواقع أن يتذكروها إذا ما تم إيقاظهم في اللحظة المناسبة، وطلب مشاركة ما كانوا يحلمون به فوراً بشكل تفصيلي.
وتوضح مجلة Very Well Mind العلمية، أنه إذا ما كان الشخص مهتمّاً بتحسين ذاكرة أحلامه، بإمكان عادة بسيطة تغيير ذلك، وهي الاحتفاظ بمفكرة للأحلام بالقرب من الوسادة.
ومن خلال الاحتفاظ بقلم وورقة، أو جهاز ذكي على منضدة بجانب السرير أن يساعد في تسهيل تسجيل الأحلام بسرعة فور الاستيقاظ، قبل أن تُتاح لها فرصة التلاشي، بحسب المجلة. ومن المرجّح أن يؤدي تدوين الحلم إلى تقوية قدرات العقل في تذكُّر واستدعاء الأحلام.