بعيداً عن جمل المحادثة المعتادة والتي لا تفتح المجال لحوار مثير وشائق سواء كانت عن "الأحوال الشخصية" أو "الأحوال الجوية"، توجد خدعة نفسية مثيرة جداً للاهتمام تحث الشخص الذي أمامك على الخروج من دائرة الصمت والأفكار الداخلية والانخراط في حوار شائق مليء بالمعلومات. هذه الخدعة اسمها "قانون كانينغهام".
تمت تسمية هذا المفهوم على اسم وارد كنينغهام، مؤسس موقع ويكيبيديا، وهو الموقع الذي يوصف بأنه أكبر تجسيد لهذا القانون.
طريقة عمل قانون كانينغهام
عندما تسأل سؤالاً عادياً (مباشرة أو على مجموعة محادثة على مواقع التواصل الاجتماعي)، قد لا يتجاوب الآخرون، ولكن عندما تطرح سؤالاً به معلومة خاطئة فأنت تستفز الشخص الذي أمامك فيجيب ولكن ليس لإثبات أنك على خطأ؛ بل ليثبت أنه الأصح.
السر في أن الناس لا تميل إلى أن تكون مساعِدة بقدر ما تميل إلى أن تثبت أنها تعرف أكثر أو أكثر ذكاء، وهو ما يفترضه هذا "القانون".
بشكل عام وبصور فطرية، تميل عقولنا إلى تصحيح الأشياء، ووفقاً لأحد الباحثين، يمكن استخدام هذا الميل البشري لتصحيح الآخرين كأداة إستراتيجية لزيادة مشاركة الآخر بنسبة 80%، منهم على سبيل المثال الطلاب في الصف.
لكن كيف يُفترض أن يؤدي قول الشيء الخطأ إلى زيادة المحادثة؟
يُطلق على هذه السمة البشرية اسم "قانون كانينغهام"، وهي ظاهرة يعتقد أنها تؤثر على السلوك البشري في منتصف المناقشة؛ أي بمعنى آخر: اسأل أشياء غبية للحصول على إجابات ذكية.
ينجح قانون كانينغهام في كل مرة، لأنه يُخرج الإنسان من دائرة أفكاره الداخلية ليصحح معلومة، ما يؤدي إلى بداية النقاش والمشاركة والرد وإبداء الآراء وغيرها.
فبدلاً من طرح سؤال عادي وعام، يمكنك إثارة المناقشة مع شخص ما عبر إعطاء إجابة خاطئة أو طرح سؤال يحتوي بالفعل على معلومات خاطئة.
من المرجح جداً أن يصحح الناس ما أدليت به للتو، ولكن ما لا يعرفونه أنك تختبرهم وتحثهم على النقاش.
يشابه قانون كانينغهام ما جرّبه سقراط منذ ما يقرب من 2500 عام، إذ أزعج الفيلسوف اليوناني القديم كثيراً من الناس في عهده بالتشكيك في معرفتهم.
في أبسط وأدق تفسير للظاهرة الموصوفة: لا يرغب الناس عموماً في أن يكونوا متعاونين، لكنهم يريدون أن يثبتوا أنهم أذكى شخص في الغرفة.
والغريب أنه يمكن تطبيق هذه الخدعة خارج المناقشات الشفهية أو الإلكترونية وليس فقط عبر الأسئلة، إنما بالأفعال.
لو كنت تعمل مثلاً في مجال التصميم وتمر بحالة من انعدام الإلهام، يكفي أن ترسم تصميماً أولياً سيئاً وتطلب رأي الزملاء، سيسارع من تم استفزازه بأخطائك إلى التصحيح والتحسين والتعديل وعندها قد تستعيد الإلهام للخروج بتصميم مثالي.
كيف أطبّق قانون كانينغهام؟
لو سألت شخصاً ما أن يحدّثك عن مهنته مثلاً في مجال الهندسة، فسيجيبك بكل ببساطةٍ بأنها عبارة عن تصميم الأنظمة، ولن يستفيض بالشرح.
أما إذا سألته بهذه الطريقة: "أنت مهندس إذن أنت تصمم محركات، صحيح؟"، عندها سيخوض في التفاصيل وستجد الحوار بات متشعباً وبدأ يتشعب ويحث الشخص الذي أمامك على الكلام.
وكلما أضفت تعبير (هل أنت متأكد) استفاض في الحديث، وبينما يظن أنك أقل ذكاء منه، لا يدرك المتحدث المتذاكي أنك تأخذه حيث تريد.
هذا الاتجاه معروف على نطاق واسع ويتم استغلاله في أكثر من مجال، ففي الثقافة الفرنسية يوجد قول مأثور prêcher le faux pour savoir le vrai أي (عِظ بالكذب لتعرف الحقيقة).
وحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي يستغل هذا الاستعداد البشري لتصحيح المعلومات كأحد أساليب التحقيق.
عيوب قانون كانينغهام
رغم أنه من المثير كيف يمكن حث الشخص على المشاركة في حوار عبر معلومة خاطئة، فإن هذا الأمر قد يدعو الآخر إلى التقليل من شأنك، ظناً أنه أذكى منك.
ولكن هذه الخدعة تساعد الأشخاص على الانخراط في الحديث عن موضوع يشعرون بأنهم متفوقون فيه، لذا تصبح المناقشة مهمة بالنسبة لهم ومثيرة للاهتمام ومُرضية.
ولأنهم لا يدركون أنك تتلاعب بهم، فسيقللون قليلاً من شأنك وهذه بالطبع ضريبة التلاعب بهم نفسياً!