يعتبر الوحم، أو اشتهاء بعض الأطعمة بشكل مُلِح من أكثر الأشياء إزعاجاً للراغبين في الحفاظ على وزنهم. فالإلحاح القوي غالباً ما يكون تجاه الوجبات المليئة بالسكريات أو الدهون والأملاح، الأمر الذي يجعل الاستجابة له أصعب من مجرد مقاومة الشعور بالجوع.
على الرغم من ذلك، يعتقد البعض أحياناً أن الرغبة الشديدة في تناول طعام معين هي طريقة الجسم للإشارة إلى حاجته إلى بعض العناصر الغذائية. لكن الأبحاث في التغذية توصلت إلى أن هذا الأمر من غير المرجح إلا في ظروف معينة، وأن السبب في الواقع قد يأتي من العقل أو التغيرات النفسية للإنسان.
هل الأمر فقط في أذهاننا؟
يقع لوم شعورنا بالوحم على عدة مناطق محددة في أدمغتنا، وخاصة مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة واستشعار المتعة التي تزيد من الرغبة الشديدة في تناول الطعام.
ووفقاً لمجلة WebMD الطبية، تنشط ثلاث مناطق من الدماغ، هي: الحُصين، والفص الجزيري، والعُقد القاعدية أثناء نوبات الرغبة الشديدة في الطعام، وفقاً لبحث أجراه مركز مونيل للحواس الكيميائية، ما يعني أن هناك عاملاً عقلياً بحتاً يدعم الشعور بالوحم.
وتشير اختبارات الدماغ التي أجراها البحث إلى أن مناطق الذاكرة في الدماغ (المسؤولة عن ربط طعام معين بالمكافأة) تكون أكثر فاعلية في تنشيط الرغبة الشديدة في تناول الطعام.
علاوة على ذلك، فإنه بمنع مُستقبلات الأفيون في الدماغ، التي تجعلنا نشعر بالمتعة، يمكن أن نحد من رغبة الشخص في تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسكر، وفقاً لبحث أجرته جامعة واشنطن.
هل الوحم إشارة الجسم عن حاجته لبعض العناصر؟
ويُعتقد غالباً أن الرغبة الشديدة في تناول الشوكولاتة مثلاً، هو إشارة إلى مستويات منخفضة من المغنيسيوم. في حين أن الرغبة الشديدة في تناول اللحوم أو الجبن غالباً ما يُنظر إليها على أنها علامة على انخفاض مستويات الحديد أو الكالسيوم.
والظن السائد أن هذه الرغبة هي احتياج لبعض العناصر في الجسم ونقص في المغذيات. وهو اعتقاد صحيح لكن في بعض الحالات المعينة والمحدودة فحسب.
وتقول مجلة Healthline الصحية أن أحد الأمثلة على ذلك هو اضطراب بيكا، وهي حالة يشتهي فيها الشخص مواد غير غذائية، مثل الثلج أو التراب أو الصابون. ويُعتبر أكثر شيوعاً عند النساء الحوامل والأطفال، وسببه الدقيق غير معروف حتى الآن.
واتضح أن الأفراد الذين يعانون من بيكا غالباً ما يكون لديهم مستويات منخفضة من الحديد أو الزنك أو الكالسيوم.
من ناحية أخرى، يلعب الصوديوم دوراً مهماً في الحفاظ على توازن السوائل في الجسم، وهو ضروري للبقاء على قيد الحياة. لهذا السبب قد تكون الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المالحة والغنية بالصوديوم تعني أن الجسم يحتاج إلى المزيد من الصوديوم.
ومع ذلك، من المهم الوضع في الاعتبار أن نقص الصوديوم نادر جداً، ويشيع على الأغلب تناول الملح بشكل زائد في الوجبات الجاهزة والسريعة مما يضر بالجسم.
القلق قد يزيد من حدّة الوحم!
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يكون هناك سبب عاطفي وراء رغبات الوحم الشديدة لتناول طعام معين.
ويقول الباحث في التذوق وتفضيلات الطعام آدم دريونوسكي بحسب موقع WebMD: "غالباً ما تنشأ الرغبة الشديدة في تناول الطعام لتلبية الاحتياجات العاطفية، مثل تهدئة التوتر وتقليل القلق".
على سبيل المثال، الاستجابة للوحم الشديد للكربوهيدرات يرفع من مستويات هرمون السيروتونين، الذي له تأثير مهدئ.
ووجد بحث علمي أن الجمع بين الدهون والسكر قد يكون له تأثير مهدئ أيضاً، على الرغم من آثاره غير الصحية المعروفة.
وكشف بحث لجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو أن الفئران المُجهدة تفضِّل تناول السكر والدهون. وعندما أكلت الفئران استجابة لذلك الوحم، هدأت وتيرة التوتر في أدمغتها بنسبة ملحوظة.
لماذا يكون الوحم غالباً للبطاطس المقلية والمثلّجات؟
عندما تشتهي الأطعمة غير الصحية، فأنت لا تشتهي الكربوهيدرات فحسب، بل تتوق إلى الدهون أيضاً!
وبحسب باحث التذوق دريونوسكي، فإن الرغبة الشديدة التي تحفزها المشاعر عادة ما تكون للأطعمة التي تحتوي على الدهون أو السكر أو كليهما.
واتضح وفقاً لدراسة نشرتها مجلة NCBI عام 2014 بعنوان "المخللات والمثلّجات: وحم الطعام أثناء الحمل"، أن النساء مثلاً يشتهين الشوكولاتة مرتين أكثر من اشتهاء الرجال لها، خاصةً قبل وأثناء فترات الحيض أو أثناء الحمل.
وفي حين أن فقدان الدم يمكن أن يزيد من خطر الإصابة ببعض النقص الغذائي، مثل نقص الحديد. كشف علماء التغذية في تلك الدراسة أن الشوكولاتة لن تعادل مستويات الحديد بأي شكل مثل اللحوم الحمراء أو الخضراوات الورقية الداكنة التي قليلاً ما يتم اشتهاؤها، ولذلك فإن السبب عاطفي بحت.
ولعلاج نوبات الوحم القاسية من هذا النوع، يمكن تناول عينات صغيرة من الأطعمة المرغوبة لإسكات الحالة مع عدم تجاوز المسموح به من كمية الدهون والسكريات اليومية للجسم، وفقاً لدريونوسكي.
هل هناك أسباب أخرى؟
أوضحت مجلة Healthline المهتمة بالصحة والتغذية مجموعة من الأسباب التي قد تمثّل عاملاً محورياً في تكرار نوبات الشعور بالوحم والزيادة من حدته، وتشمل:
1- قد تؤدي اختلالات هرمونيّ اللبتين والجريلين المسؤولين عن شعور الجوع والامتلاء إلى إصابة بعض الأشخاص بالوحم أكثر من غيرهم.
2- قد تؤثر التغيرات الهرمونية أثناء الحمل على مستقبلات الشم والتذوق، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الرغبة الشديدة في تناول أطعمة معينة.
3- متلازمة ما قبل الحيض (PMS) والتغيرات المصاحبة لها في هرمونات الاستروجين والبروجسترون تسبب زيادة في الشعور بالوحم والرغبة في تناول الطعام، خاصة بالنسبة للأطعمة الغنية بالكربوهيدرات.
4- قلة النوم كذلك يمكن أن تؤدي إلى اضطراب مستويات الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الجوع والامتلاء ودورات النوم والاستيقاظ، مما قد يؤدي إلى زيادة الوحم والرغبة الشديدة في تناول الطعام، خاصة في المساء.
5- النظام الغذائي الفقير بالعناصر الغذائية مثل البروتين والألياف، وقلة السوائل وشرب المياه قد يسبب عدم الشعور بالشبع وتكرار نوبات الوحم.
6- هناك بعض الأدلة العلمية بحسب مجلة NCBI على أن نوع البكتيريا الموجودة في الأمعاء قد يؤثر على وتيرة ونوع الوحم. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذا الارتباط.
7- قد يساعد زيادة مستوى النشاط البدني، حتى لو كان مجرد المشي، في تقليل الوحم. وبالمثل، قد يؤدي النشاط الأقل لزيادة وتيرة الوحم وحدته.8- أثبت بحث بمجلة NCBI العلمية عام 2018 أن الأطعمة المعالجة والمُصنعة والغنية بالدهون والسكريات قد تسبب أعراضاً شبيهة بالإدمان، مما قد يؤدي بدوره إلى زيادة الوحم الشديد لها.