"مكالمتك تهمنا، يُرجى البقاء على الخط وسيتواصل معك أحد ممثلي خدمة العملاء خلال دقائق"؛ قد تكون هذه الجملة أكثر الجمل إثارة للغضب في مستهل اتصال مع موظف تريد أن تطلب منه حل مشكلة ما لديك تثير غضبك أصلاً!
ورغم الصعوبات التي تعانيها الشركات من أجل وجود إنسانٍ على الجانب الآخر من الخط، فإن تلك الشركات تهتم في الواقع بخدمة العملاء.
فالعملاء الغاضبون الذين يُغلقون المكالمة بعد 27 دقيقة من الانتظار، سيتفوهون على الأرجح بكلامٍ سيئ عن الشركة على تويتر، أو ينتقلون إلى أحد المنافسين. وهذا ما يُطلَق عليه اسم "التكلفة الاقتصادية للانتظار".
موسيقى الانتظار بدأت للتسلية
ولهذا السبب أدرك رجل الأعمال المغامر ألفريد ليفي أنه اكتشف شيئاً قيّماً عام 1962، حين التقط نظام الهواتف في مصنعه بالخطأ إشارة راديو محلية وجعل العملاء يستمعون إلى الموسيقى أثناء انتظارهم.
وحين تشتّت انتباه المتصلين بواسطة الموسيقى، لاحظ ليفي أنهم صاروا أقل عرضة لإغلاق الخط، لذا تقدَّم للحصول على براءة اختراع أول نظام "موسيقى انتظار" في العالم.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت أبحاث حول سيكولوجية الانتظار على الخط وأنواع الموسيقى والرسائل التي تجعل تجربة الانتظار أكثر أو أقل صعوبة.
وإلى جانب موسيقى الانتظار، نجد أن أكبر الابتكارات في علوم الانتظار كانت رسائل "الوقت المقدر" و"المكان في الصف"، وهي الآليات التي أتقنتها ملاهي ديزني، أكثر أماكن الانتظار على وجه الأرض.
أفضل استراتيجية لتهوين الانتظار على الخط
وفقاً لدراسة قارنت بين مختلف أنواع رسائل الانتظار عام 2007، كانت الحيلة الأكثر فاعلية في إبقاء الناس على الخط هي إخبارهم بموقعهم التراتبي.
وفي التجربة، وُضع 132 شخصاً على الانتظار لمدة دقيقتين. واستمع ثلثهم إلى موسيقى الانتظار، والثلث الآخر إلى موسيقى تقاطعها رسائل اعتذار عن الانتظار، بينما استمع الثلث الثالث إلى موسيقى تتخلّلها تحديثات عرضية بحالة الانتظار: "دورك هو الرابع في الانتظار… دورك هو الثالث في الانتظار… إلخ".
وعند سؤالهم عن تجربتهم، كان الأشخاص الذين حصلوا على التحديثات العرضية الأكثر رضاءً عن الخدمة. وهذا ليس لأنهم اعتقدوا أنهم انتظروا وقتاً أقل من الآخرين، ولكن لشعورهم بالراحة، لأنهم كانوا يحرزون بعض التقدم.
وقالت مؤلفة الدراسة أنات رفائيلي لموقع How Stuff Works: "ليست المشكلة مشكلة وقت، بل مشكلة عقبات. ما يُسعدني هو أن أُدرِك أنّني أقترب من إزالة العقبة والحصول على ما أريده".
وافترض البحث السابق ثلاثة تفسيرات نفسية لفعالية رسائل الانتظار:
- نموذج تخصيص الموارد: يشعر المتصلون بأنهم يُضيعون وقتهم في الانتظار إذا لاحظوا بوعيٍ منهم مرور كل "وحدة زمنية". وإذا اعتقد المتصلون أن حاسوباً يتتبع الوقت لهم، فسوف يُغلقون ساعتهم الداخلية ويعتقدون أن وقتاً أقل قد مضى.
- نموذج تقليل الشكوك: مشاركة معلومات وقت الانتظار تُقلّل التوتر الناجم عن عدم معرفة متى سيجيب ممثل خدمة العملاء المكالمة.
- نموذج إعادة التقييم المعرفي: ببساطة، إذا كنت تعلم أنّك ستنتظر لمدة 10 دقائق، فستكون أقل انزعاجاً لانتظارك 10 دقائق. حتى وإن أغضبتك الفكرة في البداية، فسوف تتجاوز الأمر بمرور الدقائق.
الموسيقى أنواع
لكن ماذا عن موسيقى الانتظار نفسها؟ هل تُؤثر أنواع الموسيقى المختلفة على الناس بشكلٍ مختلف؟
سألت دراسةٌ، عام 2014، ما إذا كانت الموسيقى الرائجة (مثل البوب) ذات الرسائل الإيجابية قادرةً على تحسين مزاج المتصلين الذين ينتظرون خدمة العملاء على الخط الساخن.
وتبيّن أنّ الاستماع إلى موسيقى "اجتماعية" ذات رسائل إيجابية يجعل المتصلين المحبطين أكثر استياءً.
فالغرض من تشغيل الموسيقى لشخص ما في الانتظار هو إعطاء المتصل بضع لحظات بين الرسائل لاستيعاب الرسالة التي سمعها للتو، لتحقيق أقصى قدر من تذكُّرها لاحقاً.
تخدم الموسيقى هذه الرسالة جيداً، بينما تساعد أيضاً في إضاعة الوقت. ومع ذلك، لن تنجح أي موسيقى في هذه المهمة، فأنواع معينة من الموسيقى تهدئ الشخص أثناء الانتظار، وأنواع أخرى تجعله يتفاعل بشكل سلبي.
ويطرح سؤال نفسه: هل الأغاني الشهيرة مصدر إلهاءٍ أفضل من موسيقى المصاعد العامة؟
للإجابة عنه، وجدت دراسةٌ أخرى أن الأشخاص يستخدمون الموسيقى الخلفية لا شعورياً باعتبارها "ساعةً تقريبية" بتقدير مدة كل أغنية وجمعها معاً، لتوقُّع وقت الانتظار الإجمالي، فلو تمت إعادتها علِموا مدة الانتظار المقبلة وانزعجوا.
ولأن الأغاني الرائجة "يسهل الوصول إليها في الذاكرة"، فإنها ترتبط أكثر بعاملٍ زمني، وحينها يُعتقد أن أوقات الانتظار صارت أطول مما هي عليه مقارنةً بالأغاني غير المألوفة التي لا يتعرف المستمع عليها ولا يعرف متى ستنتهي.
الموسيقى أفضل من الكلام المشوش
لكن الدراسة نفسها وجدت أن أي نوع من التداخل أثناء وقت الانتظار على الخط ينتج أيضاً استجابة سلبية من المتصل، حسب موقع Talk Route المتخصص بخدمة العملاء.
فسماع الموسيقى والكلام في وقت الانتظار يجعلها تبدو فوضوية ومشوشة، ما يزعج آذان العملاء المتصلين.
لذا تشدد الدراسة على تشغيل كل قسم من البرنامج بشكل منفصل؛ لإبقائه بسيطاً ومستساغاً على الأذنين.