يبدو أن أشكال المعاملة السيئة أثناء الأًسر أو التعذيب، تُسبب القدر نفسه من الضيق العقلي والصدمات النفسية التي يسببها التعذيب الجسدي، وهو ما يبدو جلياً على الأسرى أو المعذبين، الذين يبدون كأنهم هرموا فجأة وتضاعفت سنوات عمرهم وبدت عليهم علامات الشيخوخة.
نظراً إلى شدة العديد من ممارسات التعذيب القاسية والمدمرة للغاية والإيذاء النفسي والجسدي، ليس من المستغرب أن تبدو جلية على وجه الناجين من التعذيب وتستمر آثارها النفسية أو تتطور لاحقاً.
وكشفت دراسة طبية نشرتها دورية JAMA and Archives Journals الطبية، أن علامات التقدم في السن دليل صارخ على الصحة المتردية، سواءً أكانت النفسية أم الجسدية.
وتتجسد هذه العلامات للوهلة الأولى من خلال الشيب في الشعر أو الجلد المترهل أو حتى ظهور التجاعيد على من هم أصغر سناً، ولكن ما تخفيه المظاهر الجسدية أجلّ وأعظم.
الآثار النفسية على الناجين من التعذيب
تمتد عواقب التعذيب إلى ما هو أبعد من الألم الفوري، إذ يعاني العديد من الضحايا اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يتضمن أعراضاً مثل ذكريات الماضي والقلق الشديد والأرق والكوابيس والاكتئاب وهفوات الذاكرة.
غالباً ما يشعر ضحايا التعذيب بالذنب والعار، بسبب الإذلال الذي تعرضوا له، ويشعر كثيرون بأنهم خانوا أنفسهم أو أصدقاءهم وعائلاتهم. كل هذه الأعراض استجابات بشرية طبيعية للمعاملة غير الطبيعية واللاإنسانية.
تظهر الوفيات الناجمة عن التعذيب عادةً في تشريح الجثة على أنها ناجمة عن "أسباب طبيعية" مثل النوبة القلبية أو الالتهاب أو الانسداد بسبب الإجهاد الشديد. ولكن بالنسبة للناجين، غالباً ما يؤدي التعذيب إلى مشاكل صحية عقلية وجسدية دائمة.
وتشمل المشاكل الجسدية الناجمة لائحة طويلة، على سبيل المثال الأمراض المنقولة جنسياً، ومشاكل العضلات والهيكل العظمي، وإصابات الدماغ، والصرع والخرف بعد الصدمة أو متلازمات الآلام المزمن.
جميع هذه العوامل تؤدي لظهور علامات الشيخوخة على الناجي من التعذيب، سواء في الشيب أو البشرة أو قوام الجسم الضعيف والعضلات المتهالكة.
اضطرابات وآلام طويلة الأمد
وللتعذيب آثار جسدية ونفسية عميقة وطويلة الأمد؛ فهو شكل من أشكال المعاناة الجماعية التي لا تقتصر على الضحية، وغالباً ما يتأثر أفراد أسر الضحايا وأصدقائهم، بسبب مشاكل التكيف مثل تفشي الغضب والعنف الموجه ضد أفراد الأسرة.
وفقاً لأبحاث عدة أُجريت حول الموضوع، فإن التعذيب النفسي والجسدي لهما آثار نفسية مماثلة، ويعاني ضحايا التعذيب من معدلات مرتفعة ومتفاوتة، مما يلي:
- القلق
- كآبة
- اضطراب التكيف
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
- اضطرابات الإجهاد الشديد غير المحددة بطريقة أخرى (DESNOS)
- اضطرابات جسدية
- كوابيس
- الأرق
- انخفاض الرغبة الجنسية
- هفوات الذاكرة
- انخفاض القدرة على التعلم
- العجز الجنسي
- الانسحاب الاجتماعي
- التسطيح العاطفي
- الصداع
ولا يوجد مصطلح تشخيصي يلخص حالة عدم الثقة العميق بالآخرين الذي طوره العديد من الناجين من التعذيب، ولا تجسد لفظي لتدمير كل ما أعطى حياتهم معنى.
قلق وعدم اليقين بشأن المستقبل
إن الشعور بالذنب والعار بسبب الإذلال أثناء التعذيب، وبشأن عدم قدرة الناجي على تحمُّله، وكذلك الشعور بالذنب تجاه البقاء على قيد الحياة، هي مشاكل شائعة تثني عن كشف المعاناة التي اختبرها الإنسان.
يمكن إضافة ضغوط إضافية بسبب عدم اليقين بشأن المستقبل، وأي احتمال لإعادة الناجي إلى البلد الذي تعرض فيه للتعذيب، والافتقار المحتمل إلى المقربين وأنظمة الدعم الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، فإن وجود العزلة الاجتماعية والفقر والبطالة والسكن المؤسسي والألم يمكن أن يتنبأ بمستويات أعلى من الضيق العاطفي لدى الضحايا الذين ينجون من التعذيب، حتى بعد إطلاق سراحهم.
محاولات دولية
تحاول منظمات مثل "التحرر من التعذيب" و"مركز ضحايا التعذيب" مساعدة الناجين من التعذيب في الحصول على العلاج الطبي والحصول على أدلة الطب الشرعي، للحصول على اللجوء السياسي في بلد آمن أو لمقاضاة الجناة.
غالباً ما يكون من الصعب إثبات التعذيب، لا سيما عندما يمر بعض الوقت بين الواقعة والفحص الطبي، أو عندما يكون الجلادون محصَّنين من الملاحقة القضائية.
يستخدم العديد من الجلادين في جميع أنحاء العالم أساليب مصممة لتحقيق أقصى قدر من التأثير النفسي مع ترك آثار جسدية ضئيلة.
وتعاونت المنظمات الطبية ومنظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم لإنتاج بروتوكول إسطنبول، وهو وثيقة مصممة لتحديد أساليب التعذيب الشائعة وعواقب التعذيب وتقنيات الفحص الطبي القانوني.
ويهدف بروتوكول إسطنبول إلى أن يكون بمثابة مجموعة من المبادئ الدولية لتقييم الأشخاص الذين يدّعون تعرُّضهم للتعذيب وسوء المعاملة، وللتحقيق في حالات التعذيب المزعوم، وللإبلاغ عن هذه النتائج إلى السلطة القضائية وأي هيئة تحقيق أخرى، محلية أو دولية.