كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة واشنطن الأمريكية، عن تأثُّر قدرة البشر على النوم، بشكل واضح بدورة القمر، حيث إن الاستمتاع بساعات أكثر بالنوم من عدمها، مرتبطة بشكل مباشر بحركة القمر، وقد استخدم هؤلاء أجهزة المعصم الذكية، من أجل تتبُّع أنماط النوم لدى 98 شخصاً يعيشون في ثلاثة مجتمعات للسكان الأصليين بالأرجنتين، لمدة تتراوح بين شهر وشهرين.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 28 ينايركانون الثاني 2021، فإن المجتمع الأول كان مجتمعاً ريفياً لا توجد فيه كهرباء، والمجتمع الثاني ريفي لديه إمكانية محدودة في الوصول للكهرباء، بينما يقع المجتمع الثالث بمنطقة حضرية مع إمكانية كاملة في الحصول على الكهرباء.
نتائج الدراسة
أظهر المشاركون في المجتمعات الثلاثة نمط الذبذبات نفسه خلال النوم أثناء تقدُّم القمر خلال دورته التي تستغرق 29 يوماً ونصف، مع تغير مدة النوم بما يتراوح بين 20 دقيقة وأكثر من 90 دقيقة، وتفاوت مواعيد نوم من 30 إلى 80 دقيقة.
كما وجد المؤلفون في كل مجتمع، أن أكبر عدد من المشاركين الذين ناموا وقتاً أقل وظلوا مستيقظين إلى وقت متأخر، كان في فترة الأيام الثلاثة إلى الخمسة التي سبقت ليالي اكتمال القمر، وحدث العكس في الليالي التي سبقت دورة القمر الجديد.
تعليقاً على هذه النتائج، أشار مؤلف الدراسة هوراسيو دي لا إغليسيا، أستاذ علم الأحياء في جامعة واشنطن، إلى أن البيانات كانت مفاجئةً بعض الشيء، إذ إن التوقع الأوَّلي كان قلة النوم وزيادة النشاط في ليالي اكتمال القمر.
حيث قال المؤلف: "لكن تبيَّن أن الليالي التي تسبق اكتمال القمر هي التي يكون فيها أكبر قدر من ضوء القمر خلال النصف الأول من الليل".
وكما كان متوقعاً، أظهرت البيانات أن "تأثير أطوار القمر" على النوم يبدو أقوى كلما كانت إمكانية الحصول على الكهرباء محدودة.
في محاولة للتأكد من النتائج التي توصلوا إليها، قارن الباحثون نتائجهم ببياناتٍ جُمعت على نحوٍ مماثل من 464 طالباً مقيمين في سياتل يدرسون بجامعة واشنطن، ووجدوا الذبذبات نفسها في أنماط النوم.
إضافة إلى ذلك، كتب الباحثون بدورية Science Advances: "تشير هذه النتائج مجتمعةً بقوة إلى أن نوم الإنسان يتزامن مع مراحل القمر بغض النظر عن الخلفية العرقية، والاجتماعية، والثقافية، ومستوى التحضر".
يعلق دي لا إغليسيا قائلاً: "نميل نحن البشر إلى الاعتقاد بأننا تمكنا بطريقة ما، من التحكم في الطبيعة، واستخدام الضوء الاصطناعي أكبر مثال على ذلك. لكن اتضح أن هناك بعض قوى الطبيعة التي لا يمكننا الإفلات منها".
حدود هذه الدراسة
فقد أثقلت الثقافات الشعبية القمر بمسؤوليات كبيرة؛ إذ نُحمّل القمر الوحيد الذي يدور حول كوكبنا المسؤولية عن الحالة المزاجية، والارتفاع الحاد في معدلات الجريمة، وحتى الذهان.
أدرك العلماء منذ زمن طويل، أن الضوء ييسّر النشاط البشري، سواء كان ضوء الشمس أو القمر أو الضوء الاصطناعي. لكن هذه الدراسة تشير إلى تأثُّر قدرتنا على النوم بشكل واضح بدورة القمر، حتى عند أخذ مصادر الضوء الاصطناعي في الاعتبار.
في الجهة المقابلة، أشار ديرك-جان ديك، أستاذ علم النوم ووظائف الأعضاء ومدير مركز أبحاث النوم في جامعة "سري"، إلى أن الباحثين لم يتناولوا المؤثرات الداخلية مثل الساعات البيولوجية التي قد تؤثر في أنماط النوم.
أما الدكتور تشيرو ديلا مونيكا، الزميل الباحث بمركز أبحاث النوم في جامعة سري، فقد اعتبر أن الأبحاث السابقة حول تأثيرات القمر على النوم كانت متضاربة. إذ تناولت النوم في المختبر (حيث يُحجب الضوء الخارجي) ولم تستهدف معظمها دراسة تأثير القمر، على وجه التحديد.
وأردف ديلا مونيكا: "الدراسة مثيرة للاهتمام للغاية، لكن كما أشار المؤلفون أنفسهم، فلا يمكنهم تحديد علاقة سببية. غير أن البيانات قوية وجديدة".