رغم حظر بيع العاج في جميع أنحاء العالم في عام 1989، فإنه ما زال سلعة نادرة ومرغوبة يموت بسببها آلاف الفيلة سنوياً. صيدٌ غير قانوني وتجارة تديرها منظمات الجريمة المنظمة في إفريقيا لتصدير تلك الأنياب حول العالم، رغم سيطرة دولة واحدة على أكبر أسواقه، وهي الصين.
بينما يحظر بيع العاج في العديد من الدول ومنها أمريكا والدول الغربية، إلا أن بيعه ما زال قانونياً في اليابان ودول آسيوية أخرى.
ورغم أن الصين قرّرت حظر بيع العاج في أواخر العام 2017، إلا أنها ما زالت تشكل السوق الأكبر لاستهلاكه وفَناء عشرات الآلاف من الفيلة.
فالعاج هو مادة بيضاء صلبة توجد في أنياب الفيلة وغيرها من الحيوانات الأنيقة مثل فرس النهر. وعلى الرغم من أن وحيد القرن لديه قرون متشابهة المظهر مع أنياب الفيلة، إلا أنها ليست مصنوعة من العاج، ويعد عاج الفيل الأغلى ثمناً والأفضل.
وحالياً، لم يتبق سوى نحو 415 ألف فيل إفريقي فقط في البرية اليوم، بينما يقتل الصيادون سنوياً ما لا يقل عن 20000.
وترتبط تجارة العاج غير القانونية بعصابات الجريمة المنظمة (المدعومة من سياسيين فاسدين)، والتي تهدد المجتمعات المحلية وتشجع الفساد.
وفي حين أن العاج المعروض للبيع في متاجر الصين وهونغ كونغ الفاخرة قد يكون مصدره من المخزونات القانونية الحالية التي تسيطر عليها الحكومة، فإن معظم العاج الجديد للبيع في العالم غير قانوني.
وحتى اللحظة يستمر اصطياد حيوانات الفيل ووحيد القرن بشكل غير قانوني لأنيابها وأبواقها.
لماذا يعد العاج ثميناً ومرغوباً في الصين تحديداً؟
في الصين وهونغ كونغ، يُعتبر العاج مادة ثمينة يستخدم في الحلي والمجوهرات. والمنحوتات، وكذلك في وصفات الطب الصيني التقليدي.
تمتلك الصين أكبر تجارة للعاج في العالم، ويعتقد خبراء الحياة البرية أن حوالي 70% من العاج في العالم ينتهي هناك.
وقد يصل سعر نصف الكيلو الواحد نحو ألف دولار، وبحسب ما أشار مراسل صحيفة New York Times، فإن سعر نابي الفيل الواحد قد يعادل 10 أضعاف المدخول السنوي للعديد من سكان إفريقيا.
لذا فكلما ازداد الطلب ارتفع سعر العاج وازدادت رغبة الصيادين في قتل الفيلة.
ويعتقد بعض الصينيين الأغنياء أن امتلاكهم للعاج يجعلهم يبدون أكثر نجاحاً، بينما يعتقد البعض الآخر أن العاج سيجلب لهم الحظ السعيد.
ومع تصاعد الطبقة المتوسطة في الصين، فإن ملايينها باتت أكثر قدرة على شراء هذه السلعة النادرة.
العاج مقابل الألماس.. كلاهما طبيعي ولكن..
تتم مقارنة العاج بالألماس بشكل شائع: فالألماس، مثل العاج، مادة طبيعية ذات قيمة متأصلة قليلة، ولكنها ذات أهمية اجتماعية ذات قيمة. تؤدي الرغبة في الدول الأكثر ثراءً إلى دفع المجتمعات الفقيرة إلى حروب الموارد وسوء استخدام العمالة.
لكن الطلب على العاج قديم وتاريخي أكثر من الألماس، وهو تقليد عمره آلاف السنين. وبينما الألماس رمز ثقافي من ابتكار القرن العشرين، فالعاج تم استخدامه بصورة أكثر تنوعاً. وأقدم أثر عاجي يعود للألفية السادسة ما قبل الميلاد.
إلا أن العاج لم يكن فقط مقدراً لقيمته الجمالية، فخصائصه الطبيعية -مثل المتانة وسهولة إنتاجه وغياب الانشطار- تجعله مثالياً لمجموعة متنوعة من الاستخدامات.
إذ استعاد علماء الآثار والمؤرخون العديد من الأدوات العملية المصنوعة من العاج: الأزرار ودبابيس الشعر وعيدان تناول الطعام ورؤوس الرماح والأقواس والإبر والأمشاط والمقابض، وكرات البلياردو، وما إلى ذلك.
أما في العصر الحديث فكثر استخدام العاج كمفاتيح آلة البيانو حتى وقت ليس ببعيد، إذ أوقفت شركة صناعة البيانو Steinway استخدام مفاتيحه العاجية فقط في عام 1982، بينما استعاضت شركة Yamaha بمادة مصنوعة تحمي أصابع اللاعبين من الانزلاق.
حظر بيع العاج لم يقلل رغبة امتلاكه
يجذب العاج النساء في الصين على وجه التحديد لعدة أسباب: فهو نادر وجميل وله أهمية ثقافية، ويشكل هدية قيّمة.
كما يعكس العاج مكانة صاحبه أو صاحبته الاجتماعية والمالية، إذ يُسمى "الذهب الأبيض".
ويملك 300 متجر في هونغ كونغ -على سبيل المثال- تراخيص تسمح لهم ببيع سلع العاج بشكل قانوني ولكن بأسعار باهظة.
ولأنه مادة تعكس الثروة الشخصية ولا يفنيها الدهر كالذهب، فهي تعتبر استثماراً على المدى الطويل، وملكية يتباهون بها، خصوصاً مع ارتفاع عدد الأثرياء وتمكن الطبقة الوسطى من شرائها، بحسب دراسة نشرتها مجلة World Life.
إن قوة فكرة العاج هائلة ولا تظهر أي علامات على التضاؤل. بالنسبة للفيلة، ربما الأمل الوحيد هو أن يرتفع السعر من خلال القوانين، ما يجعل العاج بعيد المنال مرة أخرى حتى بالنسبة للطبقة المتوسطة.
المفارقة في ذلك أن التأثير الجانبي لأفضل طريقة لوقف تدفق العاج وذبح الأفيال قد يكون تعزيز الأسطورة الثقافية: كلما كان العاج نادراً ومخصصاً للقلة القليلة، ازدادت الرغبة في اقتنائه!.