رغم مغادرتها مدينة حلب في سوريا منذ 3 سنوات ونصف السَّنة، لا تزال المخرجة السورية "وعد الكاتب" تعاني وتشعر بالرعب وتطاردها الكوابيس عندما تخلد إلى النوم، لكنها أبعد ما يكون عن تخلّيها عن رواية قصتها.
فالمخرجة السورية، وفق صحيفة Metro البريطانية، هي من أنتجت وروت الفيلم الوثائقي "إلى سما" في عام 2019، والذي يسلط الضوء على حياتها خلال الثورة السورية.
الفيلم تصوير صادم للمشاعر، لمعاناة هؤلاء الذين ظلوا في حلب، وقد رُشح للحصول على 4 جوائز من الأكاديمية البريطانية للأفلام "بافتا" خلال العام الجاري، وفاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي، بالإضافة إلى ترشيحه للفوز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وذلك بعد عام من وقوف الحاضرين في مهرجان كان السينمائي وتصفيقهم لمدة ست دقائق؛ إعجاباً بالفيلم.
لكن بعيداً عن السجادة الحمراء والتصفيق الحاد، هناك قصة حقيقة ومؤثرة لوعد وعائلتها ضمن 12 مليون سوري نزحوا من البلاد من جراء الحرب الأهلية، وسط ممارسات رئيس النظام السوري بشار الأسد العنيفة والوحشية لإسكات هؤلاء الذين يطالبون برحيله.
تبدأ أحداث الفيلم في 2011 بمدينة حلب، حيث كان زوجها الطبيب حمزة الكاتب، في مرحلة ما، يدير المستشفى الوحيد المتبقي بالمدينة، حيث كانت الأجسام الملطخة بالدماء تُنقل واحداً تلو الآخر، والأطفال الباكون ينادون على عائلاتهم، والأمهات يواصلن النحيب بينما يطالبن وعد، بمواصلة تصوير ما يحدث.
كل هذا كان يحدث بينما يربّي الزوجان ابنتهما سما. غادرت العائلة، بينما كانت وعد تنتظر ميلاد طفلتها الثانية تيماء، حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016، ضمن آخر قافلة تخرج من المدينة قبل أن يسيطر النظام عليها، وعبروا الحدود إلى تركيا، حيث ظلوا هناك قبل أن يقدّموا طلباً للجوء إلى بريطانيا.
استطاعت وعد، التي تعمل حالياً صحفية لدى القناة الرابعة في لندن، إنتاج فيلم "إلى سما" بالاشتراك مع المخرج إدوارد واتس، كاشفة عن تجربة العيش في خط المواجهة الأمامي.
"أحاول استيعاب ما مررت به": بينما تدرك التأثير المذهل لقصّتها على الآخرين، اعترفت المخرجة السورية، في أثناء حديثها إلى صحيفة Metro البريطانية، بأنها لا تزال تحاول استيعاب ما مرت به في سوريا.
بينما لا تزال تعاني من الكوابيس ولا يزال الألم الذي عايشته كلِّي الوجود، تقول وعد: "لم أفعل أي شيء للاعتناء بنفسي. شعرت بأن الأمر كان منهكاً وأنه في لحظة ما، لن أتمكن من مواصلة فعل هذا".
تتابع: "لست في مرحلة يمكنني خلالها استيعاب ما حدث حتى ينتهي الوضع الحالي في سوريا بطريقةٍ أو بأخرى. إنها معاناة شاقة، أشعر بها يومياً، لقد حاولت الذهاب إلى معالج نفسي مرتين. كنت أتمنى أن أتمكن من فعل هذا. لكن للأسف لم يحِن الوقت بعد".
بدأت عملها في أثناء الثورة عام 2011، عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية، إذ بدأت العمل كمواطنة صحفية بحلب للقناة الرابعة في بريطانيا. اختارت البقاء وتوثيق حياتها طوال خمس سنوات بالمدينة، حيث وقعت في حُب حمزة، واستقبل الزوجان ابنتهما سما في 2015.
طوال هذا الوقت، ظلت وعد توثق بكاميرتها ما يحدث رغم مشاهد الموت والدمار المروعة التي كانت تواجهها يومياً، والخطر المحدق بحياتها. وتوضح وعد أنها وحمزة كانا يدركان خطورة البقاء في حلب. مَثَّل عزمها على نقل ما كان يحدث في حلب للعالم، دافعاً جعلها تتقبل حقيقة أنها قد لا تنجو من هذه الحرب.
تقول وعد: "لا أعرف كيف أشرح هذا. لكنني أدرك معنى الحياة، لأنني أدرك ما يعنيه الموت. إنه يأخذ كل شيء منك، أصحابك، أحلامك، مستقبلك، كل شيء تفعله بعد هذه اللحظة يصبح مثل الحلم، لكنه حقيقيٌّ حتى آخر لحظة في عمرك. غريب للغاية بالنسبة لنا أن نكون موجودين على مسرح في بيئة مختلفة تماماً، بينما اخترنا أن نكون في حلب منذ بضع سنوات فقط".
أما بالنسبة لابنتها البالغة من العمر 4 سنوات، تدرك وعد أنها ستشرح لسما قصتها وتأثيرها على العالم، في وقت ما، خلال السنوات المقبلة. تقول وعد ضاحكةً: "لا أعتقد فعلاً أن سما تفهم ما يحدث حالياً، لكنها تعلم أن لديها فيلماً، وهي متحمسة للفكرة للغاية".