تعد المصافحة التحية المعتمدة والحضارية في عالم السياسة والأعمال، فتاريخ المصافحة موجود منذ آلاف السنين، ومع توصيات الخبراء بالامتناع عنها والحفاظ على مسافة آمنة مع الآخرين، فهل نودع هذه التحية إلى الأبد؟
بالفعل، قلب فيروس كورونا المستجد الموازين العالمية رأساً على عقب، من العولمة إلى النظام المالي النقدي، وصولاً إلى مجرد المصافحة، تغيرت ملامح العالم الذي نعرفه، وأصبحت المصافحة أشبه بحمل سلاح بيولوجي ناقل للعدوى!
والآن يحث خبراء الصحة العامة البشر على إعادة النظر في سلامة طقوس التحية اليومية البديهية، بل إن رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في أمريكا، أنتوني فوسي، قال: "لا أعتقد أننا يجب أن نتصافح مرة أخرى".
إلا أن المصافحة اعتبرت حتى اليوم التحية الواقعية في الأعمال الدولية والسياسة والمجتمع طوال الفترة الأطول من هذه الألفية، إذ تعود أصولها إلى آلاف السنين.
يقول خبير الأمراض المعدية في Mayo Clinic إحدى أكبر مؤسسات البحث الطبي في الولايات المتحدة، جريجوري بولندا: "عندما تمد يدك فإنك تمد سلاحاً بيولوجياً".
ويصف بولندا المصافحة لموقع BBC بأنها "عادة قديمة ولم يعد لها مكان في ثقافة تؤمن بنظرية الجراثيم".
ولكن هل نستطيع أن نتخلى عن هذه العادة المتجذرة في عاداتنا وتقاليدنا، فهل يمكن أن تندثر هذه العادة حقاً. وفي هذه الحالة، ما هي البدائل؟
تاريخ المصافحة
من مصر الفراعنة إلى بلاد ما بين النهرين إلى اليونان، تظهر صور المصافحة أو إظهار الأيدي المفتوحة كعلامة ثقة في الفن والأدب منذ آلاف السنين.
تشمل هذه الرسوم النقوش الحجرية البابلية وملاحم هوميروس.
يقول الخبراء إن قصة تاريخ المصافحة الأصلية غامضة بعض الشيء، ولكن غالباً ما يظهر الأشخاص وهم يمدون يدهم اليمنى الفارغة ليثبتوا للشخص الآخر أنهم لا يحملون سلاحاً، وبالتالي يمكن الوثوق بهم.
وتظهر الأعمال والموروثات الفنية الأخرى أن التحية بالمصافحة كانت تستخدم في الزواج وبين الحكام، وغيرها من المواقف التي تصور العمل معاً أو تعزيز العلاقات.
وفي عالمنا الحالي تعد المصافحة معياراً عالمياً للتحية والأعمال. وعن ذلك تقول أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، جوليانا شرودر: "على الرغم من أن المصافحة لا تُستخدم حرفياً للتأكد مما إذا كان الشخص الآخر يحمل سلاحاً أم لا، فقد حافظوا عليها كإشارة لإظهار النوايا الحسنة".
وأظهر البحث أن الناس أكثر استعداداً للعمل مع أولئك الذين يمدون أيديهم للآخرين للمصافحة في بداية المفاوضات، إذ يشير ذلك إلى دافع الثقة والتعاون والمتابعة.
التحيات في الثقافات الأخرى
المصافحة ليست التحية الوحيدة في مختلف أنحاء العالم، إذ تتجنب بعض الدول المصافحة أو المعانقة، بل والملامسة الجسدية من أساسها
في الدول الأوروبية يقبّل الفرنسيون بعضهم بملامسة الخد للخد ثلاث مرات، وفي إيطاليا قبلتان على الخد دون مصافحة الأيدي.
لكن حتى هذه القبلات لاقت اعتراضاً فيما يتعلق بالخوف من نقل العدوى.
لكن هذه الطقوس المجتمعية الراسخة يمكن أن تتغير مع تغير الظروف، فالطاعون الأسود وضع حداً لتقبيل الخدين في فرنسا لمدة قرون.
تحيات تتجنب اللمس
في الصين مثلاً، يحني الناس رؤوسهم قليلاً على الأمام، وفي اليابان أيضاً يحني المرحب برأسه، وقد يصل إلى أن يحني نصف جسمه الأعلى كلياً ليظهر مدى الاحترام والتقدير.
أما في الهند فتستخدم تحية تسمى "نماستي"، وهي تنص على لصق الكفين ببعض، ثم تقريبها إلى الصدر مع انحناءة بسيطة من الرأس.
في إندونيسيا، من تقاليد التحية وضع اليد على القلب أو الصدر وانتظار الآخر ليمد يده، وهي الطريقة التي يعتمدها المسلمون للاعتذار عن مصافحة الجنس الآخر.
بل إن من عادات المسلمين والعرب إن دخلوا على جمع كبير يتطلب مصافحة، تراهم يكتفون بوضع اليد على الصدر تحيةً للجميع، سواء كانوا رجالاً أم نساء.
مرحلة انتقالية "غير مريحة"
وربما نشهد في الفترة المقبلة مشاعر غير مريحة حول المصافحة ككل، فإذا حاول شخص ما مصافحة شخص آخر يرفض السلام باليد، فهذا يجعل الشخص الأول يشعر بعدم الارتياح.
لذا، من المحتمل أن تؤدي مثل هذه التصرفات إلى وصم المصافحة وتجنبها مستقبلاً منعاً لأي إحراج.
لذا يتوقع العلماء أن تكون هناك مرحلة غير مريحة للتخلص من هذه العادة تدريجياً، ولكن لا بد من التوصل إلى تحية بديلة ترضي حاجة الناس للتفاعل عند اللقاء والوداع.
بدورها تقول أستاذة الاتصالات الإدارية في جامعة ويسترن أونتاريو كانينا بلانشارد: "سنتأقلم".
وتضيف: "أنا لا أقول إنني سأكون سعيدة إذا انتهت المصافحة، ولكن أعتقد أنه إذا كانت هناك حاجة مجتمعية للتكيف، فنحن -كبشر- قادرون على التأقلم".