"إن لم تكن جنازتي هكذا.. فلن أموت"، كان هذا أحد التعليقات على فيديو "رقصة التابوت" في جنازة إفريقية، حيث يحمل التابوت أو النعش رجال يزفون الميت إلى مثواه الأخير على أنغام موسيقى غربية، ويسبق هذه الرقصة موقفاً فكاهياً يوحي بأنه انتهى بإصابة حتمية.
لا بد أنك شاهدت مؤخراً فيديو ظريفاً أو ميمات (جمع meme) لوقوع أحدهم أو تعرضه لموقف بالغ الخطورة، يتبعه مقطع فيديو لرجال أفارقة يحملون نعشاً على أكتافهم بينما يرقصون على أنغام أغنية Astonomia.
فمَن هؤلاء الراقصون، ولماذا يستعين البعض بخدماتهم غير المألوفة لتوديع أحبائهم؟
رقصة التابوت لتوديع الموتى في غانا
بعد البحث عن أصل هذه العادة التي أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي في 2020، تبين أن الرقص مع الكفن عادة اجتماعية سائدة في غانا، حيث تشكل الجنازات مناسبات اجتماعية هامة ووداعاً أخيراً للميت، بطريقة تحتفل بحياته وتحضره للحياة الأخرى.
ما فعلته هذه المجموعة هو الانتقال بهذا التقليد إلى مرحلة أكثر تقدماً وأناقة، لفتت أنظار العالم إليها.
ببزاتهم السوداء وأحذيتهم البيضاء والسوداء ونظاراتهم السوداء، تحمل مجموعة لا تقل عن 6 أو 8 أشخاص النعش أو التابوت، فيهزونه يمنة ويسرة وصعوداً وهبوطاً وسط أنظار الحاضرين.
ومن المثير للاهتمام أن عائلة الفقيد تستعين بخدمات هؤلاء الراقصين لتوديع الميت بأناقة. وذكرت شبكة BBC في تقرير سابق لها أن الهدف من التقليد بأكمله هو استحضار روح الفرح خلال لحظات الوداع الحزينة.
وقال قائد فرقة الرقص بنيامين إيدو، "قررت أن أضيف تصميمات الرقصات للجنازة، لذلك إذا جاء العميل إلينا فإننا نسأله: هل تريد الجنازة عادية أم تريد إضافة بعض الحركات الاستعراضية؟ أو ربما تريد بعض الرقص المصمم خصيصاً لها؟".
وساهم بنيامين في خلق نحو 100 فرصة عمل للشبان في غانا، علماً أنه يستثمر بعضاً من عائدات الأموال في شراء البزات والأحذية والقبعات وحتى النظارات الشمسية والإكسسوارات الذهبية اللافتة.
رقصة التابوت تصبح "ميم" 2020 على تيك توك
أول فيديو منشور على موقع YouTube موجود على هذه المنصة منذ العام 2015، وحقق حتى كتابة هذه السطور نحو 4.5 مليون مشاهدة، بينما نشر فيديو آخر العام 2017.
لكن يوتيوب لم يكن سبب شهرته، إنما موقع تيك توك أو Tik Tok؛ إذ يعود تاريخ أول ميم على هذه المنصة إلى 26 فبراير/شباط 2020، أي خلال فترة الحجر العالمي نتيجة أزمة فيروس الكورونا، والتي شهدت إقبالاً كبيراً على موقع Tik tok.
وكان المستخدم صاحب حساب @lawyer_ggmu على تيك توك أول من دمج سقوط متزلج بكليب الرقص بحملة التابوت، لينتشر بعد ذلك كالنار في الهشيم ويصبح ترنداً عالمياً.
بدأ الترند في الانتشار مطلع شهر مارس/آذار 2020، وما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
فشل ذريع على الفيديو
بات مزيج الرجال السود مع التوابيت ميماً يشير إلى نتيجة قاتلة. وفي كل مقاطع الفيديو على Tiktok، يتم استخدام مشهد فشل محاولة ما أو سقوط مؤلم تليه الرقصة الشهيرة للتابوت.
وتحول الراقصون الذين يحملون التابوت إلى نذير بالموت الوشيك، وسرعان ما تم توظيف هذا المزيج بطبيعة الحال مع جائحة فيروس كورونا.
إذ انتشرت على شبكة الإنترنت صورة للرجال كتب فوقها: "ابق في منزلك، وإلا سيرقص هؤلاء في جنازتك"، في إشارة إلى ضرورة الالتزام بسياسة التباعد الاجتماعي لاحتواء انتشار الفيروس عالمياً.
هز التابوت لدى بعض مسيحيي الشرق
في جنازة الفنانة اللبنانية صباح (مسيحية مارونية)، لوحظ استخدام طريقة مشابهة في هز تابوتها في تشييعها، حيث مرت بعدد من المناطق والقرى اللبنانية، بعدما كانت أوصت بأن يتم تشييعها على صوت الطبول والأغاني، وبأن تُزف غناءً ورقصاً إلى مثواها الأخير.
وصية الفنانة صباح وإن تماشت مع حياتها كمطربة وفنانة كان هز تابوتها أشبه باحتفاء بإنجازاتها كفنانة لبنانية.
لكن الأمر نفسه يُمارس عند تشييع مَن يعدون أبطالاً أو ضحايا، فيتم هز التابوت صعوداً ونزولاً من قبل حملته، كما حصل في جنازة الصحفي اللبناني جبران تويني، الذي ينتمي للطائقة الأورثوذوكسية.
وكان تويني قتل العام 2005 بتفخيخ سيارته في بيروت إثر أحداث سياسية وسلسلة اغتيالات هزت لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري العام 2004.