منذ عدة سنوات كنت في ضاحية المعادي وقت احتفال الهالوين "الذي لم أكن أسمع عنه قبل ذلك إﻻ في الأفلام الأمريكية". يومها ﻻحظت احتفال مجموعة من الأطفال بهذا الاحتفال، لم يضايقني الأمر، باعتباره ﻻ يعدو مظاهر فرحة "مفتعلة"، يبحث عنها الكل وسط مآسٍ تحيط بالأمة المصرية (كان هذا قبل الثورة).
مرَّت السنوات واندلعت الثورة، ﻻحظت بعدها في مدينتي (6 أكتوبر) تزايد عدد المحتفلين من أطفالِ ما يسمى الطبقة الراقية بهذا الاحتفال، طبعاً أصل الاحتفال وتاريخه مخالفان ﻷسس وأصول العقيدة الإسلامية، لكني حقيقةً أعتقد أن من يحتفل ﻻ يعبأ وﻻ يهتم وﻻ يقتنع بقصص الاحتفال المستمدة من مفاهيم مناقضة للمفاهيم التي نؤمن بها.
لكن دعني أحكِ لك موقفاً حدث معي يوم الاحتفال بالهالوين، هنا في أمريكا، التي ابتدعت الاحتفال بالهالوين في الأساس، كنا في مطار جون كينيدي بنيويورك وننتظر إقلاع طائرتنا إلى داﻻس بوﻻية تكساس، توجهت إلى شرطي التفتيش وأخبرته بأن زوجتي ﻻ تريد المرور عبر الجهاز الذي يقوم بتصوير الجسد بالكامل بالأشعة (وهو إجراء قانوني، من صميم حقوقك أن تمتنع عن المرور في الجهاز وتطلب تفتيشاً ذاتياً)، لم يمانع الشرطي وطلب عبر جهاز اللاسلكي امرأة شرطية، لكي تفتّش زوجتي.
في هذه الأثناء اقترب منا شرطي آخر "ملامحه هندية"، وحاول مساعدتنا عبر استعجال الشرطية التي ستفتش زوجتي، كما حاول تسهيل مرور أمتعتنا عبر التفتيش السريع لئلا نتعطل مرتين، ثوانٍ وحضرت الشرطية لكي تفتش زوجتي، استغرق الأمر دقائق.. بعد تفتيشها أردنا شكر هذا الضابط الذي اهتم بنا وحاول تسريع المهمة، توجهت إليه وشكرته ثم قلت له: "عيد هالوين سعيد-Happy Halloween".
بابتسامة عريضة قال لي: "ﻻ داعي للشكر، لقد قمت بواجبي"، ثم استوقفني بهدوء، ليستدرك بابتسامةٍ أعرض وباعتداد ملحوظ: "لكن أنا مسلم؛ ﻻ أحتفل بالهالوين".. ابتسمت وأنا فخور به حقاً.. ومضيت محتاراً في حين أقارن بداخلي بين من يعيش في مجتمع يحتفل بأكمله بتلك المناسبة بينما يمضي هو وحيداً عكس التيار في اتجاه مخالف فقط، ليحافظ على هويته، لأقارنه بمن يعيش في مجتمع عربي مسلم، لكنه يبحث بنفسه وفي كل مناسبة عمن يسحق له هويته أو يغير له في مفاهيم شخصيته!
الصور التالية من تصويري لمظاهر الاحتفال بالهالوين في نيويورك:
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.