قد يبدو من غير المنطقي أن بعض المواقع التي شهدت وجود كميات كبيرة من الإشعاع أصبحت تجذب السياح الآن، ولكن بالفعل مواقع التجارب النووية والألغام المشعة أصبحت تستقبل المزيد من الزوار بشكل منتظم، وتندرج هذه السياحة تحت تصنيف السياحة السوداء أو السياحة المظلمة.
تشمل هذه المغامرة زيارة أماكن سياحية مشعة؛ وهي الأماكن المرتبطة بالموت والحروب والدمار والكوارث، سواء الطبيعية أو التى تسبب فيها الإنسان، كالمناطق المحيطة بالبراكين أو المناطق التي تضررت بفعل الفيضان، أو المناطق التي شهدت كارثة نووية كزيارة الموقع المحيط بانفجار محطة تشيرنوبيل النووية في 1986.
إليك أبرز الأماكن السياحية التي عانت من الإشعاع لفترات طويلة:
سياحة المغامرات في ماري كاثلين.. مدينة الأشباح .
في الخمسينات، افتتح منجم ماري كاثلين لليورانيوم في أستراليا في الجزء الشمالي الغربي من ولاية كوينزلاند.
على بعد 3.7 ميل (6 كم) من هذا المنجم أقيمت بلدة صغيرة بلغ عدد سكانها ما يقرب من 1000 شخص، وتميزت بوجود مدرسة ومكتب بريد ومسرح سينمائي وبنك وغير ذلك.
خلال عامي 1958 و1963، تم استخراج أكثر من 4000 طن من أكسيد اليورانيوم من المنجم نتيجة لذلك، بدأت الاحتياطيات الضخمة تتراكم بسرعة، وهكذا تقرر إيقاف عمليات المنجم.
استمر الإيقاف المؤقت من عام 1963 حتى عام 1974 عندما أعيد فتحه، والسبب هو وجود عقود جديدة مع مرافق الطاقة اليابانية والألمانية والأمريكية، واستمر العمل حتى عام 1982 عندما استنفدت احتياطيات المنجم.
أغلق المنجم وهجر السكان البلدة، كل ما تبقى من البلدة هو أساسات المباني وحفرة غمرت بالمياه الخضراء.
بسبب المواد الكيميائية والإشعاعات التي أطلقت من الصخور، تحولت هذا المياه إلى اللون الأزرق.
تحفز المياه الزرقاء الخلابة في حفرة ماري كاثلين السياح على زيارة الموقع من أجل الحصول على الصور، التي ستكون موضع إعجاب أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن هل من الآمن القيام بذلك وفقاً للدكتور غافن مود، من معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا، فإن التقاط بضع صور هناك لن يسبب أي ضرر إشعاعي حقيقي. ومع ذلك، ينصح بمحاولة تقليل الوقت الذي تقضيه عند الحفرة. وبالتأكيد لا تسبح في المياه أو تشرب منها.
جرعة صحية من الرادون؟!
يعتبر غاز الرادون غازاً ضاراً بالصحة، إنه عديم اللون والرائحة، لا طعم له، ومشعّ، وتعتبره وكالة حماية البيئة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية مادة مسرطنة.
على الرغم من ذلك، يعتقد بعض الأشخاص أن الرادون هو علاج ناجح لبعض الحالات مثل التهاب المفاصل، ويوجد في جميع أنحاء العالم عدد من الكهوف والمناجم التي يدخلها الناس عمداً من أجل التعرض لتركيزات عالية من هذا الغاز.
أحد هذه المواقع هو منجم Free Radon Health Mine في بولدر، مونتانا، حيث يمكن للزوار النزول تحت الأرض لمسافة 85 قدماً (26 متراً) للاسترخاء في المنجم واستنشاق الهواء الغني بالرادون.
يصل متوسط درجة الحرارة لـ56 درجة فهرنهايت (13 درجة مئوية)، لذلك فإن ارتداء الملابس الثقيلة نوعاً ما أمر ضروري.
إذا كان المرء خائفاً، فيمكنه استنشاق الغاز فوق سطح الأرض، حيث يتم ضخ الرادون من 105 أقدام (32 متراً) تحت السطح. المدى المعتاد للعلاج بالرادون يستلزم ما بين 30 و60 ساعة في المنجم على مدار عشرة أيام.
غرفة التحكم في تشيرنوبل.. أخطر موقع انفجار نووي في تاريخ البشرية
الآن يمكن للسائحين الدخول إلى غرفة التحكم في المفاعل 4، وهو موقع القرارات التي أدت إلى أسوأ كارثة نووية في التاريخ. قبل ذلك، كان الوصول مقصوراً على عمال التنظيف والباحثين والصحفيين من حين لآخر.
تشير التقارير إلى أن مستويات الإشعاع في غرفة التحكم تزيد بمقدار 40 ألف مرة عن المستوى الطبيعي، لذلك يتعيّن على زوار غرفة التحكم ارتداء بدلات خاصة وأحذية صناعية. يمكنهم البقاء لمدة خمس دقائق فقط، وقبل مغادرتهم الموقع تُفحص أجسامهم وملابسهم باستخدام أجهزة مسح للتأكد من عدم تلوثهم بمستوى مرتفع من المواد المشعة.
على الرغم من حماس الحكومة الأوكرانية لاستثمار الموقع سياحياً، إلا أن العلماء حذَّروا من أن الإقبال السياحي على زيارة موقع الكارثة النووية "تشرنوبل" قد تكون له عواقب سلبية، بسبب أن جزءاً كبيراً من أرض تشرنوبل لا تزال مغطاة بمواد مشعة، والتي يمكن أن تشكل مخاطر صحية خطيرة على أولئك الذين يلمسونها، وأن بعض المناطق أكثر نشاطاً جراء الإشعاعات من غيرها، وبالتالي أكثر خطورة.
الاختبارات النووية صهرت الرمال إلى زجاج في الصحراء الأسترالية
في عام 1950 اتّصل رئيس الوزراء البريطاني "كليمنت أتلي" بنظيره الأسترالي "روبرت مينزيس"، للحصول على موافقته على اختبار سلاح بريطاني على الأراضي الأسترالية، في إطار سعيها لأن تصبح قوة نووية بعد الحرب العالمية الثانية.
وافق مينزيس، الذي كان حريصاً على الحفاظ على روابط قوية مع بريطانيا.
بين عامي 1952 و1963، أجرت الحكومة البريطانية -بموافقة ودعم من الحكومة الأسترالية- تجارب نووية في ثلاثة مواقع في أستراليا، وهي جزر مونتي بيلو قبالة ساحل أستراليا الغربية، وفي إيمو فيلد ومارالينجا في جنوب أستراليا.
كانت معظم الاختبارات في مارالينجا، ولم تكتشف السلطات الأسترالية مدى التلوث في مارالينجا حتى عام 1984، قبل أن تعاد الأرض مباشرة إلى أصحابها من السكان الأصليين "شعب مارالينجا تاروتجا".
وقد أجرت بريطانيا 12 تجربة نووية كبرى في أستراليا، ومئات التجارب الأخرى على نطاق ضيق بموافقة رئيس الوزراء الأسترالي روبرت منزيس.
وحصلت أكثرية هذه التجارب في مارالينجا في جنوب البلاد، وهجر أكثرية من السكان الأصليين، فيما تعرض من تبقى من السكان إلى مستويات إشعاعية خطرة.
تعرّض السكان الأصليون الذين لم يتم تحذيرهم بشكل كافٍ من مخاطر الاختبار للعمى، حيث تأثروا بالتسمم الإشعاعي، وأصيبوا بالعديد من المشاكل الصحية المرتبطة بالإشعاع.
خضعت مارالينجا لعملية تنظيف وإعادة تأهيل شاملة ومكلفة، تحت إشراف الوكالة الأسترالية للحماية من الإشعاع والسلامة النووية (ARPANSA)، وأنفقت الحكومة الأسترالية 108 ملايبن دولار لإعادة تأهيل المنطقة.
تم الانتهاء من عملية التنظيف الثالثة والأخيرة في عام 2000، ويمكن للزائرين الآن الانضمام بأمان إلى جولة تم إجراؤها في المناطق التي استضافت سبع تجارب للأسلحة النووية في الخمسينيات.
اليوم، يمكنك القيام بجولة بالحافلة في موقع مارالينجا، تشمل المعالم البارزة كالقرية العسكرية المهجورة والمطار، وعلامات تدل على مواقع العديد من التفجيرات النووية.
يمكنك مشاهدة بقايا من الرمال التي صهرتها الاختبارات النووية، فتحولت لزجاج. يمكن للسياح أيضاً زيارة الحفر التي دفنت فيها المركبات بعد عملية التنظيف النهائي.