وفي وقتٍ مبكر من صباح الأحد بمدينة كراتشي الباكستانية، تركب مجموعة من الفتيات الدراجات ويجبن طريقاً فارغاً بالقرب من مبنى إدارة الضرائب الباكستانية الذي يعود إنشاؤه إلى حقبة الاستعمار. في السادسة صباحاً غادرن الأزقة الضيقة في بلدة لياري، التي ذاع صيتها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية بأنها منطقة حرب، بعد فترة طويلة من النزاعات الوحشية بين العصابات. تحل عليهن الساعة الثامنة صباحاً وهن لا يزلن يركبن دراجاتهن فرحات، ويلبس أحذية الباليه، وتحت خوذات الدراجات يرتدين حجابهن بإحكام.
تقول غولو بادار، البالغة من العمر 15 عاماً: "اعتدتُ أن أركب دراجتي وحدي. من الجيد أن نركب الدراجات هنا، لأنه مكانٌ آمن ولا توجد به سيارات. من الجيد أن أشعر أن هناك فتيات أخريات يركبن الدراجات معي"، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
قيادة بلا استراحة
تقف زليخة داوود، مدربة ركوب الدراجات التي تعمل لدى مركز Lyari Girls Cafe ، وتسألهن: "ألا ترغبن في استراحة؟" فتصيح الفتيات بصوت واحد: "لا"، ويواصلن ملاحقة بعضهن البعض بالدراجات. يندر أن ترى نساء يركبن دراجات في باكستان، غير أن هذه المشاهد بدأت تظهر بشكل متزايد في أنحاء كراتشي صبيحة عطلة نهاية الأسبوع. إذ تحتل مجموعات متعددة لركوب الدراجات الشوارع، ومن بين تلك المجموعات Critical Mass.
وصلت مبادرات ركوب الدراجات إلى الجماعات مثل جامعة NED للهندسة والتكنولوجيا. وتوجد أيضاً رحلات بالدراجات منظمة تحت موضوع معين، من بينها رحلات لرفع الوعي حول شلل الأطفال، ورحلات للاحتفال ببدء موسم المانجو، وأخرى للاحتفال بذكرى ميلاد محمد علي جناح، مؤسس الدولة الباكستانية.
ومع زيادة شعبية رياضة ركوب الدراجات، بات العديد من الناس يعودون إلى ركوبها للمرة الأولى منذ طفولتهم. بالنسبة لعلياء مؤمن، ابنة الثلاثين عاماً، التي ركبت في سبتمبر/أيلول الماضي أول دراجة لها بعد انقطاع دام 15 عاماً، فإنها لم تجد صعوبة أبداً في استعادة كيفية ركوب الدراجات. وتقول علياء في هذا الصدد: "رجعت إلى ركوب الدراجات مرةً أخرى لأنني أجد فيه متنفساً لعواطفي. حين نركب الدراجات، تُفرز أجسامنا الإندورفين؛ وحينها يصل إلينا شعورٌ بالإنجاز".
مهمة صعبة بين 15 مليون شخص
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن ركوب الدراجات يمكن أن يكون مهمة صعبة في مدينة مزدحمة بجنون بها 15 مليون نسمة. ومع تحول كراتشي من بلدة للصيد إلى أول عاصمة لباكستان ووجهتها الاقتصادية في الوقت الراهن، زادت حركة المرور فيها وزاد أيضاً الوقت الذي يقضيه الناس في الانتقال من مكانٍ إلى آخر. كما أن الخيارات المتاحة للانتقال داخل المدينة باتت أسوأ من بعضها. ففي حافلات المدينة المتداعية، تتكدس النساء في القسم المخصص لهن، والذي لا يحتوي سوى على بضعة مقاعد. كما يشيع التحرش الجنسي داخل الحافلات وفي محطات الانتظار، كما أن محدودية الخدمة تُرغم الركاب على السير لمسافات طويلة. بالنسبة للنساء، فليس أمامهن خيار سوى تقاسم سيارات التاكسي أو سيارات الركشة؛ وهو حلٌ باهظ التكلفة في أغلب الأحيان، أو الاعتماد على أقاربهن الذكور لإيصالهن إلى العمل أو المدرسة.
ربما يكون ركوب الدراجات أحد الطرق التي تكتسب بها النساء حرية شخصية واقتصادية، غير أنه لا يزال طويلاً ومليئاً بالحفر أمامهن، ربما بالمعنى الحرفي للكلمة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن شوارع باكستان مليئة بالحفر. بالنسبة لمعظم النساء، فإن ركوب الدراجات لا يعدو كونه نشاطاً للاسترخاء في عطلة نهاية الأسبوع، وليس وسيلة للانتقال. إذ إن كراتشي لا تحتوي على شوارع مخصصة للدراجات أو أماكن للانتظار خاصة بها، كما أن حركة مرور السيارات تتسم بالفوضى. كما أن معظم راكبي الدراجات في الطرقات هم من عمال اليومية الذين يستخدمون دراجات بدائية. ولكن، في حين يركب معظم الناس الدراجات لإنجاز مشاوير سريعة، فإن الخوف من التعرض للسرقة يمنع العديد من الناس من ركوب الدراجات حين يكون معهم كمبيوتر محمول على سبيل المثال.
العرف الاجتماعي العائق الأهم
وبالنسبة للنساء، فبالإضافة إلى المخاطر الأمنية، يوجد أمامهن عائق النضال ضد الأعراف الاجتماعية. إذ غالباً ما تتوقف النساء عن ركوب الدراجات حين يدخلن مرحلة المراهقة، ويلجأن بدلاً من ذلك إلى الركوب عليها بشكل جانبي. تقول فايزة حسن، التي تبلغ من العمر 32 عاماً، وتركب الدراجات برفقة فتيات نادي GG، إن النساء يحجمن عن ركوب الدراجات بسبب الأعراف الثقافية للبلاد، بل وأحياناً بسبب تأثير عائلاتهن عليهن. وفي هذا الصدد تقول فايزة: "لقد تعرضنا لعملية غسيل دماغ لنقتنع أننا لا يمكن أن نركب دراجة. بالنسبة للنساء ممن هن في عمري، لا يمكن لهن حتى أن يتخيلن أن بوسعهن فعل أي شيء".
بدأت زليخة داوود، منسقة نادي Lyari Girls Cafe، ركوب الدراجات لأول مرةً في شوارع حيها غير المستوية مع زميلة أخرى لها. وتصف داوود هذه التجربة وهي تجلس في الغرفة الأمامية للنادي في إحدى أمسيات الأسبوع الهادئة، وتقول: "كان شعوراً جيداً، شعرنا بالحرية". انقطع التيار الكهربائي وهي تتحدث، وصعد صوت محركٍ مرتفع في الخلفية. وواصلت داوود حديثها: "واجهنا بعض المقاومة من الطلاب في المدرسة، ومن بعض الأشخاص المتدينين، ولكن الفتيات عنيدات بطبيعتهن، وإذا أوقفت فتاة في طريقها فستعرف كيف تفتح لنفسها عدة طرق أخرى".
البحث عن الأمل المنشود
قررت الفتيات أنَّ تجمعهن معاً يُحقق لهن الأمان المنشود، لذا بدأن في التدرب معاً داخل النادي لسبعة أشهر، ويتعلمن من أربع نساء يعرفن جيداً كيف يركبن الدراجات. وحين أصبحت المجموعة كبيرة بما يكفي، تمكن من خوض مغامرة النزول إلى الشارع.
كانت حبيبة الله داد، التي تبلغ من العمر 39 عاماً، والمقيمة في بلدة لياري، مترددة في البداية، ظناً منها أن وزنها سيكون عائقاً أمامها. وهي الآن تأمل أن تتمكن يوماً ما من استخدام الدراجة لقاء المشاوير السريعة: "أريد أن أُري سكان الحي أن الفتيات اللاتي لديهن الرغبة القوية في ذلك، يمكنهن النظر إليَّ والاقتداء بي"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي حين تجد بعض النساء الأمان في الصُحبة، فإن العديد من جماعات ركوب الدراجات تعتمد على سيارات وميكانيكيات داعمة. وبذلك لا تركب النساء الدراجات وحيدات في الشوارع الرئيسية. تقول صدف فرقان، البالغة من العمر 42 عاماً، صباح أحد أيام الأحد، بعد أن أتمت ركوب الدراجات لخمسة وعشرين كيلو متراً مع مجموعة Cycologists: "حين نركب الدراجة يكون لدينا شعورٌ بالحرية؛ غير أن ركوب الدراجة ونحن وحيدات ليس خياراً متاحاً. أحلم باليوم الذي أستطيع فيه ركوب الدراجة والخروج وحدي، لأنني الآن ملزمةٌ بانتظار الآخرين لأتمكن من ركوب الدراجة. وإذا أردتُ أن أركب الدراجة لمسافة طويلة، فيلزم أن يكون هناك خمسة رجال على الأقل في المجموعة".
إن كل امرأة عقدنا معها مقابلة تقريباً تذكر تعرضها لمعاكسات وتحرش وتحديق النظر بها. وفي هذا الصدد تقول زليخة داوود: "الناس يظنون أننا قادمات من كوكب آخر".
الرجال ليسوا متسامحين على الإطلاق
وتضيف مأمون: "مهما كانت درجة الانفتاح الفكري التي يزعم الناس أنهم قد وصلوا إليها، إذا حاول شخصٌ ما القيام بشيء جديد، فلا يمكنهم التسامح معه. لا سيما الرجال، الذين يعانون من هشاشة بالغة في الغرور".
تثير النساء اللاتي يركبن الدراجات استفزاز المحافظين في باكستان. ففي بيشاور على سبيل المثال، احتجت الأحزاب السياسية الدينية على سباق دراجات للنساء نظمته جمعية Zamung Jwandun (أو شبابنا) وهي منظمة غير حكومية محلية. وقد استلهمت وفاء وزير، مؤسسة المجموعة التي تبلغ من العمر 23 عاماً، فكرة تأسيس المجموعة من حكايا النساء اللاتي يرغبن في قيادة سيارات الركشة أو ركوب الدراجات. ومع تزايد المعارضة للخطة، أُجبرت وفاء على تأجيل خططها، للحفاظ على سلامة المشاركات.
لم يثنِ هذا فتيات لياري عن عزمهن، ولا أي سيدة في كراتشي وجدت في ركوب الدراجة تنفيساً لضغوط الحياة.
وتضيف حبيبة الله: "إنهم يرغبون في تخويف الفتيات كي لا يخرجن ويركبن الدراجات، لأنه إذا تشجعت الفتيات على ركوب الدراجات، فربما مع الوقت يتمكن من ركوب الدراجات البخارية. وأظن أن المجتمع يشعر بالحنق من رؤية الفتيات وهن يسرن نحو الأمام".