ألمانيا تستعد لافتتاح مطار «الصدمة القوية» بعد اكتشاف نصف مليون خلل

تستعد ألمانيا لافتتاح واحد من أكبر مطاراتها في العاصمة برلين، بعد أن تأخر إنجازه لنحو 13 عاماً، بسبب مشاكل مالية وفنية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/01 الساعة 17:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/01 الساعة 18:13 بتوقيت غرينتش
العاصمة الألمانية باتت تتوفر على 3 مطارات/ رويترز

تستعد ألمانيا لافتتاح واحد من أكبر مطاراتها في العاصمة برلين بعد أن تأخر إنجازه لنحو 13 عاماً، بسبب مشاكل مالية وفنية.

يمكننا أن نلتمس العذر لأي شخصٍ سيعتقد أنَّ مطار براندنبورغ يمكن أن يكون مُكافئاً لمطار هيثرو في لندن، إذ يبدو من الخارج فخماً ورائعاً، حسب ما أوردته صحيفة The Daily Mail البريطانية.

ولكن في حال دخول المطار والتوجُّه إلى مكتب تسجيل الوصول في المبنى الرئيسي بالمطار، فسيقابلك صمتٌ مريب.

21 عاماً لبناء مشروع "الصدمة القوية"

إذ كان من المقرر أن ينتهي تشييد مطار برلين، الذي من المفترض أن يكون محوراً للطيران، في صورة بناءٍ مبهر عام 2012، أي بعد قرابة 21 عاماً من التخطيط المبدئي له بوصفه مشروعاً طموحاً لتوحيد شرق المدينة مع غربها إثر سقوط الجدار الحديدي.

لكن الخبراء العالميين في البنية التحتية يُطلقون عليه الآن لقب "الصدمة القومية"، ويصفونه بأنَّه مثالٌ نموذجي على "كيفية عدم إنجاز المشاريع".

صالة انتظار داخل المطار الجديد
صالة انتظار داخل المطار الجديد

إذ ما تزال مكاتب تسجيل الوصول والمصاعد الجديدة غير صالحةٍ للاستخدام. وصحيحٌ أن شاشات مواعيد قيام الرحلات تعمل، لكن الرحلات المعروضة تخُصُّ مطارات أخرى. وفي فندق المطار الأنيق، يفتح فريق صغير من العمال الصنابير وينظفون المكان من الغبار، حتى لا تتدهور حالة المبنى.

وتقع محطة القطار التي تعمل بطاقتها كاملة أسفل صالة المغادرة والوصول، غير أنَّ جدول المواعيد لا يتضمَّن سوى "قطار أشباحٍ واحد"، يُستخدم لتوزيع الهواء بدلاً من نقل الركاب الذين لا وجود لهم.

ولكن الشركة المسؤولة عن بناء المطار، والتي تديرها الحكومة جزئياً، تعهَّدت بفتح أبواب مطار براندنبورغ (BER) أمام الركاب العام المقبل.

فما الخطأ الذي حدث وأدَّى إلى تأخير افتتاحه؟

حين سقط جدار برلين عام 1989، كانت إحدى الأولويات الأولى لتوحيد شطرَي ألمانيا المقسمة هي النهوض بالبنية التحتية التي كان الشطر الشرقي يفتقر إليها.

وأشار رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي الأسبق، إلى الحاجة لإنشاء مطار خلال خطابه الشهير "اهدموا هذا الجدار"، والذي ألقاه في برلين قبل عقدين من البدء في إنشاء المطار.

وقال ريغان: "لفتح برلين، شرقها غربها، أمام أوروبا بأكملها؛ يجب أن نُوسِّع نطاق الوصول الجوي الحيوي إلى هذه المدينة، ولنبحث عن وسائل تجعل الخدمات الجوية التجارية لبرلين أكثر مُلاءمةً، وراحةً، واقتصاداً. ونتطلع إلى اليوم الذي تصبح فيه برلين الغربية واحدةً من مراكز الطيران الرئيسية داخل أوروبا الوسطى".

وحين سلَّمت الحكومة الألمانية بأنَّ مطارات تمبلهوف وتيغيل وشونفيلد بحاجة إلى استبدالها، كلّفت شركة "Berlin Brandenburg Flughafen Holding" للإدارة الإشراف على بناء المركز الجوي الجديد.

ولكن الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 أعاقت سير العمل، الذي بدأ في عام 2006، وهو ما أجبر الحكومة بنهاية المطاف على البدء في استخدام الأموال العامة. ولكن نقص الأموال لم يَكُن سبباً في توقُّف المشروع بالنهاية.

إذ قالت جينيا كوستكا، الأستاذة الجامعية من جامعة برلين الحرة، في حديثها إلى شبكة BBC: "كان المجلس المُشرِف مليئاً بالساسة الذين لم تَكُن لديهم أدنى فكرة عن طريقة الإشراف على المشروع. وكانوا هم المسؤولين عن القرارات الرئيسية".

وتُفيد التقارير بأنَّ محاولات توفير الأموال دفعت المسؤولين إلى تسليم عشرات العقود لشركات صغيرة من أجل تنفيذ مهام متعددة، والضغط عليها من أجل العمل بمقابل أقل. إذ قال مارتن ديليوس، السياسي السابق في برلين: "لقد أسسوا نظام إشراف معقداً للغاية، ولكنه لم ينجح".

وهناك أشياء غريبة رافقت إنجاز أكبر مطار في برلين

ومن أغرب الأمور التي اكتُشِفَت عن المشروع أنَّ حجم المطار تضاعف إبان تشييده، بحسب ما كشفته محطة Radio Spaetkauf الإذاعية الألمانية في نشرةٍ صوتية بعنوان "كيف تُفسد مطاراً؟".

إذ اضطر رؤساء الشركة، بعد اكتشافهم أن المخطط الأصلي للمطار لا يضم أي متاجر تقريباً نتيجة كره مُهندسه المعماري للتسوُّق، إلى إجراء تغيير كبير في المخططات، لإضافة مساحة للمطاعم والمتاجر.

وفقد المصممون سيطرتهم على ما تم إنجازه، أو حتى موقعه، في نهاية المطاف، بسبب العدد الهائل من المقاولين والبنَّائين المشاركين في المخططات.

الأشغال لا زالت مستمرة داخل المطار
الأشغال لا زالت مستمرة داخل المطار

وعلى الرغم من تلك المشكلات، رتَّب الرؤساء لافتتاحٍ كبير كانت ستحضره المستشارة أنجيلا ميركل عام 2012.

ولكن الاحتفال أُلغِيَ فوراً؛ إثر إجراء الموظف المحلي المسؤول عن التصديق على السلامة من الحرائق فحوصه على المبنى. إذ تبيَّن أنَّ أجهزة الكشف الأمنية وأبواب الإنذار بالحرائق لم تكن تعمل، لأنَّ الشركة كانت تستخدم أنظمةً مؤقتة، يجلس فيها موظفون بجانب الأبواب لإطلاق الإنذارات.

فقد وجد المتخصصون 500 ألف عطب في المطار

وإزاء شعورهم بالحرج من هذه الأخطاء، طلب الرؤساء قائمةً بجميع الأعطاب التي عُثر عليها في الموقع بالكامل. وجاءتهم قائمةٌ تضم نحو 550 ألف عطب؛ بدايةً من الكابلات المفقودة أو في غير مكانها الصحيح، ووصولاً إلى أنظمة الأمن الضعيفة، وانتهاءً بقائمة لا نهاية لها..

ولم يَعُد بإمكانهم هجر المبنى أو هدمه، بعد إنفاقهم مبالغ طائلة على المشروع. وقال مارتن ديليوس: "لقد وصلوا إلى نقطة اللاعودة، فهذه أموالٌ عامة. وإذا أنفقتها، فلا بد أن تخرج بنتيجة".

وتعمل شركة الإدارة الآن بِجد لتضمن افتتاح المطار في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وستبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 6.81 مليار دولار، أي أعلى من المبلغ الأصلي المتوقع الذي بلغ نحو 2.27 مليار دولار في مرحلةٍ سابقة من المشروع، وهو المبلغ الذي يأخذ في الحسبان العدد الهائل من الأعطاب التي أصابت المشروع.

وسيُموِّل دافعو الضرائب الألمان جزءاً كبيراً من المبلغ الإجمالي، إذ تمتلك الحكومة الفيدرالية حصةً تبلغ 26% في المشروع.

ومن المنتظر أن يساعد التزام الموعد النهائي الجديد، بعد 16 شهراً، على استرداد بعض الكرامة إثر تأخُّرٍ دامَ ثماني سنوات وميزانيةٍ إضافية تُقدَّر بقرابة 4.54 مليار دولار.

تحميل المزيد