أسود السنغال لا تشبه غيرها ، حيث أفق الليل يضيء باللون الأحمر من الحرائق التي أوقدها الصيادون. ومن بعيد تشتعل جوانب تل كان عمال مناجم الذهب غير الشرعيين يفجرونه بالقنابل. وفي منتصف طريق سريع مزدحم، كان حارس الحديقة يسند أنثى ظبي من نوع بوشبوك ليذبحها.
تتصاعد التهديدات للحياة البرية في كل ركن من أركان أكبر متنزه وطني في السنغال.
كانت أعدادٌ كبيرة من الأسود والنمور والفيلة والوحوش الأخرى تجوب السنغال ذات يوم، لكن عقوداً من الصيد والتنمية قضت عليها كلها تقريباً.
في حديثة نيكولو كوبا بالسنغال الخطر يحيط بالحيوانات من كل جانب
حتى هنا في الحديقة الوطنية المعروفة باسم نيوكولو-كوبا، تداهم المخاطر العينة الصغيرة من الحيوانات البرية التي تمكنت من البقاء.
تعرَّضت الظبية لأحدها، إذ صدمتها سيارة، فوضع الحارس حداً لمأساتها.
يشمل المظهر المُحزِن للحيوانات البرية المتبقية في المتنزه بضع عشرات فقط من قرود الشمبانزي، وما يقرب من 100 كلب إفريقي بري، وعدداً ضئيلاً من الأسود.
وبينما كان مسحٌ أُجرِيَ في العام 2011 قد أحصى 13 منهم، ربما يكون هناك 100 منهم الآن.
يعمل حراس الحديقة وجمعيات الحماية الدولية على الحفاظ على ما تبقى من هذه الحيوانات.
وتأمل البلاد بالتحديد أن تنمِّي عدد أسود غرب إفريقيا المشرفة على الانقراض، التي تتميز بلبدة أخف، وهي أنحف من الأنواع الأخرى.
250 أسداً فقط ما زالت حية في غرب إفريقيا
الأسود تمثل للسنغال ما يمثله النسر الأصلع لأمريكا. فالختم الرئاسي يحوي صورة لأسد، وتميمة منتخب كرة القدم الوطني هي أسد، وتنتشر تماثيل الأسود في مداخل البلدات وأمام الوحدات العسكرية.
وتتوسط دمية أسد أبيض قادمة من الخارج بهو القصر الرئاسي.
لا يوجد الآن أكثر من 250 من أسود غرب إفريقيا، يعيشون في جيوب صغيرة في السنغال ونيجيريا وأماكن أخرى، على 1% من الأراضي التي كانوا يسكنونها ذات يوم.
إعادة هذه الأعداد تعني حماية الحيوانات الموجودة عبر السلسلة الغذائية.
منذ حوالي عام، انتقل فريقٌ صغير من بانثيرا، وهي مجموعة تعمل على حماية القطط البرية وموائلها، إلى نيوكولو-كوبا، لتنظيم دوريات الحراس وبناء موقع جديد على تل عشبي في جزء بعيد من الحدائق المحمية -أو على الأقل التي يُفتَرَض أنها محمية.
دوريات منظمة لحماية ما تبقى من الأسود
توظف السنغال حوالي 130 حارساً للحديقة، يقومون بدوريات في منطقة محدودة تبلغ 3500 ميل مربع (9065 كم مربع) من الحديقة.
يتمركزون في السافانا الجافة بالقرب من المدخل الرئيسي للحديقة، وهو المكان الذي ترجح فيه رؤية الأسود، وليس بعيداً عن مجموعة رثة من الكبائن السياحية على طول نهر غامبيا الواسع، تلبي احتياجات عدد قليل من زوار الحديقة.
يدفع برنامج بانثيرا التجريبي لحراس الغابات، ليتجولوا في المناطق النائية وغير المحمية جيداً في الطرف المقابل للحديقة بشكل منتظم.
بهذه الطريقة إذا نما عدد الأسود، فسيكون لديهم مساحات آمنة للتجوال فيها.
بالنسبة للفريق الصغير المتمركز في مركز نويكلو النائي بجوار نهر مليء بالتماسيح، قد تبدو المهمة غير مجدية، فبعد أكثر من عام على الأرض، لم يرَ أحدٌ أسداً.
الصيادون غير الشرعيين ينافسون الأسود على طعامها
في ظهيرة يوم ما مؤخراً، ارتفعت أعمدة شاهقة من الدخان الأسود عبر الأفق الشمالي بأكمله، من حرائق أشعلها الصيادون، على أمل تخويف الحيوانات ليهربوا تجاه بنادقهم.
مثل الأسود، كان الصيادون غير الشرعيين يبحثون عن ظباء للعشاء. يتنافس الاثنان على الوجبات.
كان للحريق، الذي بالكاد نجا منه معسكر الحراس، جانبٌ ممتع لهواة مراقبة الطيور من السياح القادمين من هولندا وبلجيكا.
فقد أخرجوا مناظيرهم ليتأملوا طيور الأركوم وعصفور النار والعوسق الرمادي، التي أتت لأكل الجراد الهارب من اللهب المتصاعد.
"لا توجد حيوانات كبيرة هنا"، هكذا قال بيتر جروبن، أحد مراقبي الطيور، ساخراً، عندما سُئِلَ عمَّا إذا كان قد اكتشف أسداً خلال 23 عاماً واظب خلالها على زيارة الحديقة.
ويتباهون بضحاياهم من الحيوانات
الصيادون هنا ليسوا عصابات الصيد الجائر الدولية المدججة بالسلاح، التي تقضي على الموجود في دول أخرى من إفريقيا، لديها جوائز أكثر وفرة للنهب.
كان أحد الاعتقالات الأخيرة نموذجاً: رجل وحيد في أواخر الستينات من عمره، على دراجة متهالكة، يحمل بندقية لحمها بشريط لاصق وقطعة من الأسلاك.
وقالت فلورنس فيرنادات، منسقة مشروع بانثيرا: "إنها ليست حرباً كما هي الحال في أماكن أخرى".
وأضافت: "من الممكن بسهولة وقف الصيد الجائر"، فقط إذا تم توظيف المزيد من الحراس.
الصيادون واثقون تماماً من عدم القبض عليهم، لدرجة أنهم يجففون جلود صيدهم بوقاحة لعدة أيام داخل حدود الحديقة.
فأرض الأسود غنية بالذهب أيضاً
تقع الحديقة على أرض غنية بالمعادن. تنتشر بقع من خام البوكسيت الصدئ عبر التضاريس، كما لو كانت ساقطة من السماء.
وثمة أوردة طويلة من الذهب مطمورة تحت أرض الحديقة. تسلل العشرات من عمال المناجم غير القانونيين عبر واحدة من أطول نقاط الحراسة في الحديقة.
صباح أحد الأيام الأخيرة، كان عمال المناجم يفحصون الصخور بحثاً عن عروق الذهب.
وقاموا بتفجير 250 حفرة عميقة للتنجيم على طول حافة التل، باستخدام المتفجرات البلاستيكية.
طارد الحراس عمال المناجم منذ حوالي 6 أشهر، واستولوا على معداتهم واعتقلوا أي شخص أمكنهم اللحاق به.
لكن العمل هناك استأنف قريباً. الانفجارات المتكررة تعني أن الحيوانات ستبقى بعيداً.
لكن أحد حراس الأمن الشباب حول المنجم، قال إن الحافلة التي كان يستقلها انزلقت في حفرة مؤخراً في الطريق السريع الواقع عند قاعدة التل، بينما كان أسد يعبر.
وحركة المرور لا ترحم حيوانات الحديقة
يمر طريق سريع رئيسي في منتصف الحديقة، حيث تنقلب كثيراً الشاحنات القديمة المكدسة بسرعتها العالية، فتنقلب محتوياتها السامة على الأعشاب.
الخنازير والكلاب البرية والظباء التي تشبه الخيول المعروفة باسم الهرتبيس تموت في كثير من الأحيان ضحايا على الطريق.
قبل بضعة أسابيع وجد حارس ضبعاً مدهوساً. حز السائق رأسه ليحصل على ثمن لها.
كانت الظبية، البنية المرقطة بالأبيض، لا تزال تنتفض عندما صادفها الملازم لانج حليمة ديديو، في مساء قريب، بعد مهمة لاستعادة البيانات من كاميرا مخفية.
صدمتها شاحنة وكانت تنزف من بطنها، فأنهى معاناتها.
ثبت حارس آخر ساقيها المنتفضتين، بينما قام الملازم ديديو بسحب سكينه.
سرعان ما توقف الانتفاض. سال مجرى دماء عبر الرصيف. حمل الملازم جيفتها في الجزء الخلفي من سيارته الصغيرة.
"يقتلونها طوال الوقت"، قال متمتماً بهدوء لنفسه، عن حركة المرور.
وحراس الحديقة يحتفلون ببراز الفيل
حتى تلك اللحظة، كان المساء ناجحاً إلى حد كبير، بينما كان الملازم ديديو يسير عائداً من تغيير بطاريات الكاميرا المخفية.
توقف فجأة وأشار إلى مناطق بيضاوية كبيرة مدهوسة من العشب؛ آثار فيل.
قبل أشهر فقط، ظهرت صورة فيل على الكاميرا. لم ير أحدٌ فيلاً صحراوياً في الحديقة منذ سنوات. يعتقد الحراس بوجود قرابة ثلاثة منهم.
هش الملازم ديديو ذباب تسي تسي، كان يقفز تقريباً متتبعاً خطى الفيل. انحنى ورفع كومة من البراز بين ذراعيه، حضنها كأنها طفل.
قال: "عندما يقول الناس إنه لا توجد أفيال في هذه الحديقة، سأريهم هذا".
في وقت لاحق من تلك الليلة في المخيم، خرج أعضاء الفريق لتحيته بمزيج من المشاعر. حزنوا على الغزالة الميتة، لكنهم صرخوا عندما رأوا روث الفيل.
قامت السيدة فيرنادات، الباحثة، بتقريب وجهها إليه، واستنشقته بعمق. قفزت هي والملازم ديديو إلى الأعلى والأسفل معاً.
بعد بضعة أيام، حصل الفريق على مفاجأة أخرى، رصدوا لبؤة وثلاثة أشبال.
كان ذلك دليلاً على أن جهودهم تؤتي ثمارها حتى الآن. كان أشبالها يلعبون في منتصف الطريق السريع.