أحدهم مات في ظروف غامضة وآخر في الـ 20 من عمره.. من يملك منزل شيرلوك هولمز البالغ 130 مليون يورو

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/24 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/24 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
London, United Kingdom - October 30, 2013: People are sitting outside in the evening at the restaurant with the name of the famous detective "Sherlock Holmes"

لافتة زرقاء معلقة على هذا المنزل المتصل بالمنازل المجاورة له، وتظهر عليه مظاهر العمارة الجورجية، كُتِبَ عليها موقع متحف شيرلوك هولمز بلندن.

في مدينة المباني متعددة الطوابق، بلغت شهرة منزل المتحري الخيالي أقصاها.

والمتحف أيضاً ليس الموقع الأصلي للمنزل الخيالي للمتحري الخيالي.

إذا كنت تقف أمام المتحف، ونظرت إلى اليسار، فسترى مجموعة من الشقق السكنية والمكاتب المزخرفة. هذه هي ما تضم الشقة الأصلية التي كان يسكنها شيرلوك -221b شارع بيكر.

في القرن الواحد والعشرين فقد الموقع الأصلي مكانته باعتباره موطناً لأكثر رجال بريطانيا المحاربين للجريمة شهرة. وبدلاً من ذلك، أصبح الآن رمزاً لسمة حديثة للغاية في لندن: أصبحت المدينة قبلةً للأموال المنهوبة من نخب الدول الفاسدة.

تملك مجموعة من الشركات السرية الخارجية التي تخفي هوية مالكها البناية التي تمتد من 215 إلى 237 بشارع بيكر، والتي تُقدر بـ130 مليون يورو (183 مليون دولار).

إنها مسألة تفوح رائحتها بين النشطاء المناهضين للفساد: ففي عام 2015، تحدث ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء وقتها بشكل مختلف عن مزاعم بخصوص هذه البناية، في خطاب له في سنغافورة، وأكد قائلاً: "نحن في حاجة لوقف المسؤولين الفاسدين، أو المجرمين المنظمين من استخدام شركات وهمية مجهولة لاستثمار مكاسبهم غير المشروعة في إحدى ممتلكات لندن" وبعد عامين حددت الحكومة المباني في خطتها لمواجهة الفساد في الفترة من 2017 إلى 2022.

سبق وتحرت المنظمات المناهضة للفساد عن هذه البنايات، وطرحت مجموعة الملاك السريين المحتملين لها.

تشير أوراق المحكمة التي اطلع عليها موقع Quartz الأمريكي والمستندات المسربة في أوراق بنما، إلى أن جزءاً من هذه المباني على الأقل يعود لفرد أو أكثر من عائلة رئيس كازاخستان  نور سلطان نزارباييف.

تجعل الطبيعة السرية للشركات الخارجية مهمة تحديد مَن في دائرة نزارباييف يملك هذه البنايات، تستحق أن ينظر فيها هولمز نفسه. لكن تشير تقارير Quartz إلى أن حفيد نزارباييف، نور علي علييف مرتبط بهذه البناية، وابنته داريغا نزارباييف أيضاً ربما تكون متورطة، علاوة على آخرين معهم. وتربح كل من الابنة والحفيد في ثروتهما الخاصة مئات الملايين، بعد سنوات عديدة قضياها في وظائف حكومية، طبقاً لصحيفة Forbes كازاخستان.

تفرض هذه القضايا رفيعة المستوى، مثل قضية شارع بيكر، اختباراً على التزام بريطانيا بتحقيق الشفافية في الملكية والسيطرة على الشركات هناك. ما هو المكان الأفضل للبدء من "منزل" شيرلوك هولمز الأصلي الغامض؟

فضيحة بالقرب من منطقة بلغرافيا بلندن؟

متحف شيرلوك هولمز
متحف شيرلوك هولمز

الفساد متفشٍّ في أفغانستان. احتلت الدولة السوفيتية السابقة، التي تُصنَّف من أعلى الدول في احتياطي النفط والغاز، المركز الـ122 من بين 180 دولة في الشفافية الدولية ومؤشر الفساد العالمي.

يقول رئيس الوزراء الكازاخستاني السابق، آكزهان كازيجيلدين، الذي كان يعمل في عهد نزارباييف، وهو الآن جزء من المعارضة في منفاه: "إنها مشكلة وطنية كبيرة". وأضاف: "سيطرت مجموعة صغيرة من الناس على الدولة، ومؤسسات إنفاذ القانون بها، وأجهزتها الأمنية، وتستغلها في حماية مخططاتها لزيادة ثرواتها".

وفي الوقت نفسه، تمكِّن دول مثل المملكة المتحدة الفاسدين من كل أنحاء العالم، عن طريق إخفاء الأموال المنهوبة. يقول ألكسندر كولي، مدير معهد هاريمان بجامعة كولومبيا، والمؤلف المساعد لكتاب "ديكتاتوريون عابرون للحدود: السلطة والمال في آسيا الوسطى": "تحتل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الصدارة في تقديم الخدمات الدولية" لفاحشي الثراء "لتنظيف أذيال أموالك و… غسيل سمعتك".

من الواضح أن بنايات شارع بيكر كانت جزءاً من هذا النمط. في عام 2015، أشار تقرير لمنظمة لمحاربة الفساد تدعى Global Witness إلى أن ملكية هذه البنايات كانت مرتبطةً برخاء علييف، الزوج السابق لابنة الرئيس الكازاخستاني، ونائب رئيس الأمن الكازاخستاني، الذي مات في ظروف غامضة في زنزانة بأحد السجون النمساوية في العام ذاته.

لكن المحامين في شركة BCL Burton Copeland التي تمثل المدير المرشح للشركة القابضة التي تملك البنايات، أنكروا بشدة أن رخاء علييف كان مالكاً من قبل.

هل من الممكن أن يكون ملكاً لأعضاء آخرين من عائلة علييف، مثل ابنه نور علي، أو زوجته السابقة داريغا؟

يقول توم ماين الذي ساعد في بحث تقرير Global Witness حول البنايات: "هذا هو السؤال الذي يساوي 130 مليون يورو". وأضاف: "استبعدت الشركة رخاء، لذا هذا يترك لنا نور علي، وداريغا". لم ترد شركة BCL Burton Copeland على تساؤلات موقع Quartz حول ملكية زوجة علييف السابقة، داريغا، أو ابنه نور علي أي من أسهم الشركة في أي وقت من الأوقات.

لطالما أشيع أن نزارباييف، عضوة المجلس التشريعي الكبيرة، ونائبة رئيس الوزراء السابقة ستخلف أباها في رئاسة كازاخستان. وتعرض ابنها الذي كان نائب عمدة أستانا، عاصمة كازاخستان لشائعات مشابهة عن التوريث. ويقول كولي إن كلاهما جزء من "مجموعة كاملة من المليارديرات عبر أوراسيا، ودول العالم النامي، التي لا تزال مصادر دخلهم غامضة نسبياً وغير معروفة".

من السهل والطبيعي أن تكتشف ملاك شركة مملوكة لإحدى العائلات في بريطانيا. الشركات المسجلة في المملكة المتحدة ملزمة بإعلان أي شخص يملك أكثر من 25% من أسهمها باعتباره شخصاً ذاً تأثير كبير. لكن شركة Farmont Baker Street الخاصة المحدودة، المسجلة مالكاً لبنايات شارع بيكر تقول ملفات شراكتها إنه لا يوجد أحد ينطبق عليه هذا الوصف من ملاكها، مما جعلها تحتفظ بهوية ملاكها سراً. إذا كانت أوراق الشركة مكتوبة على نحو صحيح، فهذا يعني أن هناك خمسة ملاك أو أكثر يملك كل واحد منهم 24% أو أقل من الشركة.

يقول ماين وكازيجيلدين إنه يجب التحقيق في علاقات نزارباييف ونور علي بالمبنى. ويقول كازيجيلدين: "أي أموال من أشخاص تربطهم علاقات بالدائرة الداخلية للرئيس نزارباييف تصل إلى الغرب، خاصة أمريكا وبريطانيا، يجب أن تكون محل شك". وفي عام 2016، خَلُصَت ORCRP الصحيفة الاستقصائية غير الهادفة للربح من أوراق بنما إلى أن نور علي أخفى أصولاً في الخارج.

يتفق جون مان عضو البرلمان العمالي، الذي طالما كافح ضد غسيل الأموال الخارجي، أنه يجب على السلطات التحقيق في هذه الممتلكات، وفي السوق بأسره. وقال في بيان مكتوب: "الحكومة تحتاج للتفكير بحرص في كيفية إحكام قبضتها على أي مخالفات، واستخدام قوى القانون المتاحة حالياً كاملة للتضييق على غسيل الأموال والثروات غير المبررة لاكتشاف حقيقة ما يحدث".

لنكون واضحين، لا يوجد دليل أو ادعاء بأن نور علي أو نزارباييف تورَّطا في عمليات فساد أو نشاط غير قانوني، أو أنهما استخدما تمويلاً غير مشروع لشراء بنايات شارع بيكر. لكن هناك سؤال صغير وهو أن كلاهما فاحش الثراء، وتعتبر صحيفة Forbes أنهما يملكان مئات الملايين، وصنفا الأم والابن بين أغنى 50 شخصية في كازاخستان في 2012 و2013.

لكن ما الذي يشير إلى نزارباييف ونور علي بصفتهما ملاكاً محتملين للمبنى؟ هذا أمرٌ بسيط عزيزي القارئ.

قضية اليخت غير المستخدم

في أوائل عام 2018، كانت الأمور على ما يرام بالنسبة لنور علي علييف. كان حفيد الرئيس الكازاخستاني الذي أتم الثالثة والعشرين لتوه رئيس بنك نور، وهو أحد أكبر البنوك الخاصة في البلاد. وقبل نهاية العام، تقلد منصب نائب رئيس بنك التنمية الكازاخستاني المملوك للدولة. لكنه كان يفتقد شيئاً واحداً وهو يخت رائع بحق.

لذا اشترى واحداً، اسمه "نوماد"، وأمنه بمبلغ مليوني يورو (2.26 مليون دولار)، طبقاً لتقارير الصحيفة الاستقصائية غير الهادفة للربح OCCRP. لكن اليخت يقال إنه دُمر في طقس سيئ، ويبدو أن نور علي لم يتمكن من استخدامه قط، حسب تقارير OCCRP المبنية على معلومات وردت في أوراق بنما. شاركت الصحيفة الألمانية Süddeutsche Zeitung العديد من الملفات ذات الصلة من أوراق بنما التي حصلت عليها، مع الاتحاد الدولي للصحفيين التحقيق، وتشاركها موقع Quartz أيضاً.

شهدت الحياة القصيرة لليخت تمرير ملكيته لثلاث شركات قابضة على الأقل في جزر العذراء البريطانية BVI. تقدم ملكية أصول من خلال شركات خارجية العديد من المنافع للأفراد فاحشي الثراء من الدول ذات الأنظمة السياسية المتهالكة. فهي تحجب هويتهم، مما يصعب على السلطات الداخلية لبلادهم مصادرة أملاكهم (في حالة تغيير السلطة أو أن يفقد المالك قبوله ودعمه)، ويمكن أن تقدم ملكية أصول من خلال شركات جزر العذراء البريطانية مزايا ضريبية.

وأفادت تقارير OCCRP أن نور علي باع أخيراً اليخت للمصنع مرة أخرى في عام 2011 عن طريق شركة من شركات جزر العذراء البريطانية اسمها شركة Greatex للتجارة والاستثمار. وفي عامي 2010 و2011 كانت هذه الشركة هي المالك النهائي للشركات البريطانية التي تملك بنايات شارع بيكر، طبقاً لملفات الشركة.

ضمت الشركات البريطانية التي تملك بنايات شارع بيكر والشركات التي تملك من خلالها نور علي اليخت، نفس الرجل في فريق عملها، وهو محمد علي كرمانباييف المكتوب في حسابه على موقع لينكد إن أنه "متخصص في ممتلكات الرفاهية، مثل الطائرات، واليخوت، والعقارات".

عمل كرمانباييف لصالح نور علي مبكراً في 2007، ويظهر عادة في الشركات الخارجية المرتبطة بنور علي، حسب تقارير OCCRP. وحصل على توكيل رسمي لبيع يخت نور علي في يوليو/تموز 2011. وفي الوقت نفسه كان أيضاً المدير المرشح الوحيد للشركات الثلاث المسجلة في بريطانيا التي اشترت بنايات شارع بيكر. واحتفظ بهذا المنصب من عام 2010 إلى عام 2014 للشركات الثلاث، وزاد عن ذلك في بعض منها.

حقيقة أن يخت نور علي وبنايات شارع بيكر كانت ملكاً في النهاية لنفس شركة الجزر العذراء البريطانية القابضة في الوقت نفسه، تدل على أن نور علي كان مالكاً لجزء على الأقل من البنايات في فترة 2010-2011 على الأقل. لم يستجب نور علي لطلبات التعليق المرسلة إليه عن طريق  مساعده وعن طريق حساباته على الشبكات الاجتماعية. ولم يستجب محامي كرمانباييف لطلبات التعليق.

تملك شركة Greatex المسجلة في بريطانيا أيضاً عقود إيجار بنايتين بالقرب من هايد بارك في لندن، طبقاً لمنظمة Global Witness، التي بيعت إحداهما بعد ذلك لشركة في جزيرة جيرسي، الملاذ الضريبي للشركات الخارجية.

مغامرة الإيطالي الغامض

لم يكن كرمانباييف المدير المرشح الوحيد للشركات القابضة لبنايات شارع بيكر. ولم يكن الوحيد المرتبط بعائلة كازاخستان الأولى. في عام 2014، استُبدِل بإيطالي اسمه ماسيميليانو دال أوسو، الذي ظل المدير المرشح إلى يومنا هذا.

يربط دال أوسو، داريغا نزارباييف والدة نور علي، بممتلكات شارع بيكر.

هناك علاقة معقدة ممتدة تربط بين هذا الإيطالي ذي الـ53 عاماً، والعائلة الأولى في كازاخستان. ففي عام 2005، أصبح دال أوسو المدير الإداري لشركة ألمانية للمعادن تعود أصولها لرخاء علييف (والد نور علي، وزوج نزارباييف السابق)، وزوجته الثانية، إلنارا شورازوفا، وكان في مجلس إدارة الشركة النمساوية الأم، وهذا طبقاً لأوراق محكمة اطلع عليها موقع Quartz. تعرض علييف لاستجواب من المدعي العام النمساوي، بيتينا فالنر، التي كانت تحقق في ادعاءات رفعتها الدولة الكازاخستانية بشأن دور علييف المزعوم في تعذيب وقتل مصرفيين بكازاخستان في عام 2007. لم يستجب دال أوسو لطلبات التعليق.

يبدو أنه في حين افترق علييف ودال أوسو قبل 2007، تقرب الإيطالي إلى زوجة علييف السابقة، نزارباييف. وقال علييف في اللقاء ذاته للمدعي العام، إن دال أوسو الآن يعمل "مساعداً شخصياً" لنزارباييف.

أكد كريستيان ليزكوشيك، المحامي النمساوي الذي عرف كلاً من نزارباييف ورخاء علييف، للمدعي العام ذاته، في سبتمبر/أيلول 2012، أن نزارباييف على معرفة بدال أوسو، ووصفه بأنه من معارفها الشخصية. لم تستجب نزارباييف لطلبات التعليق المرسلة إليها من خلال مساعدها ومن خلال موقعها البرلماني. ولم يستجب ليزكوشيك لطلبات التعليق.

دراسة سرية

متحف شيرلوك هولمز
متحف شيرلوك هولمز

قضية شارع بيكر ما هي إلا قطرة في المحيط السري لعالم العقارات بلندن. توجد نحو 86 ألف بناية مالكها النهائي غير معروف، مستترة بشركات خارجية، وتقدر منظمة الشفافية الدولية أن بريطانيا بها بنايات تساوي 4.2 مليار يورو مملوكة لأشخاص تأتي ثروتهم من مصادر محل شك. ووجدت المنظمة ذاتها أن 90% من الممتلكات التي يملكها "أفراد تحوم حولهم شكوك كبيرة في الفساد"، تملكها شركات جزر العذراء البريطانية.

نبه مسلسل BBC الخيالي McMafia الذي تدور أحداثه حول أسرة مافيا بريطانية روسية تعيش في لندن، العامة لدور بريطانيا في الجرائم الدولية، وتعهدت الحكومة البريطانية في هذا العام بتصعيد معركتها ضد الأموال الفاسدة.

وعلى صعيد منفصل، انتقل قانون جديد إلى حيز التنفيذ، يسمح للسلطات بأن تطلب من الأشخاص تفسير ما يملكونه في ملكية ما، وكيف حصلوا عليها، إذا كان مشتبه بهم في ما يربطهم "بجرائم خطرة" وكان دخل المالك لا يتناسب مع قيمة ما يملكه.

استخدمت السلطات هذا القانون بالفعل في استهداف منزلين بلندن تساوي قيمتهما معاً 22 مليون يورو (24.85 مليون دولار)، ويُقال إنهما يعودان لأحد سياسيي آسيا الوسطى. وقال وزير الأمن بن والاس، محذراً: "سنأتي إليك، وإلى ممتلكاتك، وسنجعل البيئة التي تعيش فيها صعبة".

وحتى الآن حسبما نعرف، رفضت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة التعليق على ما إذا كان هناك تحقيق مفتوح أو تم في أي وقت مضى في بنايات شارع بيكر.

 

علامات:
تحميل المزيد