أظهرت دراسة جديدة أن فصول الصيف الأعلى في الحرارة تتسبب في انحناء وانثناء الجروف الجليدية في القطب الجنوبي تحت ثقل المياه المتزايدة، التي تسبب ضغوطاً هائلة على البحيرات السطحية و ذوبان القطب الجنوبي في وقت لاحق.
ويقول العلماء إن تكوّن وجفاف البحيرات التي تأتي من ذوبان السطح، يمكن أن يؤدي إلى"ثني" الجرف الجليدي العائم في القطب الجنوبي بفعل الحرارة وزعزعة استقرارها، وفق ما ذكرته صحيفة Daily Mail البريطانية.
ويخلق الضغط الإضافي شروخاً في الجليد إذا كان كبيراً بما فيه الكفاية، ومن ثم يمكن لعملية الجفاف اللاحقة أن تخلق الكثير من الضغط الذي يمكن أن يضعف ويحطم أحواض البحيرات.
ذوبان الجليد في القطب الجنوبي وارتفاع مستويات البحر
وتبين الدراسة الأخيرة وجود صلة بين ذوبان الجليد السطحي للجروف الجليدية في القطب الجنوبي وبين تحطمها لاحقاً، وتشير إلى أن العملية تؤدي مباشرة إلى ارتفاع مستويات البحار.
وقد عمل فريق من الباحثين بقيادة علماء جامعة كمبردج على قياس درجة انثناء الجرف الجليدي في ماكموردو في القطب الجنوبي بسبب ملء وجفاف بحيرات الجليد الذائب.
وقال الدكتور المشارك في إعداد الدراسة إيان ويليس، من معهد Scott Polar Research Institute SPRI بجامعة كامبريدج: "إن المياه السطحية للجروف الجليدية معروفة منذ فترة طويلة. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، كان من الممكن أيضاً رؤية انتشار تكون المياه السطحية في العديد من الجروف الجليدية كل صيف من صور الأقمار الصناعية".
يمكن أن تحتوي كل من بحيرات المياه الذائبة على مياه يتراوح وزنها بين 50 ألفاً إلى مليوني طن.
وقد سبق أن قاس العلماء "الانثناء" في الجروف الجليدية تحت ثقل الوزن هذا عبر محاكاته من قبل نماذج الكمبيوتر، لكن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها قياس التغير في الواقع.
كما تظهر النتائج وجود صلة بين الذوبان السطحي وبين إضعاف الجروف الجليدية في القطب الجنوبي من خلال آلية ديناميكية.
في ظل الارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة
أيضاً تشير الدراسة إلى أن الانكسارات في الجروف الجليدية مؤخراً حول شبه الجزيرة القطبية الجنوبية ربما يكون سببها كميات كبيرة من المياه السطحية الذائبة الناتجة عن الاحتباس الحراري.
ومع استمرار ارتفاع درجة الحرارة على مدار القرن المقبل، ستصبح المزيد من الجروف الجليدية عُرضة للثني والكسر والتحطم.
وقال ويليس إن ما هو غير معروف كلياً هو إلى أي مدى يمكن للمياه السطحية أن تزعزع استقرار الجروف الجليدية، خاصة في فصول الصيف الأكثر ارتفاعاً في درجات الحرارة، عندما يزيد حجم المياه الذائبة.
ويضيف ويليس: "إذا كان انحدار سطح الجرف الجليدي حاداً، فيمكن للماء أن يتدفق من فوق الطبقة الجليدية إلى المحيط في الأنهار السطحية الكبيرة، مما يخفف من أي حالة عدم استقرار محتملة".
ويأتي الخطر إذا تجمعت المياه في المنخفضات السطحية على الجروف الجليدية لتشكل بحيرات كبيرة.
سوف يضغط الوزن الزائد للماء الجليد العائم للأسفل، مما يجعله يغرق أكثر قليلاً في البحر. وعند حافة البحيرة سوف ينثني الجليد للأعلى للتعويض.
يشكل الغطاء الجليدي معظم مساحة القارة القطبية الجنوبية، ويصل سمكه إلى 2.5 ميل (4 كيلومترات) ويحتوي على ما يكفي من الجليد لرفع مستويات البحار العالمية بنحو 58 متراً (190 قدماً).
كيف يحدث ذلك؟
في معظم أنحاء القارة القطب الجنوبي أغلب أوقات السنة، تكون درجات حرارة الهواء أقل بكثير من الصفر، ويظل سطح الجليد مجمداً.
لكن حوالي 75 % من الغطاء الجليدي مزدحم بجروف جليدية عائمة، يصل سمكها إلى كيلومتر واحد (3،280 قدم)، معظمها تحت مستوى سطح البحر، لكن بضعة أمتار من ارتفاعها الإجمالي تبرز فوق الماء.
في أشهر الصيف، عندما ترتفع درجة حرارة الهواء فوق درجة التجمد، تكون سطوح الجروف الجليدية عرضة للذوبان.
وقالت أليسون بانويل، قائدة الفريق الذي أعد الدراسة، وهي أيضاً من معهد SPRI: "إنه إذا جفت البحيرة، سينثني الجرف الجليدي الآن إلى الوراء، ويبرز في المكان الذي وجدت فيه البحيرة، وتغرق حوافه".
وأضافت: "هذا الملء والتجفيف للبحيرات هو الذي يتسبب في ثني الجروف الجليدية، وإذا كانت الضغوط كبيرة بما فيه الكفاية فقد تتطور إلى الشروخ أيضاً".
وتابعت: "لقد تمكنا من مماثلة هذا التحطم السريع لهذه الجروف الجليدية، من خلال آليتنا لحث التحطم تحت وطأة حمل المياه الذائبة. ومع ذلك فقد كانت المشكلة أن أحداً لم يُقدم بالفعل على قياس انثناء وانكسار الجروف الجليدية في الواقع، وبالتالي لم نكن متأكدين بالكامل من العوامل المتغيرة في نموذجنا".
وأردفت: "وهذا هو السبب في أننا شرعنا في محاولة قياس العملية على الجروف الجليدية في ماكموردو".
باستخدام طائرات الهليكوبتر وآلات الثلج وأقدامهم هم شخصياً، وضع الباحثون سلسلة من أجهزة استشعار الضغط لمراقبة ارتفاع وهبوط مستويات المياه في المنخفضات التي تمتلئ لتصبح بحيرات.
كما استخدموا أجهزة بنظام تحديد المواقع لقياس الحركات العمودية الصغيرة للجرف الجليدي في القطب الجنوبي .
لكن كيف يؤثر المد والجزر على ذلك؟
وقال الباحث المشارك في إعداد الدراسة الأستاذ دوغ ماكاييل، من جامعة شيكاغو: "كان هناك عمل دؤوب للحصول على البيانات، لكنها كشفت عن قصة رائعة".
وأضاف: "معظم إشارات نظام تحديد المواقع العالمي ترجع إلى المد والجزر في المحيط، الذي يحرك الجرف الجليدي العائم لأعلى ولأسفل عدة أمتار مرتين في اليوم. لكن عندما أزلنا هذه الإشارة الناتجة عن المد والجزر وجدنا أن بعض أجهزة استقبال نظام تحديد المواقع قد انخفضت ثم ارتفعت بحوالي متر واحد على مدى بضعة أسابيع، في حين أن أجهزة أخرى على بعد بضع مئات من الأمتار، بالكاد تحركت على الإطلاق".
وتابع: "الأجهزة التي سجلت أقصى انخفاض ثم ارتفاع لأعلى، كانت تقع في المكان الذي امتلأت فيه بحيرات وجفت في القطب الجنوبي ، وكانت هناك حركة قليلة نسبياً بعيداً عن البحيرات"، مضيفاً: "هذه التباينات في الحركة العمودية تبين أن الجرف الجليدي ينثني. كنا نتوقع هذه النتيجة، لكن كان ذلك رائعاً عندما وجدناها".
وقال ويليس: "تتنبأ النماذج المناخية بأنه سيكون هناك المزيد من الذوبان في المزيد من الجروف الجليدية في القطب الجنوبي خلال العقود القليلة القادمة، مما يؤدي إلى زيادة في حدوث بحيرات ذوبان الجليد".
وقالت الدكتورة بانويل: "هذه الملاحظات مهمة لأنها تساعدنا على فهم أفضل لمحفزات انكسار الطبقة الجليدية، الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر". وأضافت: "يمكن استخدام نتائجنا لتحسين نماذج للتنبؤ بشكل أفضل بالجروف الجليدية الأكثر هشاشة والمعرضة بشكل أكبر للتحطم".