لا يأتي السياح من كل أنحاء العالم إلى شمال المغرب لرؤية جمال مدينة شفشاون المعروفة باسم "المدينة الزرقاء" فقط، بل يأتون أيضاً لمشاهدة منتجات النساجين المكفوفين.
في هذه المدينة التي تعتبر من أهم الوجهات السياحية بالمملكة، يوجد معلم إنساني يخلب ألباب الزائرين، منتجات النساجين المكفوفين.
عمال بسطاء فقدوا البصر، ولكن استبدلوه بالعزيمة، فهم يعملون في مهنة شاقة حتى على المبصرين.
إذ يقوم هؤلاء المكفوفون بنسج الملابس التقليدية المغربية، بعد تدريبهم على يد المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمدينة، وهي جزء من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
البصر هو نظر العين الذي يمتلكه كل مبصرأما البصيرة فهي الفارق الحقيقي الذي لا يمتلكه إلا المتميزقصة يحكيها بطلها بنفسه في #أنا_الراوي
Gepostet von عربي بوست am Freitag, 4. Januar 2019
منتجات النساجين المكفوفين المذهلة.. كيف يتعاملون مع هذه الخيوط المعقدة؟
أنا ولدت مبصراً ولكن نتيجة حادث فقدت القدرة على الرؤية، بهذه الكلمات يروي أحمد الزناط قصته لـ "عربي بوست".
أحمد الزناط ليس نساجاً عادياً، فهو المسؤول عن تدريب العمال في الجمعية، هو نفسه ضرير.
يقول: "بعد الحادث، كان لابد أن أبحث عن شيء يكون مصدر دخل لي فتعلمت النسج من جار لي".
وأضاف: "استخدمت معرفتي السابقة بالألوان وتمكني من التفريق بين أنواع الخيوط عن طريق اللمس لكي أتمكن من مهنة النسج".
ويقول: "أنا الآن أقوم بنسج مختلف أنواع الملابس التقليدية المغربية كما أقوم بنسج الزرابي "السجاد" التقليدية.
فالمكفوفون لديهم ميزة نسبية تجعلهم أفضل بهذه المهنة من المبصرين
يعمل أحمد ضمن مبادرة المنظمة العلوية التي تستهدف مساعدة غير المبصرين في مدينة شفشاون، عبر توفير فرصة تدريب لهم ليصبحوا نساجين مهرة، وبالتالي يتوفر لديهم مصدر دخل.
يقول أحمد الزناط: "يستغرق تدريب الكفيف حوالي ثلاثة أشهر ليتقن الحرفة، وأقوم أنا بتعليمه كيفية تركيب آلة النسج، وإذا واجهته أي مشكلة بها أقوم باصلاحها".
وأضاف: "أعلّم النساج التعرف على أنواع الخيوط عن طريق اللمس، وإصلاح أي عيب موجود بالثوب المنسوج عن طريق اللمس أيضاً وهي حاسة قوية جداً لدى غير المبصرين"، كما يقول الزناط لـ "عربي بوست".
حصل الزناط على عدد كبير من "التدريبات" في مختلف المجالات، مثل البيع والصباغة، والتي مكنته من إدارة ورشة النسيج بالجمعية منذ عام 2010 حتى الآن.
بلدة #شفشاون شمال #المغرب يستوطنها #العرب الذين هربوا من #الأندلس بعد سقوط #غرناطة عام 1492.#عيد_اليحيى pic.twitter.com/vNfManwNoh
— عيد اليحيى (@eidelyehya) September 20, 2017
فهم يشتهرون بإتقانهم لهذه الحرفة الصعبة
وتشتهر منتجات النساجين المكفوفين الذين ترعاهم الجمعية بالإتقان الشديد، مما يجعلها أحد أهم المقاصد السياحية للأجانب بالمدينة للحصول على ملابس تقليدية مغربية يدوية بأثمان مناسبة.
الزناط زوج وأب لثلاثة أبناء لا يطمح إلا لتسويق منتجاته ومنتجات تلاميذه في مختلف المحافل والمعارض داخل وخارج المغرب.
وهو يعتبر نفسه حامل رسالة تجسد مهارة الصانع المغربي التقليدي القادر على تحدي الظروف حتى ولو كانت تلك الظروف هي فقدان البصر.
سعيدة العلوي، رئيسة فرع المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بمدينة شفشاون، قالت لـ "عربي بوست"، إن الجمعية تستهدف الفئات الهشة والمعوزة والفقيرة في مدينة شفشاون خاصة غير المبصرين.
وأضافت: "هؤلاء الذين يعملون معنا يستخدمون قدرتهم الحسية في النسج".
وتقول: "مطلبنا الوحيد أن يكون هناك ركن مخصص من أجل منتجات النساجين المكفوفين في الأسواق الوطنية داخل وخارج المغرب؛ لأنهم بالفعل يقدمون منتجاً جيداً ومميزاً".
حتى إن السياح يسألون عن منتجاتهم اليدوية
وبالفعل يسأل السياح الذين يزورون المدينة عن منتجات النساجين المكفوفين. ومن هنا، ترى سعيدة العلوي ضرورة تشجيع هؤلاء النساجين على بيع منتجاتهم وتعريف المواطنين بها.
إذ إن منتجات النساجين المكفوفين تتميز بالجودة والأصالة، ولكنها تحتاج إلى مزيد من التعريف بها، وطرق تسويق إضافية.
وقالت: "إن هذا بمثابة باب لتشجيعهم على العمل لكسب قوت يومهم بالعمل بدلاً من التسول"، حسب تعبيرها.