يقتصر مفهوم التفجير الانتحاري في أذهاننا على ما يقوم به الإرهابيون من عمليات تستهدف الأبرياء. لكن ما لا تعرفه هو وجود أسلحة انتحارية غريبة مثلت دعامة أساسية لبعض الجيوش الكبيرة.
وكانت تستخدمها، على نطاق واسع، قوى المحور خلال الحرب العالمية الثانية.
هل سمعت من قبل عن كاميكازي اليابان؟ 2500 طيار ذهبوا ولم يعودوا
إنه مثال معروف عن الطيارين اليابانيين الانتحاريين الذين هاجموا سفن الحلفاء الحربية في المحيط.
معنى الكلمة في اليابانية هو: الرياح المقدسة. إذ يوضح الأدب الياباني أنه في الحرب بين اليابان ومنغوليا بالقرن الثالث عشر، هبت رياح على القوات المنغولية فأبادتها وانتصرت اليابان، ومن هنا جاء الاسم.
في عام 1941، تعرّض الجيش الياباني للهزيمة بالعديد من المعارك الهامة، حيث خسروا السفن والطائرات. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت قوات الحلفاء تتحرك بسرعة تجاه اليابان، لهذا السبب قرر الإمبراطور الياباني تشكيل وحدة هجوم خاصة، تطوع بها نحو 24 طياراً، وكانت مهمتهم الاصطدام بسفن الحلفاء وقتل أكبر قدر ممكن من البحارة.
كانت أول عملية انتحارية في أكتوبر/تشرين الأول 1944، حيث اصطدمت طائرة يابانية بسفينة تابعة للبحرية الأسترالية، مما أسفر عن مقتل 30 بحاراً.
سببت هذه الهجمات الانتحارية الرعب لقوات الحلفاء، بعدما ضحى أكثر من 2500 طيار ياباني بحياتهم، وقُتل نحو 5000 من البحارة الأميركيين والحلفاء في هذه الهجمات.
لم تكن اليابان هي الدولة الوحيدة التي اتبعت هذا الأسلوب، فهناك دول وضعت هي الأخرى تكتيكات أكثر جنوناً.. فيما يلي، 7 مرات غريبة حاولت فيها بلدان مختلفة (ونجحت في بعض الأحيان) أن تحول الجنود إلى أسلحة انتحارية!
طائرات سوندركوماندو ألبا الألمانية.. القفز قبل ثوانٍ من الانفجار
في عام 1945، نفذت ألمانيا هجمات بواسطة طائرات "سوندركوماندو ألبا-Sonderkommando Elbe"، بتعليمات أدولف هتلر بغرض حماية ألمانيا من تفجيرات القوات الأميركية.
كانت القوات الألمانية تستهدف الطائرات الأميركية المحملة بالمتفجرات.
طُلب من الطيارين الألمان توجيه الطائرة نحو الهدف والفرار باستخدام مظلة القفز في اللحظة الأخيرة.
لكن فرص نجاتهم كانت ضعيفة جداً؛ فقد كانت الطائرة تسير بسرعة رهيبة، كما كان التفجير الذي يحدث بعد ثوان من مغادرة الطيار يمكن أن يودي بحياته!
لم تحقق هذه العمليات النجاح المطلوب، كما أنها كبدت الجيش الألماني خسائر كبيرة.
فكل ما فعلته هو تدمير 8 طائرات أميركية. ونجح 4 طيارين ألمان في النجاة من أصل 180 فقط.
غواصة ماردار.. ثلث من قادوها لاقوا حتفهم
كانت غواضة "الماردار-Marder" الألمانية عبارة عن غواصة صغيرة تتسع لرجل واحد.
شكلت نسخة محسنة من غواصة مماثلة تسمى "نيجر". وقد حلت هذه الغواصة بعض المشاكل السلبية لغواصة نيجر، وضمن ذلك عدم قدرتها على البقاء طويلاً تحت الماء.
ومع ذلك، لم تكن الماردر أفضل بكثير، ففي حين أنه يمكنها الغوص تحت الماء، فإنه لا يمكن أن تغوص لعمق أكبر من 30 متراً (100 قدم) لأسباب تتعلق بالسلامة.
ولذلك، فإنها عادة ما تبقى بين 13.7 و15.2 متر (45-50 قدماً) تحت الماء.
كانت هذه الغواصة تحمل طوربيداً واحداً كان من المفترض أن يطلقه قبطانها ثم يقوم بالفرار. ومع ذلك، كان الفرار بعد إطلاق الطوربيد صعباً في كلا التصميمين.
في حين تم استخدام الماردر بنجاح ضد سفن الحلفاء ، كان لا تزال مدرجة كسلاح غير ناجح، إذ إن ثلث من قادوها لقوا حتفهم خلال البعثات.
الجيش الجمهوري الأيرلندي وسياسة التفجيرات الانتحارية الإجبارية
نفذ الجيش الجمهوري الأيرلندي أكثر الهجمات دموية على القوات البريطانية في غضون عامين. فقد كان يجبر المدنيين على قيادة السيارات المفخخة وتفجير مواقع بريطانية.
استهدف الجيش الجمهوري الأيرلندي الأشخاص الذين تربطهم صلات بالحكومة البريطانية، واحتجز عائلاتهم كرهائن.
وأمر الجيش أسراه بقيادة السيارات المحملة بالقنابل إلى أهداف ونقاط تفتيش بريطانية.
في بعض الأحيان، كان السائق يهرب بلحظات قبل انفجار السيارة، لكن الحظ لم يسعفهم دائماً.
باتسي جيليسبي، أحد الضحايا البارزين، وفق أرشيف صحيفة LA Times.
في يونيو/حزيران 1990، أُرغم على قيادة سيارة زوجته المفخخة إلى ثكنة الشرطة التي كان يعمل فيها طباخاً.
عندما نجح في المهمة، أطلق الجيش الجمهوري الأيرلندي سراح عائلته.
بعد ذلك، وفقاً لأرملته، أمره مسلحو الجيش الجمهوري الأيرلندي بقيادة سيارة كانت محملة بما يقدر بـ1000 رطل من المتفجرات في نقطة حدود لندنديري نحو الساعة الـ4 صباحاً.
قُتل جيليسبي و5 جنود، وأصيب 10 أشخاص بجروح.
وبعد نحو 15 دقيقة، انفجرت سيارة عند نقطة تفتيش جنوب نيوري. كان السائق رجلاً يبلغ من العمر 65 عاماً، احتجز الجيش الأيرلندي عائلته.
توفي جندي واحد بسبب الانفجار وأصيب 10 آخرون. أما السائق، فتعرض لكسر في ساقه عندما قفز من السيارة قبل أن تنفجر.
طوربيد مايالا.. أسلحة انتحارية غريبة تحت الماء
بدأ العمل على الطوربيد Maiale عام 1935، بسبب مخاوف من البحرية الإيطالية التي كانت محاطة بالسفن البريطانية والفرنسية في البحر الأبيض المتوسط.
اندلعت الحرب العالمية الثانية في 1939، وفي العام نفسه، نشرت إيطاليا هذا الطوربيد البالغ طوله 5 أمتار (16 قدماً) بالبحر المتوسط.
كان يحمل رأساً حربياً يزن 300 كيلوغرام (662 رطلاً)، أو رأسين حربيين يزن كل واحد منهما 150 كيلوغراماً (331 رطلاً).
يركب اثنان من أفراد الطاقم الطوربيد إلى المرافئ الإنكليزية والفرنسية، ويقومان بفصل الجزء الأمامي من الطوربيد.
يعلقانه تحت سفينة العدو، ويحاولان النجاة قبل حدوث الانفجار.
يمكن ضبط موعد الانفجار على تأخير يصل إلى 2.5 ساعة، مما يسمح للغواصين بالفرار، على أمل تدمير سفينة العدو وإخراجها من المعركة فترة من الزمن، أو تدميرها كلياً.
فشل أول هجومين ضد الأسطول البريطاني في مالطا، عندما أغرقت طائرة بريطانية غواصة واحدة وهاجمت الأخرى.
ثم نجحت المحاولات الأخرى في ديسمبر/كانون الأول 1941، عندما أغرق الطوربيد بارجتين بريطانيتين وناقلة في الإسكندرية.
ومع ذلك، تم القبض على الطاقم قبل أن يتمكن من الفرار.
بقي هذا الطوربيد في الخدمة الايطالية، وتم استخدامه ضد سفن بريطانيا وسفن قوات التحالف، حتى تاريخ توقيع إيطاليا هدنة مع الحلفاء في سبتمبر/أيلول 1943.
رغم نجاح هذا الطوربيد، فإنه كانت هناك صعوبة في تشغيله، وكان عرضة للغرق بالماء.
كما أن العديد من الطوربيدات فُقدت بالفعل في أثناء الاختبار.
جدير بالذكر أن طوربيدات الحرب العالمية الثانية كانت تتسم ببساطة التصميم، إذ كانت توجَّه نحو السفن العائمة على سطح الماء، ويتحرك الصاروخ في خط مستقيم فقط، تاركاً خلفه خطاً واضحاً من الفقاعات الهوائية وصوتاً مسموعاً.
أما الطوربيدات الحالية، فلا تترك أثراً خلفها، وتستطيع اقتفاء أثر السفن التي تحاول المناورة للإفلات منها.
Bomi.. صاروخ يحمل رأساً نووياً وطياراً فكرة غير سديدة
كانت "بومي" طائرة من طراز بومبر- ميسل من شركة بيل إير كرافت، ويعني اسمها "قاذفة القنابل".
تم تطويرها خلال الحرب الباردة في عام 1952، حين نظر الجيش الأميركي في إمكانية إطلاق رجال على متن قاذفات صواريخ لقصف موسكو.
الهدف منها أن يحمل الصاروخ قاذفة قنابل مع تقسيم الصاروخ إلى مقصورتين بطاقم مكون من 3 أفراد.
يدير طاقم مكون من فردين الحجرة الخلفية وتولي مسؤولية إطلاق الصاروخ من القاعدة، وفق ما أوضحه تقرير لـNational Interest.
يتم فصل المقصورة الخلفية بالجو وتعود إلى القاعدة، في حين يظل آخر فرد بالحجرة الأمامية ويوجَّه الصاروخ نحو الهدف، ثم يحاول الهبوط من الطائرة بمظلة قبل وقوع الانفجار.
تبدو الفكرة مثيرة للسخرية، حيث إن الطيار مهما قفز فسيظل -على الأرجح- في نطاق الرأس الحربي النووي البالغ 18.14 كيلوغرام (4000 رطل)!
لذا، تخلت القوات الجوية الأميركية، في وقت لاحق، عن هذه الفكرة، لأن الصاروخ لا يمكن أن يصل إلى موسكو.
إلى جانب ذلك، كانت حكومة الولايات المتحدة مهتمة فقط بإلقاء الأسلحة النووية على روسيا إما بقاذفات وإما بصواريخ، وليس بمزيج من الاثنين معاً.
طوربيدات كايتن.. إما إصابة الهدف أو تنفجر تلقائياً مع قبطانها
كانت "كايتن" عبارة عن طوربيدات انتحارية مأهولة، تستخدمها البحرية الإمبراطورية اليابانية في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
تم تصميم النماذج الأولية منها بحيث يتم إخراج الطيارين بمجرد أن يبدأ الطوربيد في التسارع نحو الهدف النهائي.
ومع ذلك، لم يكن معظم الطيارين مهتمين بالفرار، وقاموا بتعزيز دورهم كسلاح انتحاري.
في النماذج التالية لهذه الطوربيدات، لم يسمح للطيارين بالخروج حتى لو أرادوا. وتم إعطاؤهم زر التدمير الذاتي، مما يسمح لهم بتفجير أنفسهم والطوربيد إذا فشل هجومهم.
لطيار كايتن فرصتان لضرب هدفه، إذا فشل في المرة الثانية كان من المتوقع أن يفجر نفسه وينسف الطوربيد.
عجز طوربيد الكايتن عن الغوص العميق تحت الماء هو أكبر قيوده، لأنه جعله عرضة لهجمات الحلفاء.
في بعض الأحيان كان الطوربيد يخطئ أهدافه، وأحياناً لم ينفجر حتى عندما ضرب هدفه.
لكن الهجوم على مدمرة أندرهيل الأميركية كان الأكثر نجاحاً من بين جميع إطلاقات كايتن.
في 24 يوليو/تموز 1945، رافقت مدمرة أندرهيل الإمدادات الأميركية وسفن القوات، حين هاجمتها 6 طوربيدات كايتن محملة على غواصة.
حاولت المدمرة الأميركية تدمير الطوربيدات وغواصاتها الأم، لكن تفجيرات كايتن مزقتها إلى نصفين وغرقت بالحمولة والضباط الذين كانوا على متنها.
صواريخ فيسلر في 103 آر.. سلاح يائس من ألمانيا قبل خسارة الحرب
خلال الحرب العالمية الثانية، وجدت بريطانيا نفسها في الطرف المتلقي لقذائف خطيرة من نوع (في -1).
كانت قاذفات (في -1) ناجحة، لكنها لم تكن مخيفة مثل الصواريخ التي تم إطلاقها من ألمانيا النازية، والتي كانت النسخة المأهولة من قاذفات (في -1) Fieseler Fi 103R.
بحلول عام 1944، كانت ألمانيا بالفعل تخسر الحرب وبدأت في تحضير بعض الأفكار المجنونة.
كان النموذج المعدل عبارة عن صاروخ مع مقعد طيار ونظام توجيه بسيط.
يتولى الطيار إيصال الصاروخ إلى الهدف، وفي اللحظة الأخيرة يفتح المقصورة المخصصة له ويقفز مع مظلة.
تم تصميم الطائرة، لكن المشكلة الأساسية هي أن المقصورة كانت تعلق أحياناً ولا تفتح بسبب الرياح القوية. وهذا ما أدى إلى قتل وإصابة عدد من الطيارين خلال التجارب.
لاحقاً، تم إنتاج نحو 70 طائرة وتطوع المئات، رغم أن رحلاتهم كانت بلا عودة أو أمل بالنجاة.
لكن، لم يتم استخدام هذه الطائرات في العمليات الحربية، وتوقف تطويرها في أكتوبر/تشرين الأول عام 1944.