لم يدرك الشاب الصغير ذو الـ17 عاماً أن تفوقه الدراسي بمصر سيكون هو بوابة عبوره الوحيدة إلى عناوين الصحف، وشاشات الفضائيات، وحديث رواد الشبكات الاجتماعية في بلاده.
محمود محمد بديوي، الحاصل على المركز الرابع في الثانوية لعام 2018، اكتسب شهرة لافتة في مصر، كونه حَفر مسار تفوقه الدراسي على درب وعر من المعاناة الاقتصادية.
بديوي هو أحد أبناء سيدة بسيطة توفي زوجها قبل 14 عاماً، ما دفعها لإعالة أسرتها بالعمل في بيع الأنابيب (أسطوانات البوتاجاز) على عربة كارو (عربة خشبية تجرها الدواب)، في محافظة كفرالشيخ (شمالي مصر).
يوم الخميس 12 يوليو/تموز، أعلنت وزارة التعليم المصرية، النتائج الرسمية للثانوية، وأسماء الأوائل على مستوى جميع محافظات البلاد الـ27، وهي الاختبارات الأهم على الإطلاق في البلاد (جرت من 3 يونيو/حزيران إلى 1 يوليو/تموز).
تحدِّي المعوقات والإحراج
وفي غضون ساعات قليلة، باتت قصة الشاب الصغير هي المادة الأعلى مقروئية على مختلف المواقع الإخبارية بمصر، لا سيما بعد أن قال عبارته المؤثرة "أفتخر بكفاح أمي.. أنا ابن بائعة الأنابيب"، وفق وسائل إعلام محلية.
واستحوذت قصة بديوي على اهتمام إعلامي واسع، ليس فقط لكونه ابن سيدة بسيطة كافحت من أجل تربية أبنائها، بل لأنه اعترف بمواجهة مضايقات من زملائه وأساتذته، بسبب مظهره الذي كان يبدو عليه ضيق الحال.
وكان يساعد والدته
وقال: "أثناء الدراسة كنت أساعد والدتي في عملها، وأبيع معها الأنابيب في قريتي والقرى المجاورة؛ كي أتمكن من تدبير نفقاتي. كانت مديرة المدرسة تطردني وتحرجني لعدم ارتدائي الزي المدرسي، لكنها لا تعلم ظروفي المادية الصعبة".
وأشار إلى أن هدفه الأول من التفوق الدراسي كان إسعاد والدته، التي كافحت في الحياة بعد وفاة والده عام 2004 ليكون متفوقاً، قائلاً: "ربنا وفقني وحققت حلمها".
لم يكن بديوي هو الحالة الوحيدة لظاهرة تزيين أبناء الفقراء والبسطاء قائمة أوائل الثانوية العامة سنوياً بمصر، بل سبقه العديد من النماذج البارزة.
ابنة البواب.. نموذج ثانٍ لتفوق الفقراء
تحولت مريم فتح الباب، الحاصلة على المركز الأول بالثانوية لعام 2017، إلى وجه مألوف في وسائل الإعلام أيضاً، واشتهرت بلقب "الدكتورة ابنة البواب (حارس عقار)"، كونها تحدَّت ظروف معيشتها وحصلت على 99% في الثانوية.
ولاقت مريم اهتماماً واسعاً من المسؤولين ونجوم السينما وكرة القدم آنذاك، إثر افتخارها بمهنة والدها (يصنفها المجتمع ضمن المهن المتواضعة)، وحصولها على المركز الأول بالثانوية، رغم استذكار دروسها طوال العام داخل "كراج" عقار.
"الدكتورة مريم" هو اللقب الذي مُنح للفتاة (بعد اختيارها دراسة الطب) على منصات التواصل والفضائيات التي تسابقت على استضافتها، وتصوير الغرفة الوحيدة التي تعيش بها مع والدها ووالدتها و6 أخوات أصغر منها.
عبدالراضي.. الاستعاضة عن الدروس والكتب الخارجية
ورافق "مريم" في قصة تفوقها الدراسي المغلف بالمعاناة، الطالب عبدالراضي علام حسن، الحاصل على المركز الأول في الثانوية بمحافظة أسيوط.
بـ"10 ساعات مذاكرة يومياً" استعاض عبدالراضي عن الكتب الخارجية والدروس الخصوصية، بالاعتماد على نفسه دون مساعدة؛ نظراً لمرض والده وضيق حال أسرته.
وسردت وسائل الإعلام المحلية آنذاك معاناة الطالب المتفوق الذي يعمل والده فلاحاً أجيراً في أرض يملكها آخرون، وهو مصاب أيضاً منذ سنوات بمرض الفشل الكلوي، ما دفع عبدالراضي لعدم الخجل من قوله "أتمنى الالتحاق بكلية الطب، لكني أخشى ضخامة مصروفاتها؛ لأن ظروفنا لا تسمح".
وأثارت عبارة عبدالراضي المؤثرة تفاعلاً واسعاً من خلال حملات لصحفيين وبرلمانيين، تدعو رجال الأعمال في مصر لتحمل نفقات التعليم الجامعي للطلاب الأوائل في الثانوية، لا سيما غير القادرين منهم.
أمل.. تسجيل الدروس على الهاتف
وعلى الدرب الوعر ذاته، خاضت الطالبة أمل محمد عبدالغفار (الحاصلة على المركز الأول مكفوفين لعام 2017)، رحلة شاقة، وتحدياً من نوع مختلف لبلوغ التفوق.
وقالت أمل آنذاك: "كنت أنتظر أشقائي بعد عودتهم من المدارس حتى يقرأوا لي الدروس، أو أقوم بتسجيلها على هاتفي المحمول لإعادة استذكارها".
ومن رحم أسرة بسيطة في الشرقية (شمال)، خاضت أمل رحلة شاقة من أجل التفوق في اختبارات الثانوية، لتحقيق حلمها بأن تصبح أستاذة جامعية.
وعادة ما تخصص الأسر المصرية ميزانيات مالية خاصة لمصروفات أبنائهم في الثانوية، لا سيما شراء الكتب الخارجية (تأثرت أسعارها بارتفاع أسعار استيراد الورق) والدروس الخصوصية، التي أعلن وزير التعليم المصري طارق شوقي عام 2017 أن فاتورتها بلغت 30 مليار جنيه (1.6 مليار دولار أميركي) سنوياً.