السؤال الذي شغل علماء الفلك لمدة طويلة كان هل نعيش في كون لا يعدو كونه واحداً بين عدد من الأكوان، داخل نظام متعدد الأكوان؟ وهناك سؤال آخر أكثر تعقيداً: هل ستحتوي تلك الأكوان الأخرى على حياة خاصة بها؟
الآن أظهر بحث جديد أنه في حالة وجود أكوان متعددة، فهناك احتمال وجود العديد من أنواع الحياة الغريبة المختلفة، حسب صحيفة The Independent البريطانية.
المحاكاة الحاسوبية تعطينا احتمالاً إيجابياً
استخدم العلماء المحاكاة الحاسوبية الواسعة للوصول إلى توقع مفاده بأن الأجزاء الأخرى من الأكوان المتعددة ستكون ملائمة للحياة أكثر مما كنا نعتقد في السابق.
لكن هذا قد يسبب أيضاً مشاكل كبيرة لفكرة الأكوان المتعددة. في الواقع، يمكن تفسير استثنائية الكون الخاص بنا بشكل أفضل بقانون طبيعي غير مكتشف، على حد قولهم.
بزغت فكرة الأكوان المتعددة لأنه بالمنظور الفيزيائي، يعد كوننا محظوظاً جداً لوجوده على الإطلاق، ولتبسيط الفكرة نستخدم المثال التالي:
إذا ألقيت كرة من طائرة نحو حفرة صغيرة فإن احتمال سقوطها في الحفرة سيكون محدوداً للغاية، لكن لو ألقيت عشرات الكرات أو مئات أو آلاف الكرات فإن احتمالات وصولها للحفرة ستزيد كثيراً.
ولو توفرت الحفرة على مياه وظروف حرارة مناسبة لحياة الطحالب، ونمت على الكرة فإنها لن تعرف شيئاً عن آلاف الكرات التي لا تزال خارج الحفرة والتي تشبه أكواناً متوازية أخرى.
وحسب نظرية الكم فإن "تفسير الأكوان المتعددة" يفترض أنَّ كل حدثٍ كمِّي يُعَد مفترق طرق، وإحدى الوسائل للهروب من صعوبة تفسير ذلك؛ هي تخيُّل أنَّ كل مفترق -من الناحية الرياضية- يخلق كوناً جديداً.
ومن هذا المنطلق، علينا كذلك أن نتخيل نُسَخاً لا تعد ولا تحصى من أنفسنا. وكل شيء قابل للحدوث يحدث في كونٍ أو آخر.
الطاقة المظلمة هي المشكلة والحل
تتنبأ النظريات الحالية بوجود طاقة مظلمة داخل الكون الخاص بنا أكثر بكثير من تلك الموجودة فعلياً. هذه مشكلة لأن إضافة المزيد من الطاقة المظلمة سيؤدي إلى التوسع بسرعة تؤدي إلى التخفيف من كثافة أي مادة قبل أن تتمكن من تشكيل النجوم أو الكواكب التي نحتاجها للعيش.
رداً على ذلك، اقترح البعض أننا قد نكون في الواقع نعيش داخل أكوان متعددة. في الواقع، هناك الكثير من الأكوان المختلفة -سيكون لدى الكثير منها طاقة مظلمة أكثر وبالتالي لا يمكن أن تصبح ملائمة للحياة- ونحن ببساطة نعيش داخل أحد هذه الأكوان، والذي تشكل بالطريقة الصحيحة.
لكن الدراسة الجديدة تشير إلى أننا ربما بالغنا في تقدير حظنا. قد يكون من الممكن بالفعل أن تتشكل النجوم والكواكب حتى مع وجود طاقة مظلمة أكثر بكثير.
والطاقة المظلمة هي شكل افتراضي سلبي للطاقة، يعتبر معاكساً لقوة الجاذبية في المقاييس الكبيرة، ويستخدم هذا التأثير لتفسير تمدد الكون وتسارعه نحو الخارج، كما يفسر أحياناً المادة المفقودة في الفضاء الكوني، حسب الصحيفة البريطانية.
ما هو مقدار الطاقة المظلمة التي يمكن أن توجد قبل أن تصبح الحياة مستحيلة؟
قال باسكال إلاهي، الباحث في جامعة أستراليا الغربية، إن عمليات المحاكاة التي أجروها "أظهرت أن التوسع المتسارع المدفوع بالطاقة المظلمة ليس له أي تأثير على نشأة النجوم، الضرورية لنشوء أماكن للحياة. حتى زيادة الطاقة المظلمة لمئات المرات قد لا تكون كافية لصنع الكون الميت".
وقال لوك بارنز، زميل الأبحاث بمؤسسة جون تمبلتون في جامعة ويسترن سيدني، "كان يُعتقد سابقاً أن نظرية الأكوان المتعددة تفسر القيمة المرصودة للطاقة المظلمة باعتبارها مقامرة يانصيب – ولدينا التذكرة الفائزة إذ نعيش في الكون الذي يتشكل من مجرّات جميلة تسمح بالحياة كما نعرفها".
ويضيف، ""يظهر عملنا أن تذكرتنا ليست بذلك الحظ الذي اعتقدناه، إذا جاز التعبير. إلا أنها أكثر استثنائية مما يتطلبه الأمر لنشأة الحياة. هذه مشكلة نظرية الأكوان المتعددة؛ ويبقى اللغز قائماً".
قد توحي هذه الحقيقة المحيرة بأن نظرية الأكوان المتعددة ليست صحيحة في المقام الأول. لا تُبطل الدراسة الفكرة ولكنها تشير إلى أن الكمية الصغيرة من الطاقة المظلمة في عالمنا يمكن تفسيرها بشكل أفضل من خلال قانون طبيعي لا نعرفه بعد.
إذن، أين يوجد الجميع؟!
بين احتمالات بوجود ملايين أشكال الحياة الأخرى في الكون واحتمال ألا تكون هناك حياة أخرى في أي مكان آخر من الكون، تروى قصة المفارقة التي خطرت بذهن الفيزيائي الإيطالي أنريكو فيرمي وهو يتناول الغداء، وتساءل: "أين الجميع"، ويقصد أين الكائنات الفضائية ويناقش الأسباب التي تجعلنا لا نصل لدلائل كافية حتى الآن عن حياة خارج الأرض رغم العدد الهائل من الكواكب في الكون.
دعنا نرى احتمالات الحياة الفضائية وتواصلها معنا من خلال هذا الشرح من دروس TED-Ed المرئية:
حينما نشاهد السماء في مساء صافٍ بلا غيوم يبدو لنا الكون مليئاً بالحياة، فمجرتنا "درب التبانة" وحدها تحتوي على 100-400 مليون نجم، وهناك في الكون مجرات أكثر من نجوم مجرتنا.
سيتي SETI هو اختصار لمشروع فلكي أميركي متخصص في البحث عن ذكاء خارج الأرض، يعتمد بشكل أساسي على رصد الإشارات اللاسلكية والموجات الراديوية التي قد تشير لحضارة فضائية لديها تقنيات اتصالات حديثة.
تروي القصة مفارقة خطرت بذهن الفيزيائي الإيطالي أنريكو فيرمي وهو يتناول الغداء، حينما قال لماذا لم نر الكائنات الفضائية حتى الآن؟
مفارقة فيرمي، مبنية على فكرة أن الشمس نجم عادي والمجرة تحتوي على مئات الملايين من النجوم، كثير منها أقدم من الشمس بكثير، وبحساب الاحتمالات فإن بعض هذه النجوم ستحتوي على كواكب تشبه الأرض في صفاتها مثل (الكتلة، المناخ..) وقد يحتوي بعضها على حياة يمكن أن تكون ذكية، وهذه الحياة الذكية قد تسافر بين النجوم وبحساب سرعة تحرك الأجسام في الفضاء.
وبالنظر لحجم المجرة فإن هذه الحياة قد تكون طورت طرقاً للسفر عبر الفضاء، ويمكن أن تحتل وتستعمر المجرة كلها في غضون بعض ملايين من السنين، وبالتالي فإن هذه الحياة الذكية الفضائية يجب أن تزور الأرض، أو تكون زارتها بالفعل، وتركت آثاراً لوجودها في الأرض، أو في المجرة، ولكن أياً من هذا لم يحدث حتى الآن، لذا يظل السؤال: أين الجميع؟
جاء في موقع البحث عن الكائنات الفضائية الذكية (SETI) ما يلي: "أدرك فيرمي أن أية حضارة تمتلك تكنولوجيا صاروخية متوسطة، ومقداراً جيداً من الحوافز القوية قد تستطيع بسرعة استيطان كامل المجرة. وخلال عشرة ملايين عام من الآن، قد يخضع أي نظام نجمي لتلك الإمبراطورية.
قد تبدو عشرة ملايين عام زمناً طويلاً، لكنها في الحقيقة قصيرة جداً مقارنةً بعمر المجرة، الذي يصل إلى عشرة مليارات سنة. بالتالي سيكون استيطان مجرة درب التبانة مجرد تمرين سريع".