الإندبندنت تتجول في قرية محمد صلاح وترصد شهادات للمقربين له.. “الوحيد الذي يصنع السعادة لبلد يتألم وشعب متفرق”

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/10 الساعة 06:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/10 الساعة 06:43 بتوقيت غرينتش

في مقهى يحتوي فقط على الأساسيات في قرية نجريج الزراعية الصغيرة في دلتا النيل المصرية، يعلو صوت هتافٌ من الجمهور وهم يُشاهدون جارهم القديم وهو يسجل هدفه السادس والعشرين في الدوري الإنكليزي الممتاز أمام فريق نيوكاسل.

منذ بضع سنوات فقط، كان مُهاجم ليفربول محمد صلاح يجلس هنا بينهم، يُشاهد كرة القدم الأوروبية مع أصدقائه من القرية. في ذلك الوقت، كان الجميع يُشجع النوادي المختلفة في كرة القدم، ويرتدون قمصان مانشستر يونايتد أو تشيلسي. لكن الآن، لا يوجد شك حول النادي الذي يحظى بتأييد جمهور القرية، وفق تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية.

يقول غمري عبدالحميد السعدني (42 عاماً): "الجميع هنا من مُشجعي فريق ليفربول. أينما يذهب محمد، سنشجعه".

يُطلِق السعدني على نفسه بفخر: "مُدرب محمد صلاح الأول" بعد أن كان أول مَنْ ساعد صلاح على تطوير قدمه اليسرى في النادي الرياضي المحلي عندما كان في الثامنة من عمره.

وقال السعدني: "حتى في ذلك الحين كانت موهبته ظاهرة. كان لديه الكثير من التصميم. والآن يصبح أفضل وأفضل. إنَّه أحسن لاعب مصري منذ محمود الخطيب".

إلا أنَّ شعبية صلاح لا تقف عند كرة القدم. ليس فقط في قريته نجريج، ولكن في جميع أنحاء مصر. ويوضح السعدني أن صلاح "أصبح رمزاً ونموذجاً لقيمة المصريين".

قصة الصعود إلى القمة

ومنذ ثورات الربيع العربي عام 2011، عانت البلاد من سلسلة من النكسات الاقتصادية والسياسية. وكان الكثير من الأخبار في مصر منذ ذلك الحين محزن. لكن منذُ أن أوصل صلاح مصر إلى كأس العالم للمرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وتنافسه الحالي مع مهاجم توتنهام هوتسبير الإنكليزي هاري كين على لقب أفضل هدافي الدوري الإنكليزي الممتاز، أصبح هناك أمرٌ ما تستحق أن تحتفل به البلاد.

بالنسبة لسكان نجريج، فإنَّ صعوده إلى القمة هو أيضاً أمرٌ لا يُصدق بعض الشيء. إلى جانب المقهى، يقع الملعب الذي اعتاد صلاح اللعب فيه. وتحت مصابيح إضاءة بيضاء ساطعة، يتدرب 10 مراهقين على أمل أن يسيروا على خطاه. ويقع منزل صلاح القديم على مرمى حجر من الملعب، وهو بيت مُتواضع يتألف من ثلاثة طوابق. والبيت فارغ الآن منذ أن انتقل صلاح ووالداه وإخوته إلى أوروبا، لكن لم يقطع صلاح صلاته مع القرية.

يقول السعدني: "كان دائماً رجلاً بسيطاً. كان دائماً جزءاً قوياً من المجتمع". عاد صلاح من مكان إقامته في لندن قبل ثلاث سنوات عندما كان يلعب في فريق تشيلسي الإنكليزي ليتزوج فتاة محلية من القرية، وأُقيم حفل زفاف يقول السكان المحليون إنَّ "الجميع كانوا مدعون إليه"، ويحرص صلاح على العودة كل رمضان لمُشاركة ثروته الجديدة.

في قرية يبلغ عدد سكانها 15 ألف شخص، حيثُ يُعد 3000 جنيه مصري (حوالي 170 دولاراً) راتباً شهرياً محترماً، يمكن أن يكفي راتب صلاح -الذي يصل إلى 90 ألف جنيه إسترليني (حوالي 124 ألف دولار) في الأسبوع- الكثيرين هنا، ويغُدِق صلاح مجتمعه السابق بتبرعاتٍ لمدرسته القديمة، وهدايا للأطفال المحليين، حتى أنَّه ساعد السكان الأكثر فقراً على شراء الأدوات المنزلية التي يحتاجون إليها للزواج. إلا أنَّه لم يعطِ الأمر أهميةً كبرى. فأولئك الذين تلقوا المساعدة منه احتفظوا بالأمر لأنفسهم. يقول مروان جلال عيسى، أحد سُكان القرية ويبلغ من العمر 51 عاماً: "إنَّه أمرٌ بينهم وبين الله".

تُعد نجريج مجتمعاً مُتماسكاً. وفعلياً، يمكن للجميع هنا أن يُفكروا لمدة دقيقة أو دقيقتين ويحددوا بالضبط صلة قرابتهم ببعضهم بعضاً. يقول السكان المحليون هنا إنَّ صلاح تبرع للقرية، ليس من أجل التباهي، ولكن من باب الواجب لعائلته المُمتدة. وفي المقابل، أعادت القرية تسمية نادي الشباب المحلي الذي كان يلعب فيه في يومٍ من الأيام ومدرسته القديمة باسمه تكريماً له.

نموذج يُحتذى به

جزء كبير من جاذبية صلاح يكمن في أنَّه لم ينسَ أبداً أصوله. ففي جميع أنحاء مصر، أصبح يُمثل نموذجاً للمواطن المصري العادي، فهو المراهق الذي تمكَّن من خلال التصميم الجريء من الوصول إلى أعلى مستويات كرة القدم الدولية، لكنَّه لم يُدر ظهره قط إلى جذوره. وقال عيسى بوضوح: "محمد نموذج يُحتذى به لهذا البلد".

وأضاف: "كشخص، وكلاعب، وكمواطن مصري".

على بُعد ثلاث حافلات ورحلة قطار شمال مدينة نجريج، في مدينة القاهرة المليئة بالدخان، يسطع وجه صلاح على اللوحات الإعلانية. تبعد العاصمة -التي تضم حوالي ربع سكان الدولة الذي يبلغ عددهم 100 مليون نسمة- كثيراً عن القرية، ومع ذلك لمست قصة المُهاجم قلوب القاهريين.

في جميع أنحاء المدينة، يلتقي الشباب في المقاهي في المساء لمشاهدة الفرق المحلية الأهلي والزمالك، بالإضافة إلى مبارياتٍ من الدوري الإسباني، والدوري الإنكليزي الممتاز، ودوري أبطال أوروبا. والجميع تقريباً لديهم فرقٌ يشجعونها، كما أنَّ قمصان ريال مدريد وبايرن ميونيخ مُنتشرة في جميع أنحاء الشوارع المزدحمة، إلا أنَّ محمد صلاح أصبح فريقاً خاصاً به.

من المؤكد أنَّ حفنة كبيرة من مُشجعي ليفربول قد ظهروا فجأةً هذا العام، ولكن كما يقول أحد المشجعين المحليين: "إنَّهم يهتمون فقط بصلاح. قد يكون ليفربول مُتقدم بثلاثة أهداف مقابل لا شيء ويشاهدون في صمت، لكن إذا سجل صلاح الهدف الرابع فسيصيبهم الجنون".

وبالطبع، صلاح ليس اللاعب الوحيد في الدوري الإنكليزي الممتاز. لاعب فريق أرسنال محمد النني موجود في إنكلترا منذ 2016، كما هو الحال مع رمضان صبحي في فريق ستوك سيتي. إلا أنََّ مُهاجم ليفربول هو الذي استحوذ على خيال البلاد.

يقول مشجع كرة القدم ويليام فوزي الذي يبلغ من العمر 29 عاماً: "هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها لاعباً مصرياً يتحمس من أجله الناس في البلدان الأخرى. وهذا جديد بالنسبة للمصريين. لا يمكنك تخيل كم يحبه الناس هنا، إنَّه مثل ديدييه دروغبا"، مشيراً إلى لاعب تشيلسي السابق الذي كثيراً ما يُنسب إليه الفضل في إنهاء حرب أهلية في بلاده ساحل العاج.

يشرح فوزي كيف أنَّ الكثير من المُعجبين في مصر تمثل كرة القدم بالنسبةِ لهم متنفساً من الأزمات التي وقعت في السنوات القليلة الماضية، وهو الأمر الذي يجعل رؤية صعود نجم محلي أمراً مُنعشاً للغاية. ويضيف فوزي: "خلال الثورة، لم نهتم بكرة القدم. لكن الآن، بدأنا جميعاً في مشاهدتها مجدداً".

ومنذ عام 2011، أدى التضخم إلى ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً، ما أدى إلى أزمة في تكاليف المعيشة وذروة في مستويات الفقر. وفي ظل الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي تزايد القمع أيضاً، حيث يوجد الآن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في المعتقلات، ومُشتبه بهم جُدُد يختفون في الشوارع طوال الوقت. ويوضح فوزي: "كرة القدم بمثابة مصدر إلهاء لنا".

وفي وقتٍ لاحق من هذا الشهر، سيذهب السيسي إلى صناديق الاقتراع سعياً لإعادة الانتخابات. إنَّه شخصية مُثيرة للخلاف بين المصريين، لكن مع التخلص من كل معارضة جديرة بالثقة جانباً، لم تنتهِ الانتخابات على الإطلاق. إذ عُلِّقَت ملصقات الرئيس الحالي في جميع أنحاء البلاد لتشجع المصريين على الخروج للانتخابات ودعمه في السادس والعشرين من مارس/آذار.

لكن وجه خصمه الشكلي موسى مصطفى موسى لا يمكن رؤيته في أي مكان. وبصرف النظر عن الرئيس، فإنَّ الوجه المصري الوحيد المنتشر في جميع أنحاء البلاد هو وجه شخص هادئ يبلغ من العمر 26 عاماً من قرية في الدلتا. ويقول عيسى: "إنَّه الوجه الحقيقي لمصر".

علامات:
تحميل المزيد