كان يرتدي قبعة عمال الفنادق وربطة عنقٍ بيضاء، ويتحدث اللغة اليابانية. ومع ذلك، وبرغم غرابة التحدث إلى حيوانٍ مفترس آكل للبشر يعود للعصر الجوراسي، لم يكن هذا هو الجزء الأكثر إدهاشاً. إذ طلب مني وهو مندفعٌ إلى الأمام ويستعد للقفز أن أُبرِز بطاقة الائتمان بينما كان يُلقي بعض النكات. لا يبدو أيٌ من هذا منطقياً بالطبع، لكننا في اليابان.
بدأت الشمس في تغطية خليج أومورا جنوب مدينة ساسيبو اليابانية في ولاية ناغاساكي في جزيرة كيوسو، وأنا على وشك الحجز في فندق "هين-نا" أو "الفندق الغريب"، للتعامل مع الجانب المهووس بالمستقبل من اليابان. كونه يُدار بالكامل تقريباً بواسطة الروبوتات يجعله الفندق الأكثر فعاليةً في العالم كما تقول إعلاناته الترويجية. وما أراهُ هنا هو المستقبل يجري على قدمٍ وساق.
يحكي الكاتب مايك ميكياشرن، الذي خاض التجربة، لصحيفة The Independent البريطانية.
كان أول ما لفت انتباهي حين انفتحت الأبواب الإلكترونية هو الفيلوسيرابتور، بأسنانه اللامعة وأنفه المقلوب، ومخالبه الشبيهة بالمنجل.
بجانب الديناصورات، تجد يوميكو المانيكان البيضاء اللامعة ذات البشرة اللؤلؤية والعيون الحادة وهي تُنهي إجراءات الحجز لعائلةٍ ما، بينما تستمع إلى بعض أغاني البوب من خلال الضغط على صندوقٍ مصقولٍ بعناية موضوع بداخل بيانو صغير في أحد الأركان.
توجد كذلك مكانس كهربائية، ومعدات لتنظيف الحدائق تعمل بشكلٍ آلي، وفرقة أوركسترا في حجم لعب الأطفال، ويوجد ذلك النوع من الروبوتات ذات الذراع الواحدة التي تستخدمها الشركات المُصنعة للسيارات للعمل على خطوط الإنتاج، مسؤولة عن الأمتعة التي يريد رواد الفندق حفظها.
وهناك روبوتات تجريبية مُستلهمة من فيلم الرسوم المتحركة "وول-إي"، والشخصية الخيالية "جوني 5″، وشخصية "مارفن"، ونظام التشغيل المفتوح للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الحاسوب "بارانويد آندرويد"، وشخصية الأرنب "إنيرجايزر".
وهناك أيضاً الروبوت المرح "فاميبوت" الذي يعمل على تنقية الهواء وحراسة المنزل، وروبوت "وينبوت" المسؤول عن تنظيف النوافذ، و"ديبوت" المسؤول عن تنظيف الأرضيات، و"أتموبوت" المسؤول عن تنقية الهواء والكشف عن الروائح الكريهة، ومجموعة أخرى تستحق الاهتمام من الروبوتات. في المجمل، هناك جيشٌ مُكون من 250 روبوتاً يعمل في المناوبة الواحدة.
لا يمكنك رؤية أي إنسانٍ هناك، في أي مكان. تمتلئ ردهة الفندق الواسعة بمجموعة من آلات البيع التي تبيع الساعات المائية الرقمية، وبطاقات الذاكرة، ونظارات الواقع الافتراضي.
أُسجل الحجز داخل الفندق من خلال ما يبدو وكأنَّه ماكينة صرَّاف آلي قادرة على الحديث، تُقدم لي قصاصة من الورق تحوي رقم غرفتي (لا يوجد مفاتيح للغرف هنا)، ثم أنطلق تجاه الغرفة (دون مُشادات كلامية مع حاملي الحقائب، رغم أنَّه بالنسبة للمسافرين ممن لديهم حقائب ثقيلة تتوفر خدمة حمل الأمتعة من خلال ما يشبه عربة نقل تعمل أتوماتيكياً).
وبدلاً من استخدام مفتاح للغرفة، هناك تقنية للتعرُّف على العين. ولسوء الحظ، في حالتي، استغرق الأمر خمس دقائق من التحديق في الكاميرا وعمل تعبيرات وجه غريبة قبل أن تسمح لي بالدخول في النهاية.
كان المشهد أقل إثارةً للإعجاب في غرفتي؛ إذ يوجد روبوت مُساعد بحجم الطاولة المجاورة للسرير يحمل اسم "تشور-ري-تشان"، ولديه زهرة تيوليب مكان رأسه، ويمكنه إطلاعك على طقس الغد، وإيقاظك صباحاً في الموعد الذي تريده، أو الغناء باللغة اليابانية حتى تنام إذا أردت. لكنَّ الديكور ذا اللون الأبيض الفاتح والسرير المزدوج يجعل الغرفة بدائية التصميم، تماماً كالتي تجدها في خدمات الطريق السريع.
وباستثناء المرحاض الأوتوماتيكي، الذي يُعد أمراً أساسياً في اليابان، فالغرفة تحوي أغراضاً أساسية كتلك التي تقدمها شركة ترافيلودج.
وتُعد مفاتيح الإنارة التي تُدار بواسطة الروبوتات هي الاستثناء، إذ تتبع تحركاتك قبل الضغط عليها لتشغيلها أو إيقافها أو في حال كنت في حاجةٍ إليها (ما يجعل التسلل في منتصف الليل إلى المرحاض ماشياً على أطراف قدميك للتبول أمراً مستحيلاً). الرسالة هنا واضحة: الجدران تراقبك.
ولكن، مرةً أخرى، بساطة الغرفة بشكلٍ عام أمرٌ مُتعمد؛ فاليابان ليست عاجزةً عن توفير الفنادق الفاخرة الشاهقة ذات النجمات الخمس أو النُزُل اليابانية التقليدية. لكنَّها فعلت ذلك لتُخفِّض قيمة الحجز إلى 70 جنيهاً إسترلينياً (أي ما يُعادل 93.7 دولار أميركي) مقابل قضاء ليلة داخل الفندق. إذ أُنفِق كل الاستثمار في الفندق على الروبوتات.
ومع ذلك، فالعائق هو أنَّ هذه الروبوتات اليابانية لا تفهم اللهجات المختلفة، وخاصةً لهجة سكان مدينة غلاسكو. فحين طلبتُ من الروبوت "تشور-ري-تشان" اقتراح مطعم لتناول العشاء، أجابني بأغنيةٍ كرتونية متمنياً لي ليلةً سعيدة. وعند سؤاله "هل خدمة الغرف متاحة؟"، أخبرني أنَّ درجة الحرارة 28 درجة، والرطوبة مرتفعة، ومن الممكن أن تسقط بعض الأمطار. ولحسن الحظ، لم أكن أطرح أي أسئلةٍ لا يمكن لغوغل الإجابة عنها.
يبدو وكأنَّه المستقبل فعلاً. يملك فندق هين-نا بالفعل فرعين في اليابان، ومن المقرر افتتاح 10 فروع أخرى بحلول نهاية العام المقبل 2018، منها 6 فنادق في طوكيو. ويُخطط المالكون لبناء 100 فندق خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبينما نتحدث، تؤدي فرقة الأوركسترا الصغيرة عرضها المسائي، إذ تعزف تلك العلبة الصغيرة مقطوعة "Ode to Joy" لبيتهوفن، بينما يرحب ذلك الروبوت في حجم المحول الكهربائي بمجموعةٍ من النزلاء الجُدد. من الصعب أن تُجادل مع كل هذا الطموح والإبهار، وفي طريقي إلى غرفتي لم يكن يسعني إلا التساؤل عن التغيُّرات التي سيشهدها العالم على مدى السنوات الـ25 المقبلة. هل سنرى روبوتاتٍ تقوم بتدليك الجسم، أو نطلب مشروباتنا في الحانات من السايبورغ؟ هل ستكون أجهزة أندرويد هي المسؤولة عن الحفاظ على نظافة أحواض السباحة؟ سيكون الأمر غريباً حقاً.
الفندق يفتح أبوابه في حين ناقش البرلمان الأوروبي، في بداية سنة 2017، فرض ضريبةٍ مُشابهة داخل دول الاتحاد الأوروبي. وقام بونوا آمون، المرشح الرئاسي للحزب الاشتراكي الفرنسي (الذي يصفه البعض بأنَّه النسخة الفرنسية من الأميركي بيرني ساندرز)، بإضافة ضريبة الروبوتات إلى برنامجه الانتخابي. وقام بيل غيتس نفسه بدعم الفكرة.