"قمتُ بقيادة دراجة نارية وسيارة أثناء النوم".. صاحبة هذه الجملة سيدة تدعى جاكي شاركت قصتها ورحلتها مع المرض ولجوئها إلى طبيب معالج.
ولكن قبل حكاية جاكي لا بد من معرفة أن مشكلة السير أثناء النوم عند البالغين إحدى الألغاز العلمية التي استعصى تفسيرها على العلماء، وهي من اضطرابات النوم غير الشائعة لكنها خطرة على كل من يعاني منها.
وهذه المخاطر تكون محدودة لو حدثت داخل المنزل بطبيعة الحال، لكن البعض قد يصل بهم الحال إلى القيام بالقيادة، وهنا ينتقل الخطر إلى مرحلة أخرى.
يصف طبيب الأعصاب غي ليشزينر حالة جاكي، شارحاً لموقع BBC Mundo أنها مريضة انتقلت للعيش في المملكة المتحدة من كندا وسكنت مع سيدة عجوز لفترة من الزمن.
جاكي مريضة المشي أثناء النوم
أما جاكي الخمسينسة فتروي عن أول عهدها بمعرفة المرض كبالغة قائلة "في صباح أحد الأيام، سألتني السيّدة التي أسكن معها "أين ذهبت الليلة الماضية؟" فأجبت بأنني لم أذهب إلى أي مكان، لتخبرني بأنني قد استقلت الدراجة البخارية في وقت متأخر من الليل.
وتقول جاكي "شعرت بالصدمة وسألت السيدة عما إذا كنت مرتدية الخوذة في ذلك الوقت".
أجابتها السيدة بأنها قد هبطت الدرج وأخذت خوذتها قبل أن تخرج لتعود بعد حوالي 20 دقيقة. لم تستطع جاكي أن تتذكر ما حدث تلك الليلة، لأنها كانت نائمة في ذلك الوقت.
ربما لم تكن لتعرف بما حدث أبداً إذا كانت تعيش بمفردها، فقد كانت الدراجة النارية والخوذة في نفس الأماكن تماماً.
تدرج مراحل الإصابة بالمرض
حسب وصفها لم تحظ جاكي بشعبية كبيرة وسط أقرانها في بلدها الأم، وتتذكر حادثة وقعت في أحد معسكرات التخييم "صدر عني صوت يشبه الزئير أثناء النوم" وتتابع "كان مثل صوت الدب".
وتمضي "في إحدى الليالي، استيقظ الجميع على صوت عال لدرجة أنهم كانوا جميعاً خائفين، لذلك لم يكن أحد يحبني، ليس فقط الأطفال، بل كذلك المشرفون والمسؤولون عن الرحلات.
"كنت أستيقظ في منتصف الليل وأسير إلى النهر أو إلى الغابة، لم يتمكنوا من السيطرة علي، لذا انتهى الأمر بإعادتي إلى المنزل".
لكن، لم يكن السير أثناء النوم في المعسكرات والرحلات فحسب، تقول جاكي "كنت أذهب إلى أسفل الدرج، وأفتح باب غرفة والدي وأمكث هناك".
وتكمل "شعرت أمي بالخوف، إلا أن أبي أمسك بيدي وصعد بي إلى غرفتي ووضعني في الفراش مرة أخرى".
حسب طبيبها المعالج فإن هذا السلوك شائع للغاية في سن الطفولة، تماماً مثل بعض السلوكيات الأخرى كالحديث أو تناول الطعام أثناء النوم والشعور بمخاوف ليلية، حيث يبدو الطفل مرعباً، يصرخ ويصرخ بشكل لا ينسى، ولكنه يستيقظ دون أن يتذكر أياً مما حدث.
وهذه الأحداث non-REM parasomnias، لأنها تحدث خارج مرحلة REM (مرحلة نوم حركة العين السريعة)، تختفي ببطء مع مرور الوقت، إلا أنه في 1٪ إلى 2٪ من الحالات يستمر الأمر في مرحلة البلوغ.
بعد علمها بما قامت به، أعطت جاكي مفاتيح الدراجة البخارية لصاحبة المنزل، كي لا يتكرر ما حدث ثانية، فقد كانت تعتقد أنها تتغلب على المشكلة بهذه الطريقة، إلا أنها كانت مخطئة.
وبعد سنوات عديدة، سألها الجيران عما كانت تفعله في حوالي الساعة الثانية صباحاً، لتجيب بأنها كانت نائمة في ذلك الوقت.
"قالوا لي:" كلا، كلا، لقد رأيناك تقودين في ذلك الوقت"، تتابع "وكما فعلتُ على الدراجة النارية، قمت بقيادة السيارة وأنا نائمة".
ومرة أخرى، وجدت جاكي السيارة متوقفة في نفس المكان تماماً، ومن جديد، لولا جيرانها لم يكن هناك أي دليل يمكن أن يكشف عن تجوالها ليلاً.
ولكن فكرة القيادة في المدينة أثناء النوم، وتعريض نفسها والآخرين للخطر، كانت مثيرة للفزع، لذا قررت جاكي الذهاب إلى طبيب مختص.
تفسير علمي لا يحل كل اللغز
عرف العلم لسنوات أن بعض الحيوانات مثل الدلافين، وكذلك الطيور يمكنها النوم بنصف الدماغ، مما يسمح لهم بالسباحة أو الطيران أثناء النوم.
هذا لا يحدث لدى البشر، ولكن من المؤكد أن النوم واليقظة يمكن أن يجتمعا في أجزاء مختلفة من الدماغ في نفس الوقت.
على سبيل المثال، في حالات الحرمان من النوم، هناك مناطق صغيرة من القشرة الدماغية (السطح الخارجي للدماغ) يظهر ما يسمى بـ "local sleep"، وهو نشاط كهربائي يشبه النوم.
وتُظهر الدراسات المتعلقة بالنوم أن أجزاء الدماغ التي تتحكم في الرؤية والحركة والعاطفة تبدو مستيقظة، في حين يبدو أن مناطق الدماغ التي تشارك في الذاكرة وصنع القرار والتفكير العقلاني تبقى في سُباتٍ عميق.
هذه النتائج تفسر إلى حد ما لماذا قد يبدو أن من يسيرون أثناء النوم يقظون، تكون عيونهم مفتوحة ويتحدثون ويقومون بمهام صعبة مثل ركوب دراجة نارية، ولكنهم يتصرفون بغرابة وليس لديهم ذكريات عما يقومون به أو تكون ذاكرتهم محدودة للغاية.
مثل العديد من مشكلات النوم، قد يكون لهذه المشكلة أساس وراثي.
وهو ما شددت عليه نتائج دراسة نشرها موقع "الجزيرة" جاء فيها أن الخبراء يصنفون هذه الظاهرة ضمن الاضطرابات النفسية، لكنهم يرجحون وجود عامل وراثي مرتبط بالجينات، خاصة وأن نحو 80% من المصابين بالسير أثناء النوم، لديهم قريب واحد على الأقل مصاب بهذا الأمر.
يقول ليشزينر إن العديد من مرضاه في مركز اضطرابات النوم في مستشفى غي في لندن لديهم تاريخ عائلي قوي من حالة non-REM parasomnias، وقد حددت الدراسات الأولية مناطق الجينوم التي قد تكون مشتركة.
انتهت جاكي من العلاج في مستشفى غي، ولكنها كانت تبحث عن حلول منزلية للسيطرة على حالتها.
كان أحد هذه الحلول هو تعليق جرس على الباب الأمامي، إلا أن إد شريكها في السكن كان نومه ثقيلاً بحيث لا يمكن إيقاظه بهذا الصوت.
كما قامت بشراء خزنة تحتفظ فيها بالمفاتيح كل ليلة ولا يمكن فتحها قبل الساعة السادسة صباحاً، وتحسباً للحالات الطارئة، تركت نسخة من المفتاح مع جيرانها.
هذه الحلول نجحت في منع جاكي من مغادرة الشقة أو القيادة في منتصف الليل.
ولكن، بشكل عام، يمكن أن يكون السير أثناء النوم غير مريح أو محرجاً، يمكن للناس إجراء مكالمات هاتفية أو إرسال رسائل نصية في منتصف الليل، قد يخبرهم الجيران في الصباح أنهم قد تجولوا في الشوارع دون ملابس أو قاموا بالطهي أثناء نومهم.
يقول مائير كريجر من جامعة ييل "ينبغي أن نشعر بالقلق عندما يقوم شخص بقيادة السيارة أثناء نومه، أو عندما يمشي في الهواء الطلق أو يستخدم أدوات قد تكون خطيرة مثل السكاكين".
ومع ذلك، في الغالبية العظمى من الحالات non-REM parasomnias يمكن التعامل مع الموقف ببساطة.
يجب الاهتمام بعلاج مشاكل النوم للبدء في علاج مثل هذه الحالة، وقد يتطلب الأمر بعض الأدوية العلاجية في الحالات الصعبة.