اختار الروائي رشيد بوجدرة "مهربو التاريخ" كعنوان لكتابه الأخير، ويستعرض فيه حياة بعض الأدباء والكتاب الجزائريين المشهورين المقيمين في المهجر بشكل مثير للجدل.
يأتي هذا الكتاب ليشكل الحدث الأبرز في الصالون الدولي للكتاب، أبرز حدث ثقافي في الجزائر، والمزمع تنظيمه ما بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و05 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
مهربو التاريخ
أثار كتاب أصدره الروائي رشيد بوجدرة بداية أكتوبر/تشرين الأول 2017 الصادر عن دار فرانز فانون للنشر زلزالاً في المشهد الثقافي الجزائري، بعد الجدل الكبير لما احتواه من تهم وسرد لسير أدباء وكتاب يعيشون في المهجر.
وبأسلوب روائي أراد رشيد بوجدرة بحسب جريدة "وقت الجزائر" في نسختها الناطقة بالفرنسية، سرد حقائق عن روائيين وأدباء زيفوا الحقائق التاريخية، وشككوا في شرعية الثورة التحريرية وأرادوا تبييض وجوه بعض الخونة كما تم وصفهم.
واعتبر الكاتب الجزائري حسين مراد سالم، كتاب مهربو التاريخ ثمرة لسخط الروائي رشيد بوجدرة من مزيفي التاريخ، والذين ينشطون في الخارج تحت أجندة فرنسية لتبييض صورة الاستعمار.
وقال مراد سالم في تدوينة على موقع عيون سيدي بلعباس الناطق بالفرنسية "الكتاب أراد كشف حقائق تاريخية زيفها فنانون وكتاب وبوجدرة أحسن اختيار العنوان، الذي أعطى بعداً لحقائق يجهلها القارئ".
شخصيات أدبية كبيرة متهمة
رشيد بوجدرة المعروف بخرجاته الإعلامية المثيرة، تناول هذه المرة في كتابه مهربو التاريخ جانباً من حياة زملائه في الرواية والشعر، منهم من وصفهم بالخونة، ومنهم من اتهمهم بالإرهاب والخداع.
وقال بوجدرة في مقدمة كتابه "هؤلاء تنطبق عليهم مقولة ابن خلدون الشهيرة حول: انبهار المنهزم بالمنتصر، إذ تشوب كتاباتهم نوستالجيا غريبة إلى جنة الاستعمار المفقودة!".
لعل أكبر تهمة احتواها الكتاب، هو ما جاء في حق الكاتب الجزائري كمال داوود المقيم في فرنسا، والذي كان ضالعاً حسب بوجدرة في الجماعة الإرهابية الأكثر دموية في الجزائر وهي "الجيا" أي الجماعة الإسلامية المسلحة.
إلى ذلك قال بوجدرة في كتابه أيضاً بأن داوود يشيد بأعداء الجزائر والثورة من خلال استغلاله للذكرى المئوية لولادة الروائي الفرنسي ألبير كامو ليتملّق الفرنسيين برواية "ميرسو تحقيق مضاد" التي يحتفي فيها بالانتماء الجزائري المزعوم لـ "كامو"، في حين أنّ هذا الأخير، كما تبيّنه مراسلاته مع "جان سيناك" و"ريني شار"، لم يكن يعترف بوجود شيء اسمه الجزائر إبان حرب التحرير ضد المستعمر.
الأديب الجزائري الثاني الذي لم يسلم من نيران كاتب مهربو التاريخ هو الكاتب بوعلام صنصال، المقيم أيضاً بفرنسا، واعتبره من الكتاب الذين هاجموا الثورة وشككوا فيها من خلال وصفه لبعض قادة الثورة بالنازية في كتابه "قرية الألماني".
كذلك، حسب الكتاب، فقد أقدم صنصال على وصف ثوار التحرير بالإرهابيين، كما شكك في معارضته للسلطة قائلاً "صنصال يريد تصفية حساباته بعد قضائه 39 سنة موظفاً في إحدى الوزارات في الجزائر".
بعد ذلك يأتي الروائي ياسمينة خضرا الذي اتهمه بالترويج للجانب الإنساني والإيجابي للمستعمر الفرنسي في روايته "فضل الليل على النهار" وتناسى كما قال بوجدرة "تضحية الجزائريين ومقاومتهم المحتل".
وحملت الرواية أيضاً ترويجاً للتعايش بين المعمرين الفرنسيين والمسلمين الجزائريين، بعدما كانت فرنسا تصف مناطق في الجزائر "بفرنسا المسلمة".
كما تطرق كتاب بوجدرة أيضاً إلى الأديبة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية فريال فيرون، التي وصفها بالخداع، لما تسللت إلى وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر للترويج لروايتها التي تمجد جدها بوعزيز بن قانة.
وبوعزيز بن قانة حسب تصريح الباحث بلال بارة لـ"عربي بوست" هو باشاغا – صفة تطلق على كبار المتعاونين آنذاك مع الإدارة الفرنسية- وبالتالي كان من الجلادين".
وقد أثار حينها استضافة الحفيدة فيرون على التلفزيون الرسمي الجزائري سخطاً كبيراً لدى العائلة الثورية الجزائرية.
وقال بوجدرة في كتابه الأخير "الباشاغا بن قانة اشتهر بتعذيبه الوحشي للثائر الشيوعي الجزائري الكبير، شباح المكي، عبر جرّه موثقاً وراء حصانه على مسافة 130 كيلومتراً، لتسليمه للسلطات الاستعمارية".
ليست الأولى
خرجة الروائي الجزائري رشيد بوجدرة الأولى في اتهام زملائه ليست الأولى من نوعها، فقد سبق وأن خرج عبر وسائل إعلام مختلفة يصف أدباء وكتاباً بأوصاف مثيرة للجدل.
هذا ما يؤكده الروائي الجزائري خرفي أحمد لعربي بوست بالقول "ما قام به بوجدرة ليس جديداً عليه، فهو معروف منذ الثمانينيات باتهاماته المتجددة لمجايليه من الروائيين وعدائه المستمر معهم، ويبدو أن الجيل الجديد من الروائيين لن يسلم من خرجات خريج السوربون".
وسبق لقناة "دزاير نيوز" الخاصة في الجزائر، أن تناولت اتهامات خطيرة لرشيد بوجدرة في حق أدباء بالفشل وضعف المستوى، ومنهم من اتهمهم بالسرقة الأدبية وغيرها من الاتهامات.
لكن توثيق هذه الاتهامات في كتاب فهذه هي المرة الأولى التي يفعلها الروائي رشيد بوجدرة في مسيرته.
نافذة على الماضي
الروائي رشيد بوجدرة وفق ما نشرته جريدة وقت الجزائر الناطقة بالفرنسية دافع عن الكتاب، واعتبره نافذة على حقيقة يجهلها الكثير من الجزائريين، ولابد كما قال من "العودة إلى صدق الزمن وحقيقة الوقائع بعيداً عن التزييف والتحريف، ولا خوف إن كان هذا هو الهدف" .
الكاتب الجزائري حسين مراد سالم، وفي تدوينته بموقع عيون سيدي بلعباس، ساند خرجة الروائي رشيد بوجدرة، فهي تعطي بعداً آخر لكتاب وروائيين يعيشون بعيدين عن الجزائر ويروجون لحقائق غير موجودة.
وذهب أبعد من ذلك بالقول بأن اللوبي الصهيوني الفرنسي، يسعى وراء الترويج لتلك الحقائق، من خلال تلميع صورة الكتاب والأدباء الذين يكتبون بالفرنسية ويساندون ثقافاتهم.
الكاتبة والشاعرة سميرة بعداش تقول لعربي بوست "هذا الكتاب هو تعبير لشعور أديب غيور على وطنه ضد الذين يكتبون ويزيفون التاريخ بينما تاريخنا وأصلنا وأمازيغيتنا وهويتنا لا تشوبها شائبة وهي الدين الإسلامي واللغة العربية وأصالتنا أمازيغيتنا".
تصفية حسابات؟
بعكس ذلك الروائي أحمد خرفي يستهجن الخرجة الجديدة لرشيد بوجدرة بالقول "المؤسف أن بوجدرة يصفي حساباته مع الكتاب الذين ذكرهم على أساس اتهامات فضفاضة، تمتد إلى حد التجريح دون أدنى اعتبار".
وأردف في تصريح لعربي بوست "بوجدرة الشيوعي في نصوصه، يثبت بأنه رأسمالي في استماتته على مكانته في سوق الرواية كالروائي الجزائري الأكثر إثارة للجدل".
وأضاف "كل من كمال داود وياسمينة خضرة تناولا في رواياتهما "ميرسو.. تحقيق مضاد" و"فضل الليل على النهار" جزءاً من الحقيقة التاريخية للحقبة الاستعمارية، وجزء من الحقيقة يصنع قصة، والقصة هي حجر الأساس الذي يحتاجه الأديب لينتج عملاً إبداعياً، وليست الحقيقة الكاملة".
ولا أحد يضيف "ينكر الاستدمار الفرنسي والعنصرية التي عومل بها 'الأنديجان' الجزائري (السكان الأصليون) في تلك الحقبة، لكن ذلك لا ينفي أن جزءاً من الحقيقة كان وجود حالات من التعايش كالتي تطرق لها الروائيان".
كما وصف الكاتب أنه من العيب أن ينشغل ويكتب الروائي عن ماضي زملائه، وتعقب عثراتهم، وهو ما ذهبت إليه الشاعرة سميرة بعداش، والتي تقف ضد أن يكون الروائي "حارساً" للآخرين يقتفي أخطاءهم.
العدالة تفصل
يبدو أن الضجة التي أحدثها كتاب مهربو التاريخ لرشيد بوجدره، لن تبقى حبيسة المشهد الثقافي، بل امتدت إلى أروقة العدالة.
وفي هذا الصدد قام محامي الروائي والكاتب كمال داوود في 13 أكتوبر/تشرين الأول2017 برفع دعوى قضائية ضد الروائي رشيد بوجدرة بحسب جريدة الصوت الآخر الجزائرية.
وكان كمال داود قد أعلن قبل أسبوعين عزمه متابعة رشيد بوجدرة قضائيًا، بعد أن قال عنه صاحب "الحلزون العنيد" بأنه كان عضواً في "الجماعة الإسلامية المسلحة" (جيا) في شبابه.
كمال داود وفي رده على رشيد بوجدرة، قال "الدعوة القضائية لا أنتصر بها لنفسي فقط، وإنما لجيل كامل من الجزائريين الذين واجهوا الإرهاب عزلاً، وأرد دفاعاًعن شرفي وشرف والدي وأبنائي".
الرد البارد
من جانبه الأديب الجزائري ياسمينة خضرة هو الآخر تفاعل مع ضجة الكتاب والذي اتهمه بالخيانة للثورة والثوار، ولم يقرر الوصول إلى العدالة عكس داود.
ياسمينة خضرا اكتفى بتوجيه رسالة إلى رشيد بوجدرة من خلال صفحته على فيسبوك يذكره فيه بمواقفه خلال العشرية السوداء في الجزائر، قبل أن يسامحه أمام الآلاف رغم حزنه الشديد كما قال.
وقال خضرة "أعلم بأنك تنتظر مني الرد، لكني لن أفعل لأن ذلك سيؤرقك ويهينك أكثر من كلامي، فأنت تقول بأنني لست كاتباً ودون المستوى، إذاً لماذا تعاني من كتاباتي وتهتم بها؟"
وذكره بالقول "أنا من أحسن الكتّاب في الجزائر والمغرب والأكثر مقروئية في العالم بحوالي 10 ملايين قارئ وحوالي 50 ترجمة".
ليختم قائلاً "أنا أغفر لك، رغم كل الحزن الذي سببته لي".
إلى ذلك لم يقم الكاتب بوعلام صنصال، والروائية ذات الأصول الجزائرية فريال فيرون بالرد على كتاب "مهربو التاريخ" حتى الآن.