من المؤكد أنك سمعت هذا الكلام مرات عديدة وربما تعرفه عن ظهر قلب.
"في حالة ما إذا حدث فقدان مفاجئ للضغط في المقصورة وهو حادث بعيد الاحتمال، تسقط أقنعة الأوكسجين من الرفّ الموجود فوق رأسك مباشرة.. قم بتأمين قناعك الشخصي قبل مساعدة الآخرين".
لكن في الواقع تعتبر رؤية هذه الأجهزة الغريبة، بحسب تقرير لصحيفة التليغراف البريطانية، أمراً نادراً للغاية، عندما قام طاقم الخطوط الجوية المتحدة بتوزيع هذه الأجهزة على متن رحلة متجهة إلى دنفر عام 2015 بعدما شعر العديد من الركاب بالاضطراب، كان الاهتمام الأول للموجودين على متن الرحلة هو توثيق الحدث بالتقاط صور السيلفي.
إذاً، كيف تعمل هذه الأقنعة فعلياً، وما الظروف التي تُستخدم فيها، وما كمية الأوكسجين الذي تحتويه الأقنعة؟
هل يتعلق الأمر بإجراءات السلامة، أم هي مجرد طريقة واضحة لتخدير الركاب وإبقائهم في مقاعدهم بينما تهوي بهم الطائرة نحو الأرض؟ هذا، إذا فكرنا قليلاً، هو رأي شخصية تايلر ديردن التي لعبها براد بيت في فيلم نادي القتال:
"هل تعلم لماذا وضعوا أقنعة الأوكسجين على متن الطائرات؟ يجعلك الأوكسجين في حالة فقدان للوعي. وفي حالات الطوارئ أثناء الكوارث، تستنشق الهواء وأنت في حالة من الرعب. وفجأة تشعر بالسعادة وتصبح منصاعاً. وتتقبل مصيرك. هذا ما يحدث هنا (وهو يُشير إلى دليل تعليمات الطوارئ على الطائرة). الهبوط الاضطراري في المياه بسرعة 600 ميل في الساعة. وجوه يسودها الهدوء مثل بقر الهندوس".
نعتذر للقائلين بنظرية المؤامرة. توجد أقنعة الأوكسجين على متن الطائرات من أجل سلامتكم فعلاً. وعلى وجه التحديد، بينما تقوم مضيفة الرحلة بشرحٍ موجز، فالأمر برمته يتعلق بضغط المقصورة.
يكون الهواء خفيفاً عند الارتفاعات الكبيرة، وتكون مستويات الأوكسجين ضئيلة للغاية، ولذا توجد أنظمة ذكية على متن الطائرة للإبقاء على ضغط المقصورة في مستوى يتناسب مع ارتفاع قد يصل إلى 5000 – 8000 قدم تقريباً. ويمكن للجلوس في الطائرة أن يكون، إلى حد ما، أشبه بزيارة مكسيكو سيتي أو بوجوتا.
وبالتالي، يُعد فقدان الضغط من الأمور الهامة -وربما يكون خطيراً. فإذا حدث على نحو مفاجئ – نتيجة لانفجار قنبلة، على سبيل المثال، فقد تؤدي القوة الناتجة إلى إلحاق أضرار أو حتى تدمير الطائرة. ولحسن الحظ، فإن الغالبية العظمى من حالات انخفاض الضغط لا تسبب الانفجارات – ويسهل على الطاقم التعامل معها.
وأوضح الطيار باتريك سميث، مؤلف كتاب كوكبيت كونفيدنشال Cockpit Confidential: "تعتبر حوادث تحطم الطائرات وحالات الوفاة التي تحدث نتيجة لمشاكل الضغط غير شائعة على الإطلاق، حتى عند حدوث انخفاض سريع نسبياً في الضغط نتيجة ثقب أو فتحة صغيرة على متن الطائرة".
وأضاف: "فإذا انخفض ضغط المقصورة عن نسبة معينة، فستنزل الأقنعة من أعلى وتعرض كل شخص لما يُدعى بـ"غابة المطاط". فإذا ما تعرضت لهذا الموقف، قم بارتداء قناعك وحاول الاسترخاء. ستصل الطائرة إلى الارتفاع المناسب بعد قليل، وسيكون هناك دقائق عديدة لتوفير الأوكسجين للجميع".
دقائق عديدة، ربما يكون هذا أقل مما تتوقع. لذلك، يفترض أن الهبوط إلى ارتفاع آمن يتم بشكل سريع.
وأردف قائلاً: "في المقدمة، سيرتدي الطيارون أقنعتهم ويبدأون في الهبوط سريعاً إلى ارتفاع لا يزيد على 10 آلاف قدم.. إذا بدأ الهبوط الاضطراري سريعاً على نحو خطير، فليس السبب هو أن الطائرة تتحطم، بل إن طاقم الطائرة يقومون بما يجب عليهم فعله".
يتحدث سميث من واقع خبراته، متذكراً رحلة قام بها من أميركا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، يقول: "كنا نحلق فوق الكاريبي عندما فوجئنا بصوت مرتفع لم نعرف مصدره وكان يبدو وكأنه يأتي من كل مكان. كنت أشعر بفرقعة في أذني، بنظرة إلى الأجهزة رأيت أننا نفقد الضغط بشكل سريع".
ويضيف: "وضعت أنا وقائد الطائرة الأقنعة، وأخرجنا الكتاب، وبدأنا في البحث عن حل للمشكلة. وكان أحد الحلول هو الهبوط بشكل حاد. إن البدء في مثل هذا الهبوط يُعد عملية متعددة الخطوات: وضع 10,000 في نافذة الارتفاع؛ ثم اختيار "تغيير مستوى الرحلة" من لوحة الطيار الآلي؛ ثم زيادة السرعة إلى نقطة أقل من السرعة القصوى بشكل بسيط؛ ثم توزيع كوابح السرعة؛ ثم إرجاع معدلات الدفع إلى معدل السكون.. بالنسبة للركاب على متن الطائرة، فأنا متأكد من أنهم شعروا وكأنهم يستقلون قطار الملاهي، ولكن تم تنسيق الأمر بعناية وإشراك الطيار الآلي طوال الوقت".
ولكن، ماذا كان سيحدث إذا كنت تحلق فوق جبال الهيمالايا ولا تستطيع الهبوط إلى ارتفاع 10,000 قدم؟
يقول سميث موضحاً: "سيسلك الطيارون الطرق الجوية ذات الضغط المنخفض المحددة مسبقاً التي تسمح بالهبوط تدريجياً، في مراحل". ويضيف: "فحتى فوق الجبال، هناك دوماً فرصة للوصول إلى الارتفاع الآمن قبل نفاد الأوكسجين الاحتياطي".
في الواقع، قد يكون مصطلح "دقائق عديدة" الذي صرح به سميث متحفظاً إلى حد كبير. إذ تقترح بعض المصادر الأخرى – والأدلة المأخوذة من حادث التحطم المأساوي لطائرة الخطوط الجوية هليوس رقم 522 – أن الأوكسجين الموجود في ذلك الوقت كان يكفي ما بين 12 – 15 دقيقة.
لذا، حاول الاسترخاء. ولا تنسى التقاط السيلفي.
ماذا سيحدث إذا رفضت استخدام القناع؟ إذا فقدت المقصورة الضغط بالفعل، فسيؤثر نقص الأوكسجين على المخ بسرعة، وستظهر بعض الأعراض مثل الغثيان والصداع – وحالة من (النشاط ومرح الجنون).
أشارت ترايسي براين إلى تجربتها مع عملية انخفاض الضغط، و"غابة المطاط"، والهبوط السريع، على موقع Quora. تقول ترايسي: "كنت هادئة تماماً.. حتى أنني أتذكر دخولي في حالة من الضحك، كما أنني سخرت من الركاب الآخرين الذين يضعون أقنعة الأوكسجين، مصرّةً على كون تلك الأقنعة غير ضرورية. في الحقيقة، نتيجة لتأخري في ارتداء القناع فقد عانيت من نقص الأوكسجين ولم أعد قادرة على التفكير بوضوح. وفي النهاية، قام أحد الأصدقاء بإجباري على ارتداء القناع وعندما تلاشت مشكلة نقص الأوكسجين بدأت أشعر بالتوتر".
طبقاً لشركة أيرباص Airbus، إذا فقدت طائرة ما الضغط عند ارتفاع 40,000 قدم، يكون أمام الركاب 18 ثانية وهم بكامل إدراكهم دون أي أوكسجين احتياطي. وبمجرد انتهاء حالة النشاط والفرحة هذه، تظهر علامات نقص الأوكسجين بفقدان الوعي وربما تتسبب في ضرر بالمخ أو الوفاة. لذا، يجب ارتداء القناع.
إذاً، ماذا عن ادعاء وزعم تايلر ديردن بأن الأوكسجين يجعلك تفقد الوعي؟ ليس هذا صحيحاً، ويستطيع الطيارون ورواد الفضاء إثبات خطأ هذا الزعم.
في النهاية، سنقدم بعض التفاصيل حول كيفية عمل هذه الأقنعة. أولاً، إن ما تستنشقه ليس بالضبط أوكسجيناً – وليس بالأوكسجين المضغوط كما هو الحال في رياضة الغوص تحت الماء. إن خزانات الأوكسجين ثقيلة وتشغل حيزاً كبيراً ولذا يُستخدم نظام أكثر تعقيداً في الطائرات.
يحتوي الرفّ الموجود فوق كل مقعد على تشكيلةً من المواد الكيميائية التي ينتج عن حرقها الأوكسجين، ومن ضمن هذه المواد فوق أوكسيد الباريوم وهو مسحوق رقيق أبيض يُستخدم في الألعاب النارية، وكلورات الصوديوم وتُستخدم بشكل واسع في مبيدات الحشائش، وكلورات البوتاسيوم، وهي مجموعة رئيسية للمواد التي تُستخدم في التجارب المعملية بالمدرسة (وهي تتفاعل بقوة مع السكر).
اجذب القناع كما هو موضح في العرض، وستبدأ العملية الكيميائية. وإذا بدأت، لا يمكن إيقافها حتى تحترق المواد تماماً (تقريباً ما يتراوح بين 12 – 15 دقيقة، كما هو موضح أعلاه).
لا تتوقع انتفاخ الكيس. فقد عانى الركاب مراراً من نقص الأوكسجين لاعتقادهم بأن القناع به خلل نظراً لعدم انتفاخ الكيس ما دفعهم إلى إزالة القناع. ومن ثم، يكون هذا هو التحذير أثناء إلقاء بيان السلامة.
وأوضح متحدث باسم الخطوط الجوية البريطانية قائلاً: "يتدفق الأوكسجين بشكل ثابت.. ولا ينتفخ الكيس على غرار قناع التنفس المُستخدم في الغرف الطبية. ويمتلئ الكيس طبقاً لمعدل التنفس لدى الشخص. فإذا كان معدل التنفس سريعاً جداً، يكون استنشاق الهواء بمعدل أسرع وهذا هو السبب في انتفاخ الكيس بشكل أقل. وإذا لم يتم استنشاق الهواء بالكامل، فسيبقى بعض الهواء داخل الكيس ويعمل على انتفاخه جزئياً".
كما يمكن أن يكون مولد الأوكسجين ساخناً للغاية –فلا تلمسه– وربما يُلاحظ الركاب رائحة اشتعال (لذا لا تقلق).
هل تعتبر جميع هذه المواد الكيمائية المشتعلة خطيرة؟ إلى حد ما. كان حادث تحطم الطائرة فالوجت ValuJet في رحلتها رقم 592 عام 1996، التي راح ضحيتها جميع من كانوا على متنها وعددهم 110 أشخاص، نتيجة لاشتعال مُولد الأوكسجين.
ومع ذلك، يمكن إلقاء اللوم على الأجهزة المُستخدمة في عنبر الشحن إذا لم تكن صالحة للاستخدام وتفتقد صمامات الأمان. وتسبب حدوث هزة في اشتعال أحد المواد ثم امتد الاشتعال إلى البقية. من الواضح أن الأقنعة لا تنزل إذا نشب حريق على متن الطائرة نظراً لأن إنتاج الأوكسجين يمكن يزيد الأمر سوءاً.
هل استنشاقها آمن؟ في تصريح لهافينغتون بوست العام الماضي، قال أرتش كارسون، الخبير بالصحة المهنية : "يمكنك استنشاق بعض الغبار الكيميائي.. ولكن هذا أفضل من البديل، الذي يتمثل في فُقدان الوعي نتيجة نقص الأوكسجين".
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة the telegraph البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.