“انظر في عينيّ”.. هل جربت التحديق في الغرباء؟.. إليك قصة تحوُّلها إلى حركة عالمية

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/11 الساعة 06:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/11 الساعة 06:37 بتوقيت غرينتش

أن تحدق في عين أحدهم لدقائق وربما لساعات متواصلة، هو أمر قد يستنكره البعض، لكن الكاتبة المهتمة بكل جديد ومبهر وغريب في الطعام والسلوك والفن نيكول إيكيرسلي تراه "ضرورة لا يجب تجاهلها".

ويبدو أن هذا ليس رأي الكاتبة، المقيمة بملبورن بأستراليا، وحدها، حيث تستعرض إيكيرسلي في مقالها المنشور بصحيفة الغارديان البريطانية الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني 2017، كيف تطورت هذه الفكرة إلى حركة عالمية.

ولا تنسى إيكيرسلي أن تتوقف بين فينة وأخرى عند تجاربها الشخصية مع التحديق في الغرباء، وقصصها مع ذبابة الأنف وحيوان أبوسوم حلقي الذيل والسيدة التي كانت تشتري الخضار قبل أن تنضم صدفة إلى مجموعة من المحدقين.. والكثير من التفاصيل المثيرة عن هذا السلوك الذي تستنكره بعض الثقافات، فيما يعتبره الغربيون علامة على الاحترام والثقة والمصداقية والقوة.

على أي حال، فمهما كان الفريق الذي تنتمي إليه، فإنه لا يمكنك إنكار أن التحديق في العين هو أحد مفاتيح طلاقة الحديث والتأثير في الآخرين.. فهل أنت ممن يبحثون عن هذا المطلب؟

إليك نص المقال:

أسوةً بمارينا أبراموفيتش وممارسات قدماء المتأملين، تقيم منظمة أسترالية جلسات التحديق في العين بالأماكن العامة.

عادةً، نحن لا نبحث عن الاتصال العميق والشخصي مع كل الغرباء، لكن بالنسبة للمشاركين في جلسات تأمّل العين الشهرية التي تنظمها منظمة الاتصال البشري The Human Connection، فهذا هو بالضبط ما يأتون من أجله، فعادةً ما تخترق فقاعات المساحات الشخصية الحديدية، وفي ركن ما في حدائق فيتزروي بمدينة ميلبورن، يجتمع الناس على أمل النظر من خلال نافذة روح أخرى.

تجلس مجموعة متنوعة من الأشخاص -كثير منهم من الهيبيز ومرتادي المهرجانات، إلا أن أكثرهم يرتدون الملابس العادية التي يرتدونها يوم السبت- يجلسون متشابكي الأرجل على العشب. وكل ما عليك فعله أن تجد شخصاً يجلس وحيداً، ومن ثم تجلس مقابل ذلك الشخص، ويحدق كل منكما في عين الآخر بصمت بالقدر الذي تريده، ثم تشرع في الحديث.

لقد حدقتُ في أعين 11 شخصاً غريباً خلال الجلسة التي استمرت 3 ساعات، كان بعضهم مسالمين ومتأمّلين، وكان البعض الآخر عصبياً ، بينما لم يكفَّ آخرون عن الضحك أو رسم تعبيرات مضحكة بوجوههم.

يأتي بعض المشاركين في هذا الحدث وكأنه مسابقة في التحديق، بينما تنحى البعض جانباً بلطف.

بالنسبة لي، كان الحدث في إجماله مريحاً وأقل تنافسية وأقل حدة مما كنت أتوقع. تسببت ذبابة كانت تقف على أنفي في إنهاء عدة تحديقات، بينما تسبب قفْز حيوان أبوسوم حلقي الذيل من فوق نخلة في إنهاء تحديقة أخرى.

أخبرتني سيندي ميلكشام، منظِّمة الحدث في ميلبورن، بأن إجراء هذا النشاط في بيئة مغلقة، سوف يجعل هذه التجربة أكثر إثراءً، وأقل تحدثاً، وأقل إلهاءً. أما في الحديقة، فيتميز الحديث بالحرية، وبدء النقاش بعد فترة من التحديق في الأعين يكون أفضل قليلاً في أغلب الأحيان. فمن السهل التحدث إلى شخص ما كنت قد نظرت في عينيه لمدة 3 دقائق متواصلة، ويرجع ذلك إلى تلاشي الإحراج تلقائياً.

كان معظم المشاركين يمارسون التحديق في الأعين لأول مرة، ولكن كل شخص هنا يبحث عن أنواع جديدة من الشيء نفسه، وهو التواصل البشري. عدد قليل ممن يشاركون يحاولون الانفتاح على الآخرين، بينما يبحث البعض الآخر عن التفاعل الهادف.

أخبرني أحد المشاركين، بحزن، بأنه "لم يصل للشعور المطلوب". فقد أتى إلى هنا للتواصل مع مشاعره، لكن عدم وصوله لأي نتيجة كان مخيباً للآمال.

بعض الأشخاص حريصون على استشفاف سمات الشخصية بعد إجراء التحديق في الأعين، إلا أن القليلين فقط هم من يستطيعون الوصول لهذا بشكل صحيح.

هناك الكثير من سمات الحياة العصرية الرقمية والتواصل الاجتماعي ذات الطبيعة السطحية. والمثير حقاً للسخرية، أن كل الحاضرين قد سمعوا عن هذا الحدث من خلال فيسبوك. وقد اعترف أحد المشاركين، ويدعى ديف كيرك، أنه يميل إلى الانطوائية.

يقول كيرك: "أحب التواصل مع الناس، ولكنني أستعيد نشاطي في العزلة؛ إذ أشعر بارتياح أكبر عندما أنعزل عن الناس. أحب أن أخرج وأجرب التواصل، ومن ثم أعود إلى وحدتي".

ويضيف: "إن تجربة التواصل مع شخص آخر بالعين لمجرد بضع دقائق، تؤدي إلى انطلاق المحادثة بسهولة بعد ذلك، إنه شيء رائع".

أخبرني إيجور كريمان، مؤسس منظمة التواصل البشري، بأن الحركة قد توسعت منذ نشأتها العام الماضي. وقال: "لقد بدأنا نشاطنا في سيدني؛ إذ حضر حدثنا الأول الذي نُظم في أبريل/نيسان 2016، 150 شخصاً، وتضاعف إلى 300 مشارك في شهر مايو/أيار من العام نفسه، ومن ثم قررنا أن نجرب إقامة الحدث في مدينة ميلبورن".

وتابع: "الآن، نحن في طريقنا لإقامته في أديلايد وبريسبان وكانبيرا ولونجونج وصن شاين كوست، كما أننا نظمنا بعضاً منها في لوس انجليس ومومباي ونيوزيلندا. نحن نتطور بسرعة كبيرة".

أضاف كريمان: "من أكثر التجارب التي لا تُنسى، عندما حضرت سيدة آسيوية في الأربعينات أو الخمسينات، ولم تكن تعرف شيئاً عن هذا الحدث، وكانت تحمل أكياس مشتريات البقالة معها، وسألت: ما الذي يحدث؟ فقلنا لها إنه أحد أشكال التأمل، هل تودين أن تجربي؟ فجلست وسألت: ما الذي يجب أن نفعله الآن؟ لقد كان لديها أفكار محددة وقيم راسخة، وكانت مراقبتها في أثناء التعمق خلال هذه التجربة شيئاً مذهلاً، بعد ذلك قالت لي: أنت مثل المطار، لديك المساحة الكافية لكل الطائرات".

في الممارسات الهندوسية، تتضمن الدارشان -التي تعني "الرؤية" حرفياً- التحديق في أعين الشخص المقدس، ثم يعاود هو بالنظر إليك. يعد التحديق بالعين ممارسة تأملية بوذية وصوفية وفي معتقدات التنترا.

يرجع أصل جملة "انظر في عيني" إلى فرانز ميزمر، المعالج بالتنويم المغناطيسي، الذي عالج مرضاه من خلال التواصل البصري القوي.

درس فلاسفة التحليل النفسي، مثل لاكان وجيجيك، فكرة "التحديق" بالعين، وكانت المفارقة أن الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أن تراه على حقيقته مطلقاً هو نفسك.

تستخدم العديد من الحيوانات، مثل الدببة والشمبانزي والكلاب والقطط، التواصل البصري كأحد أشكال السيطرة. كما تستخدمه كثير من الثقافات بالطريقة نفسها، وتتجنبه عند التعامل مع الأشخاص ذوي المقام الأعلى، في حين يعتبره الغربيون بشكل عام علامة على الاحترام والثقة والمصداقية والقوة. كما لا يزال التواصل البصري المستمر والمواجهة يشكلان نطاق العلاقات الرومانسية.

في الواقع، ربطت الباحثة جوان كيلرمان وفريقها عام 1989 التحديق بالعين بزيادة الجاذبية العاطفية والشخصية. وقد أخبرني كريمان بأن زوجيْن على الأقل حتى الآن تقابلا وتزوجا خلال أحداث التواصل البصري التي أُقيمت.

حولت فنانة الأداء مارينا أبراموفيتش التحديق بالعين إلى فن من خلال عملها "الفنان حاضر"؛ إذ نظرت في أعين آلاف مرتادي متحف الفن الحديث MoMA على مدار 3 أشهر، وهو العمل الفني الذي انتشر سريعاً وشاهده عبر الشاشات أكثر من 40 مليون شخص، بعد أن انضم إليها حبيبها السابق أولاي بشكل مفاجئ.

وكانت صور بكاء الاثنين معاً (مع وجود تنويه، في إحدى النسخ، يشير إلى قصة قديمة زائفة تزعم أنهما لم ير بعضهما بعضاً لمدة 30 عاماً) عبارة عن نشوة عاطفية صافية، لكن حقيقة أن الاثنين قاضى كل منهما الآخر تخفف من مفعولها. على أي حال، وظفت منظمة العفو الدولية هذه الممارسة للإسهام في التوافق بين الأوروبيين واللاجئين من خلال هذا الفيديو المؤثر.

يجب أن نتوجه بالشكر لأبراموفيتش على ذلك اليوم الرائع من مقابلات الغرباء تحت أشجار الزيزفون في حدائق فيتزروي. كان كريمان أول من جرب التحديق بالعين باعتباره أحد أنشطة التأمل والارتجال، إلا أنه طور أسلوبه باعتباره وسيطاً في مشروع كالدور 30 في أثناء إقامة مارينا أبراموفيتش بسيدني عام 2015.

وأيما، كان أصل هذه الحركة، ومهما كانت تجربتك العملية الشخصية، من الواضح أن التحديق بالعين إحدى وسائل التواصل البشري التي لا يمكن تجاهلها، وهو شيء يحتاج كل منا إليه.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد