في نشاط البشر المحموم للوصول إلى الفضاء، هناك الكثير من المحطات التي يجب علينا أن نتوقف عندها، والكثير من الأمور التقنية التي يجب أن نتعرف عليها في رحلتنا الطويلة نحو المجهول.
إحدى هذه الأدوات الأكثر نفعا الأقمار الصناعية CubeSats، والتي رغم صغر حجمها، إلا أنها استطاعت أن تتقدم بعلم الفلك كثيرا نحو فهم أسرار الفضاء والكون.
نتعرف عليها في هذا التقرير:
بدايةً، CubeSats أقمار صناعية مصغرة تستخدم عادة في المدار المنخفض حول الأرض لتأدية مهام مثل الاستشعار عن بعد أو الاتصالات. ومع تطور مهارات المهندسين بات من الممكن استخدامها كوسيلة للرحلات الجوية خارج مدار الأرض – وزيارة المريخ أو المشتري.
تم اقتراح تصميم (CubeSats) لأول مرة في أواخر تسعينيات القرن الماضي من قبل الأستاذين (جوردي بويغ سواري) من جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية و(بوب تويجز) من جامعة ستانفورد. كان الأستاذان يحاولان مساعدة الطلاب على اكتساب خبرة هندسية في الأقمار الصناعية، والتي عادة ما تكون كلفة بنائها وإطلاقها مرتفعة جداً، وقد جاء إلهام هذا التصميم جزئياً من لعبة تدعى (Beanie Babies).
خلُص التصميم الأساسي للـ(CubeSat) على شكل مكعب بطول 10 سنتيمترات (4 بوصة) وكتلة تزن أقل من 1.33 كجم (2.93 رطل)، ولكن يمكن إدخال تعديلات على التصميم ليشمل وحدتين أو ثلاث أو ست وحدات يبلغ طول كل منها 10 سنتيمتر للبعثات الأكثر تعقيداً.
استطاعت (CubeSats) تخفيض تكاليف الاطلاق بطريقتين أساسيتين، الأولى هي خفض وزن التصميم، وهذا يعني أن الصاروخ لن يحتاج إلى الكثير من الوقود لدفعه إلى الأعلى، والثانية هي إمكانية مشاركة الـ (CubeSats) مع قمر صناعي أكبر، مما يجعل من الممكن إيصاله إلى الفضاء على ذيل الحمولة الأثقل.
وبطبيعة الحال توجد تحديات في تصميم الـ (CubeSats)، فالإلكترونيات المستخدمة في التصميم أصغر حجماً من غيرها (تقنية النانو)، وبالتالي تكون أكثر حساسية للإشعاعات، ولا تستطيع نقل الحمولات الكبيرة معها. ولأن معظمها يدور في المدار المنخفض للأرض، فإنها مصممة فقط لتستمر بضعة أشهر أو سنوات قبل أن تعود الغلاف الجوي مستمدة طاقتها من أشهر الشمس التي يتم تخزينها في بطارية ليثيوم.
لمحة تاريخية
أُطلقت أول 6 أجهزة (CubeSats) في يونيو 2003 من موقع الاطلاق بليسيتسك روسيا. كان معدل تكلفة إطلاق في ذلك الوقت يصل لحوالي 40,000 دولار، وهو الأمر الذي يعتبر رخيصاً جداً بالمقارنة مع الأقمار الصناعية النموذجية (لمئات الآلاف، أو الملايين من الدولارات).
صنعت (CubeSats) بفضل التصغير المستمر للإلكترونيات، والذي سمح لأدوات مثل الكاميرات بالانطلاق إلى المدار دون احتلال مساحات كبيرة، كما كان الأمر بداية عصر الرحلات الفضائية في ستينيات القرن الماضي.
بالنظر إلى الجزء الداخلي من (CubeSat) ترى بقعة من الحلقات، تأخذ الشكل المألوف للمعالجات ومنافذ المودم والأجهزة الرقيقة الأخرى المستخدمة عادة في الهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
خلال العقد الأول من إطلاقها، كانت معظم أجهزة الـ(CubeSats) مدعومة من الجامعات أو البحوث التطبيقية، ولم يكن يتم إطلاق سوى عدد قليل منها كل عام. ولكن بدءً من عام 2013، ازداد عدد الأقمار الصناعية فجأة إلى العشرات، وكان ذلك في السنة التي بدأ فيها القطاع التجاري بإطلاق الأقمار الصناعية.
أشهر المستخدمين
تملك شركة مختبرات الكواكب (Planet Labs) لرصد الأرض نحو 90 قمراً من الـ(CubeSat) لا يتجاوز حجمها الحمامة، وهي حالياً في مدار الأرض منذ تموز/ يوليو 2015 لرصد المناخ والكوارث الطبيعية. كما أطلقت ناسا المجال لإطلاق هذه الأقمار على متن صواريخها.
خارج مدار الأرض
في حين أن جميع الـ(CubeSats) التي تم إرسالها حتى الآن تتموضع في مدار الأرض، من المتوقع أن تغادر لاستكشاف آفاق جديدة، منها:
سيتم إطلاق مكعب المريخ واحد (ماركو)، وهو عبارة عن جهازي (CubeSats) في آذار/ مارس من عام 2018 إلى جانب مركبة ناسا الفضائية (InSight)، في رحلة إلى الفضاء ثم فصلهما عن التعزيزات لإرسالهما في رحلة مستقلة إلى المريخ. وخلال المهمة، سترسل إحدى المركبتين الفضائيتين بيانات إلى الأرض أثناء هبوط مركبة (InSight) على سطح المريخ، في حين تخدم الأخرى كمركبة احتياطية.
أعلنت ناسا إطلاق برنامج (Space Launch System) التجريبي عام 2018، والذي يقضي بتوجيه الصواريخ التي من المتوقع أن تحمل البشر من مدار منخفض حول الأرض لأول مرة منذ ستينيات القرن الماضي إلى خارجه. وسيشمل الإطلاق الأولي، الذي لن يحمل طاقماً بشرياً على متنه، 13 قمراً صناعياً مصغراً. ومن مهامها عكس أشعة الشمس لتوفير نظرة أكثر دقة حول الحفر المظللة بشكل دائم على سطح القمر. كما سيتم ارسال مستكشفات الكويكبات القريبة من الأرض (NEA Scout)، والتي سوف تستخدم الشراع الشمسي للسفر إلى كويكب 1991VG القريب من الأرض.
وتدرس ناسا حالياً إرسال مهمة نحو قمر أوروبا الجليدي التابع لكوكب المشتري في العشرينيات أو الثلاثينيات من هذا القرن. وأشارت الوكالة إلى إمكانية إرسال الـ(CubeSats) على متن البعثة لـ "استطلاع مواقع الهبوط المستقبلية، وحقول الجاذبية، والحقول المغناطيسية، والغلاف الجوي والقياسات الإشعاعية".