يمكنك أن تقاوم الاحتلال بقطعة أثرية تحتفظ بها في بيتك، فكل حجرٍ قديم ينطق بالحق أو يرمز له.. هكذا فهم بعض أبناء غزة قيمة الأثر، وحوّلوا بيوتهم إلى متاحف صغيرة تحفظ الماضي القديم من الاندثار، وتجمع آلاف القطع الأثرية التي يرجع عمر بعضها إلى 5 آلاف عام.
يعود تاريخ إنشاء هذه المتاحف إلى بداية وجود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث اتجه أصحاب هذه المتاحف لجمع القطع من منطلقات وطنية لحمايتها من التدمير والسرقة من قبل قوات الاحتلال، أو تلبيةً لهواياتهم في جمع الآثار.
ويوجد في قطاع غزة 10 متاحف شخصية وفق بيانات وزارة السياحة والآثار، تتنوع مقتنياتها بين العملات القديمة والأواني المنزلية الأثرية وبعض المعدات العسكرية وغيرها، بما يمثل ثروة تاريخية مهمة تروي تعاقب الحضارات في فلسطين.
سرقات المحتلين كانت الدافع
وليد العقاد، 65 عاماً، حول منزله الواقع في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة إلى ما يشبه المتحف، بعدما شرع في جمع القطع الأثرية منذ العام 1975.
"الأمر لم يكن سهلا" هكذا بدأ العقاد حديثه لـ"عربي بوست: "فالجيش الإسرائيلي كان يمنع جمع هذه الآثار، وكان جنوده وضباطه يعمدون إلى سرقتها أو تحطيمها، مما زاد من تصميمي على حفظها من منطلق وطني، بالإضافة إلى أن جمع القطع الأثرية هوايتي المفضلة".
ويقول العقاد أنه جمع ما يقرب من 3000 قطعة ترجع لمختلف العصور والحضارات منها ما يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
متحف خاص "مرخّص"
وعن طريقة حصوله على هذه القطع يقول: "استطعت جمعها من خلال البحث والتنقيب في مختلف أنحاء قطاع غزة بمجهودي الشخصي، واشتريت بعضها من أناس عثروا عليها، كما أن بعض المعارف يجلبون لي بعض القطع لأحافظ عليها في متحفي".
ويؤكد العقاد أن متحفه حاصل على ترخيص من وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار، مشيراً إلى أنه يتعاون مع وزارة السياحة من خلال فتح أبواب متحفه أمام طلبة المدارس ومجموعات أجنبية تزور غزة، إلى جانب مشاركته في المعارض الأثرية التي يتم تنظيمها بين الحين والآخر داخل القطاع. كما أن وزارة السياحة والآثار تستعير منه بعض القطع وتعيدها إليه مرة أخرى.
البادية مصدر الفكرة
أبو رامي الدقس، 60 عاماً، حول منزله هو الآخر لما يشبه المتحف الصغير حيث يحتفظ بمئات القطع الأثرية، إلى جانب مقتنيات فلسطينية تراثية.
ويقول الدقس لـ"عربي بوست" إن جمعه لهذه القطع جاء من منطلق وطني للمساهمة في حفظ الآثار الفلسطينية.. "فحب الوطن يتطلب اهتماماً كبيراً بكل ما يتعلق بالموروث الثقافي والحضاري، كما أن الحفاظ على التراث والآثار هو حفاظ على حقنا في العودة إلى قرانا التي هُجّرنا منها في العام 1948، لأنها تثبت أننا أصحاب هذه الأرض الأصليون". ويضيف أنه استمد فكرة الحفاظ على المقتنيات القديمة من باديته وحضور مجالس العشيرة منذ أن كان طفلاً، فكان يرى "البكارج" -أو الأباريق- والسيوف والخناجر القديمة و"البواريد" -البنادق- في المناسبات والأفراح ويرى أهميتها عند أهله، إلى أن اجتهد بنفسه ليشكل هذا المتحف الذي أصبح قبلة الكثيرين من المهتمين بالتراث والآثار الفلسطينية.
ويضم متحف الدقس مئات القطع التي يرجع عمر بعضها لأكثر من 3000 عام من أدوات نجارة وحدادة وسيوف ومعدات حربية وقتالية.
بدائل مهمة ولكن!
ويرى سائد أبو حسنين، الحاصل على درجة الماجستير في التاريخ، أن هذه المتاحف المنزلية أسهمت في حفظ آلاف القطع الأثرية من الضياع، خاصة وأن من يديرها أشخاص مولعون بالآثار. ويضيف لـ"عربي بوست" : "على الرغم من مساهمة هذه المتاحف في حفظ الآثار إلا أن الخشية من استغلال البعض لهذه القطع بشكل خاطئ وبيعها، أو حفظها بطريقة غير صحيحة، ما يخلق مخاوف على مستقبل القطع التي يمتلكونها".
وطالب أبو حسنين وزارة السياحة والآثار بحصر القطع المتواجدة في المتاحف المنزلية وتسجيلها ومتابعة طريقة تخزينها بما يسهم في حفظها، وإجراء الصيانة المناسبة لها، فغالبية مالكيها ليست لديهم الخبرة في صيانة وترميم هذه القطع التي تحتاج لمتخصصين.
13 متحفاً في غزة.. 10 منهم لمواطنين
الدكتور جمال أبو ريده مدير عام الآثار في وزارة السياحة والآثار أكد "لـ عربي بوست" أن قطاع غزة يحتوي على 13 متحفاً ومستودعاً، 10 منها تتبع مجموعات خاصة بينما تمتلك الوزارة متحفين في قصر الباشا ومدينة دير البلح إلى جانب مستودع للآثار.
وأضاف أن الوزارة شرعت منذ مطلع أغسطس الماضي في تسجيل كل القطع الموجودة في هذه المتاحف وتصويرها وتجهيز نبذة عن كل قطعة لإحصائها ومراقبتها، حيث يحظر على أصحاب هذه المتاحف بيعها أو التصرف فيها من دون الرجوع إلى الوزارة.
الإمكانيات المادية عائق
أما عن إنشاء متحف وطني في قطاع غزة فأكد أبوريدة أن حكومة غزة خصصت قطعة أرض في منطقة السرايا بوسط مدينة غزة لإنشاء متحف وطني عليها منذ مطلع العام الجاري، وتم إعداد الخطط اللازمة، لكن نقص الإمكانات المادية وارتفاع تكلفة بنائه مقارنة بقدرة حكومته يقف عائقاً أمام البدء في البناء.
وسيتم بعد بناء المتحف وفق مدير عام الآثار تخصيص أجنحة فيه لأصحاب المتاحف الخاصة من المواطنين، بحيث يتمكن كل منهم من نقل قطعه الأثرية وعرضها مسجلة باسمه بما يضمن حقه، وفي الوقت ذاته إجراء الصيانة اللازمة لها بشكل دوري.