اكتشف علماء الجيولوجيا في غرينلاند دليلًا علي الحياة القديمة في صخور يبلغ عمرها 3.7 مليار سنة. وإذا تأكد هذا الاكتشاف، ستكون تلك الحفريات الأقدم على الأرض؛ ويمكنه أن يغير الفهم العلمي لأصل الحياة.
وعلى الأرجح سيناقش الخبراء ما إذا كان التكوين الذي وصفه التقرير الجديد قد تشكل بيولوجياً أو من خلال العوامل الطبيعية، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
فإذا كان بيولوجياً؛ سيعقد العمر الكبير لهذه الحفريات مهمة إعادة بناء تطور الحياة من المواد الكيميائية الموجودة بشكل طبيعي على الأرض في وقت مبكر. فهو يترك وقتاً قليلاً نسبياً للتطور كي يحدث، ويقرب العملية من الوقت الذي أمطِرت به الأرض بوابل من النيازك المدمرة.
اكتشفت تلك الحفريات منذ 4 سنوات، لكن لم يُعلن عنها، بينما قام فريق من الجيولوجيين بقيادة ألن ب. نوتمان من جامعة ولونغونغ في أستراليا بفحصها.
قال د.نوتمان: "بالطبع شعرنا بسعادة بالغة، ولكننا لسنا من النوع المتعجل، وأخذنا وقتنا"، وأضاف "أبقينا الأمر سراً لأننا أردنا تقديمه بأقوى طريقة ممكنة".
كانت الحفريات جزءاً من بروز بصخرة قديمة فقدت غطائها الثلجي المعتاد. وتُعرف في أوساط الجيولوجيين الطبقة الصخرية التي تشكيل البروز بحزام "إسوا سوبراكرَستال"، وتقع على الساحل الجنوبي الغربي من جزيرة غرينلاند، ويتراوح عمرها ما بين 3.7 و3.9 مليار سنة.
زعم الباحثون في وقت سابق أن صخور "إسوا" كانت تحتوي على تركيب كيميائي دلالي على الحياة، إلا أن النقاد قالوا إن هذا المزيج من المواد الكيميائية يمكن أن يكون قد نشأ من خلال العوامل الطبيعية.
تعد الحفريات الجديدة، التي وصفتها مجلة نيتشر يوم الأربعاء 31 أغسطس/آب 2016، أولى التكوينات الواضحة التي عثر عليها في صخور إسوا. ويُعتقد باحتمالية كونها "ستروماتوليتيات" وهي طبقات من الرواسب تراكمت معاً عن طريق المجموعات الميكروبية التي تعيش في المياه الضحلة.
وهذه الصخور أكثر قدماً بنحو 220 مليون سنة من أقدم الحفريات المعروفة سابقاً، وهي أيضاً ستروماتوليتية. ويبلغ عمرها 3.48 مليار سنة والتي اكتُشفت في بيلبارا كرايتون بغرب أستراليا.
أقدم دليل على الحياة الميكروبية
وقال جيرالد جويس الخبير في أصل الحياة بمعهد سكريبس للأبحاث في لاهويا بكاليفورنيا إن التقرير الجديد "يوفر أقدم دليل مباشر على الحياة الميكروبية".
من جانبه، أكد د. نوتمان أنه كان هناك "احتمال متناقص" بأنه لن يتم أبداً العثور على حفريات قديمة. فالصخور من هذه الفترة نادرة جداً.
وأضاف أن الصخور التي تمكنت من النجاة تعرضت لدرجات حرارة عالية للحرارة العالية نتيجة للعوامل الجيولوجية، مثل تدمير الجبال التي يقدم تكوينها أدلة على الحفريات والطبقات الرسوبية. وقد تغيرت معظم صخور إسوا بمثل هذه الطريقة.
فالبروز الصغير المكتشف حالياً، والذي يبلغ قياسه حوالي 98 قدماً طولاً وعرضه 230 قدماً، هو الوحيد الذي تمكن من تفادي الحرارة الشديدة. ومن خلال فرصة النجاة هذه، تسلط تلك البقعة الصغيرة الضوء على أحداث قريبة من فجر الحياة على الأرض.
وتحتوي الصخور على عديد من المخاريط الصغيرة، يزيد أطولها قليلاً على شبر واحد ونصف. تشتمل تلك المخاريط على تكوين ذو طبقات تشبه أحزمة الرواسب المجتمعة والملتصقة معاً من قبل المجموعات الميكروبية التي تشكل الصخور الستروماتوليتية حالياً.
ونظراً لأهمية ادعاء د. نوتمان وزملائه، يمكن توقع مناقشات مستفيضة قبل أن يُقبل على وجه العموم تفسيرهم لهذه التكوينات باعتبارها دليل على الحياة.
كتبت أبيجيل جيم ألوود، من مختبر الدفع النفاث بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في تعليق على صاحب المقال في مجلة نيتشر، أن بعض الملامح المعينة "تتسم بالمصداقية إلى حد ما باعتبارها دليلاً على النشاط الميكروبي".
وأضافت في رسالة بالبريد الالكتروني أن لديهم عدداً قليلاً من الملامح التي تجعل هذه الصخور "مثيرة للاهتمام أو حتى احتمال كونها بيولوجية".
وقالت تانيا بوزاك، خبيرة أخرى في مجال بيئة الأرض من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن هذه التكوينات تشبه بالفعل صخور الستروماتوليتية الحديثة، إلا أن أصلها "سيكون محل مناقشات حامية"، نظراً لعدم وجود أية علامة على بعض الملامح التي قد تعزز أمر أصلها البيولوجي، مثل "التغضنات" في طبقات الرواسب.
تشترك العديد من أنواع الميكروبات المختلفة في تكوين الستروماتوليتات. وإذا كانت تكوينات إسوا صخور ستروماتوليتية بالفعل، فسيمثل هذا دليلاً على وجود الكائنات الحية المتطورة إلى حد ما.
حقبة جهنمية
يقول د. نوتمان إنه وفقاً لذلك يجب أن تكون الحياة قد نشأت في وقت سابق، ربما في أواخر حقبة هاديان من تاريخ الأرض، والتي استمرت قبل 4.65 مليار سنة – عندما تشكل الكوكب من الحطام الذي يدور حول الشمس – وحتى قبل 4 مليارات سنة.
ولكن حقبة هاديان سميت بذلك نظراً للظروف الجهنمية التي يعتقد أنها كانت سائدة في هذا الوقت، بما في ذلك الآثار الكارثية للنيازك التي حولت المحيطات إلى بخار وحولت سطح الأرض إلى حمم منصهرة. فأكبر هذه الآثار، قبل 4.5 مليار سنة، مزقت قطعة من الأرض، والتي أصبحت القمر.
فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن تكون الحياة قد بدأت في ظل هذه الظروف. ولكن بعض الجيولوجيين يفضلون جانباً آخر أكثر اعتدالاً من رواية حقبة هاديان، بعد تناقص وابل الكوكيبات بسرعة عقب تكون القمر.
كانت الشمس في ذلك الوقت المبكر أضعف بكثير، وكان ما يهدد الحياة وفقاً لذلك، ليست الحمم المنصهرة ولكن المحيطات المتجمدة، وهي الكارثة التي من المحتمل أن تم تفاديها من خلال ارتفاع الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقال جاك زوستاك، وهو خبير في أصول الحياة في كلية الطب بجامعة هارفارد: "قد يكون أكبر التأثيرات لحقبة هاديان شديدة بالفعل، ولكن تعقيم الكوكب ليس أحدها. فبمجرد أن تطورت الحياة بما يمكنها من الانتشار في جميع أنحاء الكوكب؛ كان ذلك من الصعب القضاء عليه".
وأضاف أن كيمياء الحياة تفضل موطناً على أرض، وليس في أعماق المحيطات.
ومع ذلك، حتى مع انتهاء حقبة هاديان، نزل وابل أخير من النيازك الكبيرة على الأرض في بداية الحقبة الأركية التي تلت ذلك، ربما انطلقت عندما انجرفت الكواكب العملاقة وهي زحل وأورانوس ونبتون إلى حزام كويبر من النيازك.
وهذه الكارثة، والتي تعرف باسم القصف الشديد المتأخر، ضربت الأرض قبل فترة تتراوح بين 3.9 و3.8 مليار سنة.
ويعتقد د. نوتمان أن الحياة يمكن أن تكون قد تمكنت من البقاء خلال نهاية حقبة هاديان والقصف. ويشير إلى أن بعض الجيولوجيين يعتقدون الآن أن تأثير ارتطام النيازك انتشر مع مرور الوقت ما قلل من آثاره.
وأضاف "أصبح القصف الشديد المتأخر أقل حدة على مر السنين".
إلا أن آخرين يعتقدون أن القصف لم يكن وابلاً خفيفاً. فقد اختفت الأدلة على هذه الحفر القديمة من الأرض ولكنها لا تزال واضحة في الوجه المحفور على القمر، ولكل حفرة على سطح القمر، يتوقع أن يقابلها 20 آخرين على الأرض.
القمر له حفرتين يبلغ اتساعهما أكثر من 600 ميل واللتان تكونتا خلال القصف الشديد المتأخر. قال وليام بوتكه، خبير المذنبات في معهد أبحاث ساوث ويست في بولدر بولاية كولورادو، إن نحو 40 حفرة بهذا الحجم قد انمحت من على كوكبنا في نفس الفترة.
وبالمقارنة، فإن المذنب الذي قضى على الديناصورات منذ 66 مليون سنة ترك حفرة يبلغ قطرها 110 أميال فقط.
أصل واحد للحياة
وإذا كانت الحياة على الأرض لم تبدأ إلا بعد القصف الشديد المتأخر، إذن كان لديها 100 مليون سنة كي تتطور إلى مرحلة متقدمة بما يكفي لما شاهدناه في الحفريات الجديدة.
وإذا كان الأمر كذلك، يقول د. ألوود إذاً فـ"الحياة ليست شيئاً متطلباً أو ممانعاً أو بعيد الاحتمال"، وسوف تنبثق متى كانت هناك فرصة.
يرى د. جويس أن الجدل حول أن الحياة قد تطورت في وقت مبكر جداً وبسرعة، من المحتمل أن يتغير. وأضاف: "يمكنك أن تسأل إذا كانت الحياة حدثاً محتملاً كهذا، لماذا ليس لدينا دليل على أصول متعددة؟".
في الواقع، ومع وجود اختلافات طفيفة، هناك شفرة وراثية واحدة فقط لجميع أشكال الحياة المعروفة، وهو ما يشير إلى منشأ واحد.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية.