في بقعة ريفية شاسعة بمقاطعة لينكونشير شرقي إنجلترا، كان نحو خمسة آلاف من مسلمي بريطانيا على موعد مع مهرجان "ليفنغ إسلام" الذي يقام كل عامين.
الخيام المتراصة من بعيد على بساط أخضر بالإضافة للبيوت الصغيرة المتنقلة تميز هذا المخيم والمهرجان الذي يقام في الهواء الطلق لأربعة أيام وسط موسم الصيف والإجازات البريطاني.
ويعد المهرجان أحد أبرز الفعاليات الكبيرة التي تضم فئات عمرية وإثنية شتى من مسلمي بريطانيا ويهدف للمزج بين الفن والثقافة، وبين الترفيه ومناقشة القضايا الجادة وتقوم على تنظيمه منظمة المجتمع المسلم البريطانية.
السياسة حاضرة
هذا العام (2016) ، حضرت السياسة برمزيتها في هذا الحدث الثقافي والفني في الأصل، والذي انطلق في 28 يوليو/تموز المنصرم، واختتم فعالياته في 31 من الشهر ذاته.
فأسماء القاعات وخيم الندوات والأنشطة هي لأشخاص مثل الملاكم الأميركي المسلم الراحل محمد علي كلاي والنائبة البريطانية التي اغتيلت مؤخراً جو كوكس، أحد أبرز المدافعين عن القضية السورية والمناهضين لظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام).
ارتدى المتطوعون المشاركون في تنظيم الأنشطة ملابس مطبوع عليها مقتطفات من أقوال هؤلاء كجملة لمحمد علي تقول "خدمة الناس هي الإيجار الذي تدفعه لتستحق العيش على هذا الكوكب".
وفي نهاية المهرجان أقيم حفل تكريم لتوزيع جوائز في مجالات متعددة منها جائزة خاصة للإنجازات على مدار الحياة لعام 2016 والتي ذهبت لاسم النائبة الراحلة جو كوكس.
ابتعدوا عن الشرق الأوسط
ويلاحظ عاماً بعد آخر محاولة القائمين على التنظيم التركيز على القضايا المحلية للمسلمين في بريطانيا ودورهم في مسائل التعليم والإعلام والسياسة إلخ، وفي نفس الوقت البعد عن القضايا السياسية الشائكة التي يكون مسرحها خارج بريطانيا (خاصة الشرق الأوسط).
ويحاول المهرجان تقديم وجه ثقافي وفني لمسلمي بريطانيا يعرض فيه لإبداعاتهم الفنية والثقافية ويكون فرصة للاحتفاء بهذا التنوع وعرض خبرة طيف واسع من المسلمين مع المجتمع البريطاني في السياسة والحياة العامة.
هذا الوجه الثقافي والفني ولا يخفى عن عين الزائر أو المشارك، فأكبر الخيام المنصوبة لتكون مسرحاً كبيراً بها عروض موسيقية وفنية طوال هذه الأيام لمغنين مسلمين وفرق فنية من مسلمي بريطانيا، بالإضافة لخيمة خاصة للإبداع الفني تقيم ورش عمل للتصوير الفوتوغرافي وفنون الرسم والغرافكس، فضلاً عن معرض للوحات تمزج بين الخط العربي والفن التشكيلي.
وهناك معرض خاص لبيع وعرض المنتجات الفنية من لوحات وشركات إنتاج فني وموسيقي ومنتجات تراثية.
الحديث النبوي
ووسط هذا الجو الاحتفالي تقام عدة ندوات ودورات منها دورة في علوم الإسناد والحديث، كما عقدت ندوة لمناقشة قضايا تخص حياة مسلمي بريطانيا مثل "التعليم في زمن الإسلاموفوبيا" الذي انطلق من معلومة مفادها أن نصف مسلمي بريطانيا تحت سن الـ ٢٥ سنة، أي أنهم نشأوا طوال حياتهم في ظل الحرب على ما يسمى بـ"الإرهاب"، الأمر الذي رآه البعض يحتاج لدراسة تأثير هذه الأجواء على رؤيتهم لأنفسهم والمجتمع فيما يراه المحاضر نافيد صديقي " فرصة إيجابية ينبغي استثمارها وليس النظر إليها بشكل مستمر من الزاوية السلبية".
حيث اعتبر خلال محاضرته بالمهرجان أنه "ينبغي الإصغاء لهذا الجيل لأنه كوَّن قناعات وحلولاً لقضايا شائكة سواء خاصة به وبحياته أو تتعلق بالمشاكل الاجتماعية والسياسة التي تنعكس على المجتمع بشكل عام"، لافتاً إلى "أهمية انخراط الآباء المسلمين في الأنشطة المدرسية في بريطانيا التي تتيح لهم دوراً مهماً".
حياة الرسول
نفس المنطق كان حاضراً في ندوة أخرى للإعلامي عقيل أحمد مسئول قسم البرامج الدينية بهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي والذي تحدّث عما وصفه بـ"الهجوم الضاري" الذي تعرّض له بعد أن شغل هذا المنصب الرفيع قبل عدة سنوات، كونها المرة الأولى التي يتم فيها تعيين شخص مسلم للقيام بهذا الدور.
واعتبر أن الصعوبات التي واجهها واستطاع التغلب عليها تشكل رصيداً هاماً له، داعياً كل الشباب المسلم لعدم الاستسلام لمثل هذه المشكلات التي قد تعترض طريقهم ويستطيعون التغلب عليها عن طريق الدأب والمثابرة.
وضرب أمثلة بأن هذه التحديات لم تثنه عن الإصرار على المضي قدماً في إنتاج ضخم منذ عدة سنوات عن حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عرضته الـ"بي بي سي".
اليهود والكاثوليك نموذجاً
الوزيرة السابقة في حكومة المحافظين البارونة سعيدة وارسي تحدثت بدورها عن تجربتها في الانضمام للحكومة البريطانية ثم استقالتها بسبب موقف الحكومة من الحرب على غزة في العام ٢٠١٤.
وأشارت إلى جدوى وجود أي شخص يريد الإصلاح والتغيير في مثل هذه المناصب، وأنه لا يعتمد فقط على ما يحرزه من إنجازات، ولكن أيضاً على ما يستطيع منعه من شرور وسياسات بغيضة، بحسب قولها.
كما لفتت إلى التناقض حين انتشرت مقولة أن "المسلمين في بريطانيا غير مندمجين بالقدر الكافي في المجتمع ومؤسساته في أعقاب تفجيرات ٧ يوليو/تموز ٢٠٠٥ بلندن، ثم اتهام المسلمين بعد ذلك بعدة سنوات بأنهم يسعون لاختراق هذه المؤسسات عندما تحركوا بإيجابية للمشاركة في السياسة ومؤسسات الإدارة المحلية".
ولم تبد وارسي استغرابها من هذا حيث أن هناك فئات كثيرة تعرضت لما يتعرض له المسلمون اليوم- على حد قولها- مثل الكاثوليك واليهود في مراحل زمنية مختلفة، وأنه بسبب كفاحهم لردع هذه المظالم تجاوزوا هذه الفترات والسياسات.
ورأت أن المسلمين يقومون بكفاح مشابه اليوم وقد تحصد ثماره الأجيال الجديدة وخاصة البالغين ١٨ عاماً هذه الأيام.
صلاة الجماعة
الأنشطة الدينية كانت حاضرة أيضاً في هذا المهرجان والتي حاول المنظمون إعطاءها طابعاً خاصاً، كصلوات الجماعة في ساحة خضراء شاسعة مكشوفة وتنظيم قيام ليل وجلسات ذكر جماعية. كما كان هناك قسم كبير للكشافة في مساحة شاسعة تشمل أنشطة كشفية كثيرة تمتد على مدار اليوم بأكمله مخصصة للأطفال والمراهقين من الجنسين.