ربما يجد الصحفيون المكلفون بتغطية الألعاب الأولمبية هذا الصيف، أنفسهم يقيمون على أطلال إحدى أحلك الفترات في التاريخ البرازيلي، بعد مزاعم تشير إلى أن جزءاً من القرية الإعلامية بني على مقبرة كبرى ل"العبيد الأفارقة.
ومع بدأ وصول الصحفيين والمصورين قبل انطلاق حفل الافتتاح الشهر القادم، ذكرت مجموعة كويلومبو المكونة من أحفاد العبيد الهاربين، أن موقع قرية بارا الإعلامية رقم 3، بالقرب من الحديقة الأولمبية، بُنيِت على أرض دفن فيها أجدادهم، ولذلك يعتبرونها أرضاً مقدسة، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
يتهم أديلسون باتيستا ألميدا، زعيم مجموعة كويلومبو، مطوري القرية بأنهم يضربون بتاريخ العبودية في تلك المنطقة عرض الحائط من خلال تدمير البقايا الأثرية في الموقع، ومن ضمنها مصنع قديم للسكر، مما يحرم المجتمع من مساحة عامة للأنشطة الثقافية التي تحتفي بالتراث الأفرو-برازيلي.
يقول ألميدا "في صباح أحد أيام الأحد، جاءت آلات القطع لتدمر كل شيء بما فيها أشجار عمرها يصل إلى قرن كامل. أنا أعتبر أن هذه الأرض مقدسة؛ لأنها هي المكان الذي دُفِن فيه أجدادي".
وتتكون القرية الإعلامية من بنايات محاطة بمساحات خضراء، وسيتم بيعها للمشترين من القطاع الخاص بعد الألعاب الأولمبية. وكانت شركة التطوير العقاري "Cyrela" قد استخلصت الأرض عام 2013، قبل أن تقطع مئات الأشجار وتدمر ملعباً لكرة القدم، وتهدم ما تبقى من منزل مالك العبيد القديم، ومصنعاً للسكر يعود لذلك العصر من أجل تنظيف المنطقة وإعدادها للبناء.
وافتتحت القرية للصحفيين منذ 5 يوليو/تموز الجاري، في حين لا يعرف عن هذا الجدل سوى القليلين، إذ لم يحظَ سوى بتغطية ضئيلة في وسائل الإعلام.
ربما ينسى الكثيرون في البرازيل حتى تاريخ البلاد كأكبر مستورد للعبيد في العالم، وآخر من ألغى هذه الممارسة عالمياً. بنهاية تجارة الرقيق عام 1988، كان عدد الأفارقة الذي وصلوا إلى البلاد يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين شخص.
الدستور البرازيلي
وكانت حركة كيولومبو من أبرز رموز المقاومة ضد الرق، وطبقاً للدستور البرازيلي المعاصر، يحق لهم المطالبة بالأراضي التي احتلوها تاريخياً. يوجد أكثر من 3500 من هذه المجتمعات في البرازيل، في حين أن أغلبها يقع تحت تهديد شركات التطوير العقاري.
وحاول سكان منطقة كاموريم، والتي يعترف بها من قبل الحكومة الفيدرالية كأحد مناطق كيولومبو، الحصول على ملكية أرض منطقة مصنع السكر على مدار أكثر من 10 سنوات، قبل فترة طويلة من الإعلان عن الألعاب الأولمبية.
إلا أن تلك العملية لم تنتهِ قط. وفي تقرير صدر عام 2009 عن المعهد الوطني للاستيطان والاستصلاح الزراعي (INCRA)، ذكر التقرير "أعضاء كيولومبو لم يتخذوا قراراً نهائياً بعد بشأن الأرض التي سيطالبون بملكيتها، ولكن من حيث المبدأ، هم يشيرون إلى أنها الأرض المجاورة لمحيط الكنيسة، لأغراض ثقافية".
ردت حكومة ريو دي جانيرو، أنها لا علم لديها بأية مطالبات، وقال المتحدث الرسمي "القرية الإعلامية لريو 2016 هي شركة خاصة، بنيت على ملكية خاصة، وبنيت على المعايير الحضرية المحددة للموقع".
وفي تصريح لصحيفة الغارديان، قال المطور العقاري الذي ساهم أيضاً في بناء ملعب أولمبي للغولف وتبرع بمبلغ 500 ألف ريال برازيلي للحزب السياسي الذي ينتمي له عمدة ريو دي جانيرو "استحواذ شركتي على ملكية الأرض تم بطريقة منظمة وقانونية".
تاريخ المنطقة
وانتقد المؤرخ المحلي روجيريو ريبيريو دي أوليفيرا، وهو أستاذ في الجامعة البابوية الكاثوليكية بريو دي جانيرو، شركة البناء لعدم قيامها بدراسة أثرية للموقع.
أثناء حفر أساس كنسية ساو جونسالو دي أمارانتي المجاورة للموقع عام 2000، وجدت أعداد كبيرة من العظام البشرية التي يعتقد أنها لعبيد عاشوا في ذلك المكان.
ويقول أوليفيرا "بشكل عام، كان العبيد يدفنون قرب الكنيسة، وبالتالي فإن فرصة وجود مدافن تحت العمارات الحالية (القرية الإعلامية) مرتفعة جداً. من المرجح أن البقايا الأثرية قد دمرت، ليس من فترة مصنع السكر فقط ولكن قبلها أيضاً، خلال فترة ما قبل الاستعمار".
مثار جدل
كان الموقع أيضاً مثاراً للجدل لأسباب أخرى أيضاً. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنقذت النيابة العامة 11 من العاملين في المشروع ممن جرى إيواؤهم في ظروف مهينة.
وطبقاً للنيابة، كانت الإقامة التي وُفِرت لعمال البناء لا تحتوي على مياه للشرب، كما كانت تعج بالصراصير والعفن. لم يكن هناك سوى حمام واحد لا يحتوي على دش للاستحمام أو مرحاض.
جرى توظيف العمال عبر مقاولين غير رسميين، إلا أن شركة Cyrela تتولى المسئولية الكاملة عن المشروع، فصدر أمر من النيابة يلزمها بدفع تعويضات للعمال.
واتهم المدعي العام غوادالوبي كوتو الشركة قائلاً "تقوم الشركة بالتعاقد لإسناد أنشطة الشركة الرئيسية لوكالات تابعة، وهو طريق ملتوٍ يهدف إلى التحايل على حقوق العمال لتخفيض تكاليف العمالة".
اعترفت الشركة بالمخالفات التي ارتكبها المقاولون غير الرسميين، إلا أنها أصرت على أنها تجري تحسينات، وأنها اتخذت كل الخطوات الممكنة وقدمت الدعم الكامل للموظفين.
وأرسلت جمعية كيولومبو برسالة إلى عمدة ريو دي جانيرو إدواردوا بايس، تضمنت شكواهم من الدمار البيئي. وتشير الخرائط إلى أن الموقع يقع داخل منطقة عازلة محمية حول حديقة بيدرا برانكا المملوكة للدولة. وذكر أحد المسؤولين بالمشروع أن هذا ليس صحيحياً، وأنه قد تمكن من زراعة 5346 شتلة في المنطقة تعويضاً عن 357 شجرة قُطِعت خلال المشروع.
يقول أعضاء كيولومبو أيضاً، إنه جرى تحويل مسار المياه إلى المجمع السكني الجديد، وأنهم فقدوا منطقة كانوا يستخدمونها للترفيه.
يقول هيريك دا سيلفا سانتوس، وهو بستاني يعيش في المنطقة "لقد عانينا كثيراً بسبب ذلك. كنا نلعب الكرة ونسبح في النهر ونلعب في الغابات. لقد كانت تلك هي طفولتنا".
وعارض أعضاء كيولومبو إنشاء القرية الإعلامية بقوة بينما كان يجري بناؤها، إلا أنهم الآن يميلون إلى وجودها ويطالبون بانشاء مركز اجتماعي على جزء من الأرض تبرعت به شركة Cyrela للبلدية.
وقال ألميدا أن المركز سيخصص لذكرى الأجداد الرقيق الذين عاشوا في تلك المنطقة، وأضاف "لا أريد أن تكون دماؤهم التي أريقت قد ذهبت عبثاً. نريد أن نكافح من أجل مساحتنا، وحقوقنا، وعاداتنا، لكي ينظر أجدادنا ويروا ما نحن عليه اليوم وأننا نعيش بحال أفضل".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.