لم تستطع وسائل التواصل الاجتماعي والتقدم التقني الذي تشهده السعودية، إقصاء عدد من العادات والموروثات الشعبية التي كان يمارسها الأجداد في رمضان وقبيل العيد.
وتعتبر "حوامة العيد" إحدى أبرز تلك العادات، حيث ينظم الأطفال مسيرات يجوبون خلالها الشوارع والحارات لأخذ عيديتهم منشدين عدداً من الأهازيج الشعبية.
موروث شعبي
نجلاء العيسى من اللجنة المنظمة لفعاليات احتفالات الحوامة السنوي لأطفال حي الياسمين، تقول لـ"عربي بوست"، "في كل عام يتطلع الأطفال للمشاركة في إحياء هذا التراث الجميل "الحوامة"، الذي ننظمها بحي الياسمين بالرياض، وفي موسمها الخامس، إذ تحظى هذه الفعالية بتنظيم رائع ومشاركات كثيفة من الأطفال والجيران".
وتضيف "قرابة 200 طفل مرتدين الزي التراثي تتراوح أعمارهم من السنتين إلى 14 سنة، شاركوا في مسيرة الحوامة مروراً بأكثر من 80 منزلاً يطرقون الأبواب، مرددين بصوت واحد "أبي عيدي عادت عليكم في حال زينة".
ويقوم الأهالي بمشاركتهم الفرحة وفتح بيوتهم لاستقبال الأطفال وإسعادهم بالعيديات، فمنهم من يقدم للأطفال مبالغ مالية لا تتجاوز 5 ريالات لكل طفل ومنهم من يقدم الهدايا".
الحكواتي وأبو طبيلة
وتقول نجلاء "حاولنا قدر الإمكان إعادة الماضي بصيغة الحاضر، فكان الحكواتي وأبوطبيلة وأبوبليلة والألعاب الشعبية والحنطور؛ أهم العناصر الموجودة في التنظيم سعياً منا لربط الأطفال بالماضي وتراث الأجداد.
ونهدف من خلال إحياء هذا التراث إلى تعزيز الترابط الاجتماعي بين أهالي الحي وإدخال البهجة والسرور على أبناء الحي ونشر مظاهر الفرح وإحياء للعادات والتقاليد بالاحتفال بالعيد؛ ونسعى أن نكون مثالاً يحتذى به في الأحياء والمدن السعودية لنشر ثقافة الفرح وتأكيد للحمة الوطنية".
وأضافت: "هذه هي المرة الخامسة التي نقيم فيها (الحوامة) ولتخرج الفعالية بصورة متميزة قمنا بتأمين الشوارع، وتحديد المنازل المشاركة، مضيفة أنه جرى وضع خطة سير للمسيرة تغلق لها الشوارع حين مرورها، حرصاً على سلامة المشاركين وأولياء أمورهم كون عدد المشاركين كبيراً جداً.
"سرقة العيديات"
الطفلة هدى غنيم إحدى الأطفال المشاركات في فعالية الحوامة تقول "أشعر أنني بالعيد وسعيدة بالمشاركة والحصول على العيديات؛ ومشاركة الأطفال اللعب بالألعاب الشعبية والاستماع إلى الحكواتي وقصص الأجداد؛ لقد حصلت على العيدية وجمعت مبلغاً مالياً بحدود 100 ريال، بالإضافة إلى الحلويات".
الطفل عبدالعزيز العيسى يقول جمعت مبلغاً مالياً لا بأس به، قدره 150 ريالاً؛ وسأضيف ما أحصل عليه من أقاربي وأشتري به لعبتي المفضلة.
وقال العيسى إنه سعيد جداً لمشاركة الأطفال الذين يتسابقون للحصول على العيديات والهدايا من الأسر.
وأضاف "كل منا ينظر إلى هدية زميله ونتقاسمها إن كانت تختلف؛ وبعض الأطفال يقومون بممزاحتنا وأخذ هدايانا خلسة وسرقتها دون أن نعرف وبعد البحث والسؤال عنها يقومون بإعادتها لنا".
بنكهة جديدة
الإعلامية والمذيعة في إذاعة الرياض فاطمة العنزي، تقول لـ"هافينتغون بوست عربي"، "الحوامة بدأت تعود بنكهة جديدة إلا أنها ما زالت محتفظة بالتراث، إذ إن العديد من السيدات يحرصن على غرس هذه العادة في نفوس وأوقات الصغار لمزيد من العلاقات الاجتماعية بين الجيران".
وتضيف" في ذاكرتي ما زال الصوت يتردد صداه لتلك السيدة التي تنتظر الصغار خلف باب منزلها تحمل معها وعاء ممتلئاً بالحلوى والمبالغ المالية البسيطة التي لا تتجاوز 3 أو 5 ريالات؛ كانت تقبع خلف بابها تنتظرنا وتصغي لخطواتنا المهرولة بين البيوت وأصواتنا تغني كأنها المطر ونقول "عطوني عيدي عادت عليكم" ثم نطرق الباب بقوة ونبقى ننتظر خروجها؛ وأصواتنا ترتفع، وما هي إلا لحظات فيشرع الباب لنا ووجهها كالبدر يطل علينا برفقة عطاياها لنا؛ بل وتزيد على ذلك أن تدعنا نختار ما نريد من قوارير المشروبات التي أسفل زير الماء نشربها على عجل ونقبل يدها الكريمة، مغادرين إلى منزل آخر في الحي".