يبدو أن الآباء الذين أمضوا سنوات يطالبون أبناءهم بالامتناع عن ممارسة لعبة الفيديو جيم المسماة "نداء الواجب" Call of Duty، في حاجة الآن إلى النكوص عن كلامهم وأن يذهبوا لأداء الواجبات المنزلية، بحسب ما وصلت إليه دراسة حديثة، فربما تكون ألعاب الفيديو الحركية محفزاً للقدرات الإدراكية. وتساعد تلك الدراسات خبراء التعليم على إرساء أدلة تتعلق بفائدة ألعاب الفيديو داخل القاعة الدراسية.
وتعد هذه الدراسة تحليلاً إحصائياً لعدة دراسات أجريت على أشخاص بالغين، يبلغ عمرهم 18 عاماً فأكثر، وقد نُشرت في الجريدة العلمية Frontiers In Psychology، حيث ركزت الأبحاث الـ20 إما على دراسة سرعة التحليل، أو الانتباه، أو التحليل البصري الموضعي، أو الذاكرة، أو الوظائف التنفيذية، وفق تقرير نشره موقع Vocativ الأميركي.
وحلل الباحثون، المسؤولون عن آخر دراسة بحثية، تلك البيانات من بين الدراسات السابقة، لتقييم مدى تأثير ألعاب الفيديو على عدة قدرات إدراكية. وكان حجم العينة الكلي صغيراً، حيث قدر عدد العناصر تحت الاختبار بما يربو على 300 عنصر ونحو 300 متحكّم، لكن تأثير ألعاب الفيديو كان جلياً، خاصة عند المشاركين الأقرب لعمر الـ18.
وجد الباحثون في السنوات الأخيرة استخدامات جديدة لألعاب الفيديو، تتعدى مجرد اللهو، حيث يمكنها مساعدة ضحايا السكتة الدماغية على التعافي، أو تدريب الجنود قبل الدخول إلى أرض المعركة. وفي مجال التعليم أيضاً، تُعلم بعض الألعاب، مثل Minecraft، الأطفال كيفية التفكير الإبداعي، كما تساعدهم الألعاب التي تركز على الحركة، في حل المشكلات.
يقول سكوت أوستيرويل، المدير الإبداعي للتعليم في MIT، المسؤول عن برنامج Arcade الذي صُمم لجلب الإبداع إلي العملية التعليمية، إنه بينما رأى دراسات تدوِّن تأثير ألعاب الفيديو على مهارات محددة – كالملاحة الفراغية، والتناسق البصري الحركي – فلم ير أي دراسات تخلص إلى أن ألعاب الفيديو تؤدي إلى زيادة قابلة للقياس في المهارات الإدراكية عند الأطفال.
الطريف أنه ليس متفاجئاً بهذه الاكتشافات، ويعود هذا جزئياً إلى أنه رأى تأثير الخيال والإبداع على قدرات الأطفال في أدائهم المدرسي. وأضاف أوستيرويل: "تخبرنا خبرات كثيرة لدينا بأنّه عند مخاطبة خيال الأطفال، فإنّهم يؤدون بشكل أكبر في المهام الإدراكية، وتعد ألعاب الفيديو فضاءً تخيلياً، سواء كانت تجعلهم أكثر ذكاءً أو لم تكن كذلك، فإنها تجعلهم يعملون بكد أكثر وعلى استعداد لتعلم المزيد".
عيوب اللعبة
لكن هناك عيوباً لألعاب الفيديو قد تجعل الأطفال أقل انخراطاً في الأنشطة الاجتماعية تحت ظروف معينة، ويشعر أوستيرويل بالقلق من أن ينصح أي شخص بالمكوث أكثر أمام الشاشة، وعلى الرغم من أن الألعاب ذات القصص القوية يمكنها أن تكون مثرية للطلاب، إلا أن ألعاباً كتلك المبنية على الورق، أو التي تكون حبكاتها سطحية دون تعمّق، لا تساعد الأطفال على فهم العالم أو الأشخاص الآخرين بشكل أفضل.
هناك أيضاً مميزات عديدة: على سبيل المثال، تمد الأطفال بالتعليم التجريبي – وهي عملية الخروج وتجربة أشياء بأنفسهم – دون الحاجة حتى لمغادرة القاعة الدراسية.
يضيف أوستيرويل أن الطريقة التي تضمن حصول الأطفال على الفوائد دون السلبيات، تكمن في التطبيق بشكل مناسب، كما ينبغي أن تتحلى تلك الألعاب بالقدرة على شرح نفسها؛ لأنها لن تنجح إذا ما دُفع المعلمون إلى شرح اللعبة ذاتها. ويمكن للمعلمين أن يجمعوا الأطفال للّعب بنفس الطريقة التي يمارسون بها الألعاب في المنزل، من خلال أن يلعب طفل ويجلس باقي الأطفال حوله يشاهدون، بدلاً من تخصيص جهاز لكل طفل، حيث إن ألعاب الفيديو قد تتحول إلى نشاط عازل.
وتظهر الدراسات أن الطلاب يَجْنُون أكثر من خلال التعليم التجريبي إذا ما منحوا وقتاً للتفكير فيها فيما بعد، وبذلك يمكن أيضاً أن تصبح جزءاً مهماً من المنهج الدراسي.
كما نوه أوستيرويل قائلاً: "تُنشط هذه الألعاب خيال الأطفال ومهارات حل المشكلات لديهم، يجب أن يعملوا على التأكد من صحة ذلك وتشجيعه".
ولا يزال هناك عمل يجب إنهاؤه، وهو أن نفهم كيف يمكن للطلاب استخلاص أكبر فائدة من ألعاب الفيديو. على سبيل المثال، ما زال العلماء غير متأكدين بخصوص أي مرحلة عمرية أكثر قابلية لأي نوع من الألعاب، أو ما التعديل الأفضل للألعاب بشكل يعتمد على القدرات الفردية للطلاب واهتماماتهم. ويعود السبب وراء عدم معرفة العلماء للإجابة جزئياً، إلى أنهم ينظرون إلى التعليم بشكل منفصل. وأضاف أوستيرويل قائلاً: "نحن لا نتبنى نظرة كلية كافية حول ما يجب أن يكون عليه التعليم، أو كيف ينبغي أن نحسّن جودة حياة المعلم".
ولا تزال نتائج بعض الدراسات من ذلك النمط يدعم هؤلاء المؤيدين لاستخدام ألعاب الفيديو في التعليم، ويصف أوستيرويل ذلك الأمر قائلاً: "هذه الأنواع من الدراسات تشجعنا إلى حد ما نحو ذلك، ومن المبكر للغاية أن نصرح بأننا نمتلك دليلاً نهائياً بأن ألعاب الفيديو تحفز الإدراك، فمن الأسهل أن نقول إننا نملك دليلاً".
هذا الموضوع مترجم عن موقع Vocativ الأميركي.