حظيت إمامة المسجد النبوي والحرم المكي بمكانة خاصة على مر الدول والحكام الذين تعاقبوا على حكم العالم الإسلامي خلال العصور التاريخية الماضية؛ وذلك نظراً لمكانة المسجدين الخاصة عند المسلمين.
وقد أسس الملك السعودي عبدالعزيز إدارة خاصة بالمسجد النبوي عام 1977، تحت اسم "إدارة الحرمين الشريفين"، ثم عُدّل الاسم عام 1986 إلى "الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي"، وكان من أبرز المهام الموكلة لها تعيين الأئمة ووضع الشروط المناسبة لذلك.
لكن كيف كان وضع المسجد النبوي وأئمته عبر التاريخ وصولاً إلى العهد السعودي، ومن هم أبرز الأئمة الذين مرُّوا على المسجد النبوي منذ إنشائه حتى اليوم؟
محمّد رسول الله
في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان هو الإمام للمسجد، ولم يؤم الناس في المسجد النبوي أحد غيره، إلا ما حدث حين مرضه حيث أمر أن يؤم الناس أبوبكر الصديق. أما في حالة غزواته، فقد كان الرسول يستخلف عبدالله بن أم مكتوم، المؤذن في عهد النبي، على المدينة ليصلّي بالناس في المسجد.
أُبيّ بن كعب
في عهد الخلفاء الراشدين كانت من مهام كل خليفة القيام بدور الإمام في الصلاة، أما في حالة سفره أو مرضه فكان يُوكل من ينيبه. وفي عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جمع الناس في صلاة التراويح بالمسجد النبوي على إمام واحد وهو أُبيّ بن كعب، بعد أن كان الصحابة يصلّونها فرادى. وعندما طُعن عمر بن الخطاب جعل على الصلاة صهيباً الرومي، حتى ينتهي مجلس الشورى من اختيار خليفة. وعندما حُوصر عثمان بن عفان أمر سهل بن حنيف بإمامة الناس في الصلاة. وعندما تولى الخلافة علي بن أبي طالب، خرج من المدينة المنورة إلى الكوفة، بعد أن جعل عليها سهل بن حنيف أميراً وإماماً.
سعيد بن المسيب المخزومي
في العهد الأموي، كانت وظيفة الإمام تُوكل إلى أمراء المدينة المنورة ومكة. وفي عهد يزيد بن معاوية (64 هـ-73 هـ الموافق 683-692)، سيطر عبدالله بن الزبير على مكة، وأمّ الناس بها، ثم سيطر على المدينة المنورة، وجعل واليها من عنده، فكان عامله هو من يؤم الناس في المسجد النبوي. وكان من أشهر الأئمة في العهد الأموي إمام المسجد النبوي التابعي سعيد بن المسيب المخزومي، الذي كان من أعلم أهل زمانه، وكان يسمى "فقيه الفقهاء".
مالك بن أنس
يُعد الإمام مالك بن أنس أبرز الأئمة الذين ظهروا في عهد الدولة العباسية. وعندما خضعت المدينة خلال العهد العباسي لحكم الدويلات المستقلة، كالطولونيين والأخشيديين، كانت سيطرتهم اسمية لا تتعدى ذكر اسمهم على المنابر مع العباسيين، ولم يتدخلوا في أمر الأئمة.
لكن عندما ظهر الفاطميون، تمكنوا من السيطرة على المدينة، حيث قاموا بطرد الوالي العباسي وأنزلت رايات العباسيين السوداء، ورفعوا مكانها الرايات البيضاء على الإمارة ومنائر الحرم، وحُوّلت الخطبة للفاطميين في مكة والمدينة فتأثر وضع الأئمة. ثمّ تمكن الأيوبيون من السيطرة على الحجاز والقضاء على الدولة الفاطمية سنة 563 هـ الموافق 1167، فعادت المدينة إلى العباسيين وأصبح اسم الأيوبيين يذكر في خطبة الجمعة مع الخليفة العباسي. ومن أبرز الأسر التي ظهر منها أئمة الصلاة بالمدينة في العهد الفاطمي آل سنان، الأشراف الحسينيون.
محب الدين بن أبي الفضل النويري
في العهد المملوكي أضاف السلطان محمد بن قلاوون للإمام وظيفة القضاء، وكان يغلب على من يتولّى أمر الإمامة والخطابة والقضاء في ذلك الوقت، أن يكون من أتباع المذهب الشافعي. وفي سنة 775 هـ الموافق 1373 ولي القاضي محب الدين بن أبي الفضل النويري قضاء المدينة والخطابة والإمامة في المسجد النبوي. وقد كانت جميع التعيينات التي تأتي إلى المسجد النبوي والمتعلقة بالإمامة تأخذ طابع المراسيم التي تقرأ في جمع كبير من الناس خاصة في موسم الحج.
وكان اللباس الرسمي في العهد المملوكي لمن يلي الإمامة والخطابة السّواد، فالثوب أسود، والعمامة سوداء، والطيلسان (وشاح) أسود. كما أضاف المماليك على ما اشترطه الفقهاء في عموم الأئمة، ضمن شروط الإمامة بالمسجد النبوي، أن يكون الإمام على معرفة تامة بعلم القراءات وعلم الفرائض.
عمر بن علي السمهودي
في العهد العثماني كان أئمة المسجد النبوي مستقلين عن الخطابة، لكن بعض الوجهاء بالمدينة تمكنوا من الجمع بينهما، واستحدث العثمانيون منصب نقيب الأئمة، وهو أقل مكانة من وظيفة شيخ الحرم. أما شيخ الخطباء فقد كان يشرف على الإمامة والخطابة، وكان يشترط لهذا المنصب أن يكون قد مارس العمل بهما وحصل على خبرة كافية.
وقدمت الدولة العثمانية رواتب مجزية للأئمة، خاصة في رمضان. أما أبرز العائلات التي ظهر منها أئمة وخطباء بالمدينة المنورة في العهد العثماني، فهم: أسرة الأركلي، وأسرة الأزهري، وأسرة البرزنجي، وأسرة الجامي، وأسرة الحجار، وأسرة الخياري، وأسرة السمهودي التي اشتهر منها الإمام عمر بن علي السمهودي وابنهُ عبدالكريم بن عمر السمهودي.
محمد بن عبدالرزاق حمزة
في عهد الدولة السعودية الحديثة التي بدأت من الملك عبدالعزيز آل سعود، كان يقوم بالإمامة علماء من أهل البلاد أو من المجاورين بالحرمين من غير أهلها، حيث كان اختيار الأئمة يتم بتزكية علماء الدولة للإمام. وقد أسس الملك عبدالعزيز إدارة خاصة بالمسجد النبوي من أبرز المهام الموكلة لها تعيين الأئمة ووضع الشروط المناسبة لذلك وتنظيم أمر الصلاة، وعمل جدول خاص لكل إمام، والفريضة التي يصليها، وعمل جدول خاص بالخطابة أيضاً، ويتم هذا الأمر بالتنسيق، على أن يكون لكل إمام بديل احتياط.
معظم الأئمة في العهد السعودي كانوا يعملون في القضاء، وكان أول من تولى الإمامة في العهد السعودي بالمسجد النبوي هو الشيخ الحميد بردعان. وكان العديد ممن قاموا بإمامة الحرمين في بداية العهد السعودي من خارج البلاد السعودية، فمن مصر كان الشيخ محمد بن عبدالرزاق حمزة، إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة.
محمد أيوب
يعد الشيخ محمد أيوب بن محمد يوسف بن سليمان الذي توفي بعد صلاة فجر يوم السبت 16 أبريل/نيسان 2016، أشهر القرّاء في السعودية والعالم الإسلامي، وله تسجيلات قرآنية في الإذاعة والتلفزيون.
ولد الشيخ في مكة المكرمة عام 1952، وحفظ القرآن الكريم في عمر 12 عاماً، ثم انتقل إلى المدينة المنورة ودرس المرحلتين المتوسطة والثانوية في معهد المدينة العلمي. ثم التحق بالجامعة الإسلامية، وتخرج في كلية الشريعة، ونال درجة الماجستير والدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن.
عين إماماً متعاوناً للمسجد النبوي في عام 1990، واستمر فيه حتى عام 1997 (1417 هجرية). ثم انقطع عن الإمامة 19 عاماً ليعود إماماً للمصلين في المسجد النبوي في شهر رمضان من العام الماضي. وسجل له مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف القرآن الكريم كاملاً، قبل وفاته، ويبث يومياً من إذاعة القرآن الكريم. كما سجلت له أيضاً قراءات صلاة التراويح والقيام في المسجد النبوي الشريف.