يبدو أن استكشاف الفضاء سيكون على موعد مع تغييرات كبيرة بارزة خلال العام الجاري والأعوام القليلة القادمة، فما تقوم به كلٍ من شركتي "سبيس إكس" و"بلو أوريجن" الخاصتين، يعد تقدماً كبيراً في فكرة تقليل التكلفة الخاصة بإرسال الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية نحو الفضاء بنسب كبيرة جداً.
الشركتين تقومان حالياً بالكثير من التجارب، التي نجح بعضها بالفعل، من أجل إطلاق الصواريخ الفضائية ثم العودة والهبوط بها إلى الأرض سالمة من أجل صيانتها وإعادة إرسالها للفضاء في مهام جديدة.
ومن المعروف أن صاروخ الفضاء هو الحامل للمركبات والأقمار الصناعية الذي يقوم بمهمته ويتفكك تدريجيًا على مراحل ليتحطم وينتشر في الفضاء، وهو ما يعد خسارة مادية كبيرة لحاجة كل رحلة فضائية إلى صاروخ كامل جديد لا يستخدم إلا لمرة واحدة.
سبيس إكس
أول تجربة ناجحة لشركة "سبيس إكس" كانت في ديسمبر/كانون الأول 2015، عندما تمكنت من إطلاق أحد صواريخها "فالكون 9" ليقوم بوضع أقمار صناعية تسمى "ROBBCOM" في مدارها حول الأرض، ثم يعود الصاروخ مرة أخرى ليهبط سالماً على سطح الأرض بشكل عمودي.
التجربة تكررت بنجاح مرة أخرى منذ بضعة أيام، ولكن هذه المرة عبر الهبوط بالصاروخ على منصة عائمة فوق سطح المحيط، وهو الأمر الذي كان دائماً يفشل في عدة تجارب سابقة لينتهي الأمر فيها بانفجار الصاروخ.
بلو أوريجن
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أي قبل شهر من نجاح أولى تجارب "سبيس إكس"، تمكنت شركة "بلو أوريجن" من إطلاق صاروخ لا يحمل البشر والعودة به مرة أخرى إلى سطح الأرض بشكل عمودي أيضاً.
الشركة عادت لتؤكد نجاح هذه التجربة في عدة تجارب لاحقة، ما أشعل السباق بين الشركتين الرائدتين في مجال الفضاء.
ما الفرق إذن؟
شركة بلو أوريجن قام بتأسيسها عبر المدير التنفيذي لشركة "أمازون"، جيف بيزوس، عام 2000، تهدف بشكل عام إلى إطلاق صاروخ يحمل مركبة فضائية مصممة لإرسال 6 أشخاص إلى الفضاء لمدة 10 دقائق من أجل اختبار فكرة انعدام الوزن ثم العودة مرة أخرى إلى الأرض.
هنا فإن الهدف الأساسي من هذه التجربة هو السياحة والترفيه وليس نقل رواد فضاء أو سفن فضائية إلى مداراتها خارجة حدود الغلاف الجوي لكوكب الأرض، فيما يُعرف برحلات الفضاء التجارية.
في المقابل فإن صواريخ شركة "سبيس إكس" مصممة لكي تتمكن بحلول عام 2017 من نقل 7 رواد فضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية.
المصدر الرئيسي للدخل لهذه الشركة لن يكون أموال المغامرين والسياح، لكنها ستكون عبر عقود يتم التوقيع عليها مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" من أجل عمليات نقل رواد الفضاء ونقل المؤن لمحطة الفضاء الدولية، هذا بالإضافة إلى تأمين عقود مع شركات أخرى لنقل أقمار صناعية إلى مداراتها.
بمعنى آخر، فأنت يمكنك أن تشتري تذكرة لركوب واحدة من المركبات الفضائية الخاصة بشركة "بلو أوريجن"، لكنك لن تتمكن أبداً من ركوب مركبة فضائية خاصة بشركة "سبيس إكس" إلا في حالة وحيدة، أن تكون رائد فضاء سيتم إرساله لمحطة الفضاء الدولية.
الأكثر أهمية
نشير هنا بالطبع إلى أن تجارب وأهداف شركة "سبيس إكس" التي يرأسها إيلون ماسك، هي أكثر أهمية بمراحل لمستقبل السفر إلى الفضاء.
فاقتصاد الفضاء العالمي وصل حاليًا إلى 330 مليار دولار أميركي، مع توقعات بنمو أكبر في المستقبل القريب. وبالتالي فإن القطاع الخاص له دور بالغ الأهمية في الاستفادة من هذه الصناعات المطلوبة للحكومات والدول، وستمثل الصواريخ المعادة الاستخدام أهمية كبيرة لها.
في كل مرة يتم إطلاق صاروخ نحو الفضاء فإننا نفقد مبلغ 60 مليون دولار أميركي، لا نستفيد منها شيئاً سوى عملية نقل لمرة واحدة.
تجارب "سبيس إكس" ستجعل الصواريخ أقرب شبهاً بالطائرات التي تقلع لتنفذ رحلاتها ثم تعود إلى الأرض سالمة ليتم صيانتها سريعاً وملئها مرة أخرى بالوقود ليعاد إرسالها في رحلة جديدة.
هذا الأمر سيخفض أسعار الرحلات الفضائية من عشرات الملايين من الدولارات إلى مئات الآلاف فقط.