"أنا لست مختلفاً عنكم بل أنا مختلفٌ مثلكم"، بهذه العبارة يحاول "الطباخ عمر" إقناع الآخرين أنه لا يختلف عن باقي الناس، في كل مرة يطل بها سواء عبر فيديو أو خلال حديثه لوسائل الإعلام.
رغم إصابته بمرض يسمى "ميوباتي" أو "التلف العضلي" منعه من التحرك إلا بواسطة كرسي متحرّك، استطاع عمر ذو العشر سنوات تحقيق ما لا يستطيع إنسانٌ معافى تحقيقه؛ إذ حاز على لقب أصغر طباخ مغربي.
بوجهه البشوش، وعلى كرسيّه المتحرك، وبخفة دمه وطاقته الإيجابية، التي يملأ بها المكان أينما حل، يطلّ على متابعيه، في صفحته عبر "فيسبوك" أو عبر قناته في "يوتيوب" ليحكي لهم عن التحدي والنجاح.
استطاع عمر أن ينال إعجاب الآخرين، وبفضل ذكائه وقوة شخصيته، استطاع أن ينال شهرة وسط المغاربة، خاصة أمام وسائل الإعلام، فهو الآن اعتاد حضور برامج تلفزية، ويتحدّث بكل ثقة نفس.
Je partage avec vous unepartie de ma vieغنشارك معاكم طرف من حياتي I share with you part of my live
Posted by Chef Omar on Thursday, February 4, 2016
يقول عمر لـ"هافنيغتون بوست عربي" لقد "اكتشفت ميولي في الطبخ في سنّ الخامسة، وبدأت أحضّر وجباتٍ ووصفات شهية".
وبعد أن وصلت حصيلة عمر بالوصفات إلى عدد جيد خطرت بباله وأهله فكرة إنشاء قناة على يوتيوب، يقول عمر "أخبرت لأمي أريد قناة على موقع يوتيوب، أسميها "شاف عمر" لمشاركة الناس موهبتي، والأهم هو أن أقول إن المعاق يستطيع أن ينجز أشياء؛ الآخرون لا يستطيعون ذلك".
نصائح عمر
يضيف عمر "دائماً أقول لأطفال في مثل حالتي، كونوا أقوياء فكما ترون أنفسكم يراكم الآخرون وقولوا دائماً لسنا مختلفين عن الآخرين بل نحن مختلفون مثلهم".
يقدم عمر وصفاتٍ شهية لمحبيه سواء على قناة يوتبوب أو فيسبوك، يقول "أطبخ كل شيء، أعد أطباقاً شهية، أطبخ كلّ شيء، يمكن أن أقول إنني أطبخ أفضل من والدتي".
أطمح أن يكون لي برنامجي
من بين أهداف "شاف عمر" أن يكون له برنامجٌ تلفزي يقدم فيه وصفات للطبخ، فهو حسب ما يقول طباخ ماهر، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الوصفات التي يقدمها عبر قناته بـ"يوتيوب"
لعبت والدته دوراً مهما في شخصية هذا الطفل، فمن خلال حديثه وشخصيته يتساءل المرء كيف استطاعت هذه الأم أن تربي طفلاً يعاني من مرض مزمن وتجعل منه صاحب شخصية قوية.
تحكي لبنى، والدة عمر لـ"هافنيغتون بوست عربي": "أذكر جيداً عندما أخبرني، ذات يوم أنه يطمح في أن يصبح شافاً عالمياً، وأن يقدم برنامجاً تلفزيونياً، قلت له إن الطريق صعب، لكن يجب عليك أن تؤمن بحلمك، في ذلك الوقت سيتحقق هذا الحلم مهما كان صعباً".
عمر يحلم بأن يقدم برنامجاً للطبخ عبر قنواتٍ تلفزية، صحيح أنه نجح في إقناع مخرج برنامج طبخ معروف بالمغرب أن يستضيفه في إحدى الحلقات، لكن تظل أبرز أحلامه تتمثل في تقديم برنامج للطبخ.
تؤكد لبنى أن المنتجين لن يندموا أبداً في اختيار عمر في تقديم برنامج للطبخ، لأن له معجبين كثراً، وهذا واضح عبر متتبعي صفحته في فيسبوك والذين تجاوزوا 40 ألف متابع.
نظرة الآخر تصعّب الأمر
عانى عمر كثيراً من نظرة الآخرين المليئة بالشفقة، تغضبه كثيراً تلك النظرات، تقول والدته لـ"هافنيغتون بوست عربي": "خلال يومين فقط، جاء إلي واشتكى من بعض الأطفال، أخبرني أن أحدهم قال له أنه معاق لأنه لا يملك قدمين".
هذه العبارات أغضبت عمر كثيراً، وأحياناً تكون السبب في إحباطه، لكن أمام تشجيع والدته، والمتابعة النفسية له، وإرادته القوية، يصبح شخصاً يتحمّل كل هذا الضغط.
المعاق لا مكان له في المدرسة
عمر لم تقبل به ولا مدرسة، حاول التسجيل في عدة مدارس مغربية، إلا أن كل المدارس بالمغرب تقريباً رفضت تسجيله، لأن المدارس لا تتبنى أطفالاً في مثل مرضه.
والدته أكّدت لنا أنه أخيراً وجد مدرسة هي الوحيدة التي قبلت به، وهي مدرسة أميركية في منطقة بعيدة عن منزله، مما يثقل كاهل الأسرة.
تقول لبنى: "المدرسة باهظة الثمن، لكننا أنا ووالده نحاول تأمين كل احتياجاته، نعلم جيداً أنه يجب أن يدرس، لأن من حقه ذلك، لكن ماذا عن الأطفال الآخرين في مثل إصاباته، ماذا عن وضعيتهم؟، خاصة الفقراء، الذين لا يملكون ثمن ولوج مدرسة أميركية".
تتساءل لبنى أليس من حق جميع الأطفال أن يدرسوا، عانت كثيراً هي وعمر في عدم قبول ولا مدرسة بعمر،"تخيلوا معي طفلاً صغيراً يتم رفضه من طرف المدرسة، كيف ستكون نفسيته، هو في الأخير كباقي الأطفال، من خلال تجربتي يمكنني القول أن المعاق لا مكان له في المجتمع المغربي".
بالرغم من كل هذه المصاعب إلا أنّ الحياة تحدياتٌ، وعمر ووالداه يحاولون تجاوز هذه العراقيل، التي تبقى ضعيفة أمام إرادتهم وإيمانهم القوي.