في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وحرمان المواطنين من الماء والغذاء والدواء والكهرباء ومصادر الطاقة في حصار وقصف متواصلَين لأكثر من 80 يوماً، يجد آلاف الفلسطينيين أنفسهم أمام أزمة حادة بعد نفاد المواد الغذائية بصورة شبه كاملة، الأمر الذي يعرض النساء المرضعات وأطفالهن لمخاطر صحية بشكل خاص نتيجة لسوء التغذية.
أهمية تغذية المرأة المرضعة
حليب الأم هو إحدى عجائب الطبيعة، لا جدال في ذلك. ولكن ماذا يحدث عندما تعاني الأم المرضعة من نقص الغذاء أو العناصر الغذائية لنفسها؟
قد تكون هذه الأزمة أكثر شيوعاً في المناطق التي تشهد حروباً ونزاعات عسكرية، حيث تشير الأمهات المرضعات إلى أن إمداداتهن من حليب الثدي قد انخفضت بشدة أو نفدت تماماً بسبب حالتهن التغذوية إذا ما تم تهديد مصادر المياه النظيفة والطعام.
وإضافة إلى معاناة المرضعات الفلسطينيات مع الآلاف من المواطنين بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة، تعاني الملايين من النساء حول العالم من الجوع، لأن الجفاف والضغوط الاقتصادية أدت إلى انعدام الأمن الغذائي والتغذوي على نطاق واسع، ومن ثم تضررت قدراتهن على كفاية أطفالهن الرضع.
وتقول منظمة الصحة العالمية (WHO) عن أهمية حليب الثدي بالنسبة لصحة الطفل، إن "حليب الثدي هو الغذاء المثالي للرضع، وهو آمن ونظيف ويحتوي على أجسام مضادة تساعد في الحماية من العديد من أمراض الطفولة الشائعة".
وأضافت: "يوفر حليب الأم كافة مصادر الطاقة والعناصر الغذائية التي يحتاجها الرضيع في الأشهر الأولى من حياته، ويستمر في توفير ما يصل إلى نصف احتياجات الطفل الغذائية أو أكثر خلال النصف الثاني من السنة الأولى، وما يصل إلى الثلث خلال السنة الثانية".
وعلى الرغم من الأهمية القصوى للرضاعة الطبيعية، قد تجد الكثير من السيدات أنفسهن أمام معضلة الاستمرار في رعاية أطفالهن، بسبب غياب مصادر التغذية والمياه بالنسبة لهن، وتعرضهن للقلق والتوتر الشديد نتيجة الحرب والقصف والاستهداف العشوائي للمدنيين.
احتياج الأم المرضعة لمزيد من السعرات الحرارية
وبحسب وكالات الصحة الدولية، تحتاج الأمهات المرضعات بشكل عام إلى مزيد من السعرات الحرارية لتلبية لسد احتياجاتهن الغذائية في أثناء الرضاعة الطبيعية.
إذ يوصى بتناول 330 إلى 400 سعرة حرارية إضافية يومياً للأمهات المرضعات اللاتي يتمتعن بتغذية جيدة، مقارنة بالكمية التي كن يستهلكنها قبل الحمل. وذلك بنحو 2000 إلى 2800 سعرة حرارية يومياً للنساء المرضعات مقابل 1600 إلى 2400 سعرة حرارية يومياً للنساء النشطات بشكل معتدل.
كذلك يتأثر أيضاً عدد السعرات الحرارية الإضافية اللازمة للمرأة المرضعة بعمرها ومؤشر كتلة الجسم ومستوى النشاط ومدى الرضاعة الطبيعية مقابل المزج بينها وبين الرضاعة الصناعية.
ضرورة الحصول على نظام غذائي متنوع ومتكامل
في السياق ذاته، تزداد حاجة الأم لبعض العناصر الغذائية المهمة في أثناء الرضاعة. وتوصي الإرشادات الغذائية الدولية الأمهات المرضعات باستهلاك متوازن لمنتجات مثل الألبان، والبيض، والمأكولات البحرية، والأغذية البروتينية، مثل البيض واللحوم وبعض المأكولات البحرية والفاصوليا والبازلاء والعدس؛ وذلك لتعويض احتياجات جسمها الأساسية، وتوفير حليب غني بالتغذية للطفل الرضيع.
تأثير التغذية على القيمة الغذائية لحليب الرضاعة
على الرغم من أن قليلاً من الدراسات قد بحث تأثير سوء التغذية على الرضاعة الطبيعية، فإنه قد ثبت حدوث بعض التأثيرات الحادة.
ويحدث سوء التغذية عندما لا يحصل الجسم على ما يكفي من الطاقة والبروتين والمواد المغذية ليعمل بشكل صحيح. وبعبارة أخرى، لا تتم تلبية احتياجات الجسم، ومن ثم يعتمد الجسم على احتياطياته الخاصة حتى يتم استنفادها؛ فيدخل الجسم بعد ذلك في حالة من نقص التغذية.
يؤدي النقص على المدى الطويل إلى سوء التغذية؛ ومن المعروف أن إدرار الحليب والقيام بالرضاعة الطبيعية يتطلبان مزيداً من الطاقة من الجسم.
وبشكل عام، تنتج المرأة حليباً يتكيف مع احتياجات طفلها من حيث الجودة والكمية. وحتى بين النساء المصابات بسوء التغذية المعتدل، فإن كمية الحليب ونوعيته قد تكونان قليلتين أو لا تتأثران على الإطلاق.
لذلك، حتى لو تناولت الأم كمية قليلة من الطعام في اليوم، فإن كمية حليبها ونوعيته لا تتأثران. ويدعم الجسم إنتاج الحليب، من خلال الاعتماد على احتياطيات الأم، إذا لزم الأمر، إذا لم يكن العرض كافياً.
ومع ذلك، تظل الرضاعة الطبيعية هي الخيار الموصى به والأكثر فائدة للطفل والأم، حتى لو لم يكن النظام الغذائي للأم مثالياً.
سوء التغذية الحاد للأم وتأثيره على سلامة الطفل
أما عندما يُحرم الجسم يومياً من كمية كبيرة من الطاقة (1500 سعرة حرارية على الأقل يومياً)، يتضاءل إنتاج حليب الثدي.
كذلك فإنّ نقص بعض الفيتامينات لدى الأم من شأنه أن يؤثر على الجودة الغذائية لحليب الثدي، مثل فيتامينات "ب، أ، ج، د" الموجودة في حليب الثدي والتي تتأثر بشكل أساسي بالنظام الغذائي للأم.
ويُعتبر أي نقص في هذه الفيتامينات أمراً مثيراً للقلق بالنسبة للأمهات المرضعات، وذلك لأن الطفل الذي يرضع طبيعياً بشكل حصري سيظهر عليه نقص فيها أيضاً، ومن ثم يصبح الطفل عرضة لخطر المشاكل العصبية والهيكل العظمي، فضلاً عن تأخر النمو.