كتربوية متخصصة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة قابلت العديد من الأسر والعائلات المختلفة لأطفال عاديين أو ذوي احتياج خاص، وكانت ردود الأفعال من أسر الطفل العادي تجاه صديقهم ذوي الاحتياجات الخاصة دائماً متباينة، فهناك أسر تتقبل وجود الطفل وتعرف كيف تتعامل معه وتوجه صغيرها بشكل سليم لطرق التعامل مع صديقه ذي الاحتياج الخاص، وهناك أسر كانت تخشى أن يتواجد طفلها معه في نفس المكان خشية التأثر بسلوكيات صديقنا ذي الاحتياج الخاص، أو خشية العدوى بذات الإعاقة -كما قد يعتقد البعض- وهذا يدل على مدى احتياجنا الكبير لنشر التوعية الاجتماعية بين الأسر والأفراد عن أصدقائنا هؤلاء، من حيث التعريف بهم وبحقوقهم وطرق التعامل معهم، فدائماً الإنسان عدو ما يجهله، وبالتوعية والمعرفة السليمة تُزال غمامة الجهل، ولأن الموضوع كبير وله تفرعات كثيرة فكان لابد أن نبدأ بعماد الأسرة وهي "الأم"، ونساعدها في توجيه طفلها لكيفية التعامل السليم مع صديقه في هذه الحالة، وهذا ما سنطرحه في مقالنا الحالي، فهيا بنا.
من هم الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة؟
في البداية يجب عليكِ كأم أن تعرّفي صغيرك عن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وتشرحي له من هم، ما هي فئاتهم، وسبب كونهم كذلك، وهذا على سبيل قصة أو مشاهدة فيديو تعليمي يناسب عمرهم، أو باتباع أسلوب النقاش والمحاورة معه، وذلك حسب ما يناسب عمره، وسأقوم بمساعدتك في الإجابة على هذا التساؤل.
لقد خلق الله تعالى البشر على مستوياتٍ مختلفةٍ من الصحة والقدرات، وجعل كلاً منهم يحتاج إلى الآخر، وتم إطلاق مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة على من يفتقدون لإحدى الحواس التي تؤثر في حياتهم، بدلاً من لفظ المعاقين لما له من أثرٍ سلبي عليهم، وزاد الاهتمام بهذه الفئة المحرومة من الأشخاص في الآونة الأخيرة، ولجأت الكثير من الدول إلى تخصيص منظّماتٍ خاصةٍ بهم بحيث تراعي شؤونهم وتلبي احتياجاتهم على رأسها الأمم المتحدة.
فقديماً كان يُنظر إلى مثل هؤلاء الأشخاص بنظرةٍ غير جيدة، ويحاول الكثير تجنبهم وهناك من الأهالي من كانوا يحبسون أبناءهم؛ لذلك لم يجدوا فرصةً لهم لممارسة حياتهم بشكلٍ طبيعي، ولكن مع زيادة تسليط الضوء عليهم أصبحوا يمارسون حياتهم كالأصحاء ويحصلون على حقوقهم كاملةً، فقد أصدرت الأمم المتحدة المواثيق التي تضمن حمايتهم وتأمين سبل الحياة الكريمة لهم، من حيث حقهم الطبيعي في الاستمتاع بالحياة كالأشخاص الأصحاء.
إذاً فذوو الاحتياجات الخاصة هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى معاملةٍ خاصةٍ للقدرة على استيعاب ما يدور حولهم؛ بسبب إصابتهم بنوعٍ من الإعاقات التي تعيق قدرتهم على التأقلم مع الأمور كما الأشخاص الأصحاء، ولا يستطيع هؤلاء الأشخاص التعلّم في المدارس العادية، وإنما يحتاجون إلى أدواتٍ خاصةٍ وطرق خاصة تتناسب مع قدراتهم، ويعاني أصحاب الاحتياجات الخاصة من الإعاقات، منها السمعية أو البصرية، وتأخر النمو العقلي الذي قد يسبب بطء التعلّم، والاضطرابات السلوكية، والإعاقات النفسيّة، والاضطرابات اللغويّة وغيرها من الإصابات، فالمعاقون يُدرجون كفئةٍ من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى أن الأشخاص المتفوقين عقلياً المتسمين بالذكاء المرتفع يعدون ذوي احتياج خاص! وذلك لأنهم يحتاجون أيضاً إلى طرق خاصة في التربية والتعامل والرعاية لهم، إذن عزيزي نستطيع أن نستنبط أنهم ليسوا فقط أصحاب الخلل أو القصور وإنما أيضاً أصحاب القدرات المرتفعة، وجميعنا نعد ذوي احتياجات نظراً للفروق الفردية بيننا، والتي تتطلب أن يتم التعامل مع كلٍّ منا بما يناسبه وحده، ولكن لأنه تجمعنا مظلة اجتماعية تشمل فئات متعددة، فإننا لابد أن نتعامل مع كل فئة بشكل عام أولاً مع الأخذ بعين الاعتبار إدراكنا لمفهوم الفروق الفردية بيننا.
هل يمكن أن يتأثر طفلي بسلوكيات صديقه من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
تخشى الكثير من الأمهات من تأثر طفلها بسلوكيات صديقه ذي الاحتياج الخاص وتقليده له، وقد تخشى بعض الأمهات أن يقل ذكاء طفلها أو يتأثر لغوياً أو نفسياً نتيجة اندماجه مع أصدقائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتتطلب أن يتلقى الدروس أو الأنشطة بشكل منفصل عنهم وإن كان الطفل من المتفوقين أو الموهوبين، فإنها أيضاً تجده قد يؤثر سلباً على طفلها نظراً للفروق بين الإمكانات بين الطفلين مما يصيبها وطفلها بالإحباط.
هذه التخوفات في الحقيقة ليس لها أساس علمي صحيح، وإنما مرجعها الأساسي هو عدم وعي الأم بتلك الفئات وكيفية التعامل معها وبالتالي هي تخشى وتَحذر مما تجهله، وتنقل هذا الخوف لطفلها الذي يحب أصدقاءه ويتعامل معهم بفطرته النقية كطفل، فتوجهه للبعد عنهم والحذر منهم بدلاً من تقبلهم ومشاركتهم الأنشطة ومعرفة كيف يتعامل معهم بشكل سليم.
لذلك وجب التنويه بأن الإعاقة لا تنتقل بالتعاملات الاجتماعية، فهي ليست فيروساً يتطاير بالهواء، والطفل المصاب باضطرابات اللغة والكلام أيضاً لن يصيب طفلك بها، فهي ترجع لأسباب مختلفة منها الوراثة، التأثر قد يحدث فقط كنوع من أنواع التقليد للآخرين الذي يفعله الطفل، وهذا أمر طبيعي للغاية.
التدخل التربوي هنا يكون باتباع أساليب تعديل السلوك للطفل وتوجيهه وتعليمه سلوكيات بديلة وطرق تعامل صحيحة بدلاً من الخوف وعزل الطفل عنهم وحرمانه من التعامل معهم أو احتقارهم وإشعارهم بالنقص والدونية، أو إشعار طفلك بالاستعلاء وأنه فوق الجميع، فهذا أسلوب تربوي خاطئ جداً له توابعه السلبية على شخصية طفلك والتي ستكونين أول من يعاني منها كأم، فاحذري.
كيف يجب أن يتعامل طفلي مع صديقه من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
هناك عدة طرق تربوية يمكنك أن توجهي طفلك لها للتعامل مع صديقه من ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل مقبول اجتماعياً وتربوياً، وهي كالتالي:
– تقبّل الطفل كما هو وتعليمه أنّ الكرامة الإنسانية لا تتأثّر بوجود الإعاقات لدى الإنسان.
– النظر إليهم بالطريقة التي يودّون من الآخرين رؤيتهم بها، مع مراعاة احتياجاتهم والاستماع لهم.
– التعرّف على نقاط القوة لديهم، ثمّ تشجيعهم على إظهار مواهبهم، والتعامل معهم بذات الطريقة التي يتم التعامل بها مع أندادهم الطبيعيّين.
– التكلّم مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بذات الطريقة التي يتمّ بها التحدث مع أي طفل طبيعي آخر، دون استخدام أيّ تعبيرات طفولية أو نبرة صوت غير مناسبة معهم.
– إتاحة المجال أمامهم من أجل مساندة من حولهم من الأشخاص؛ سواء كان ذلك باحتضان إنسان محتاج للعاطفة، أو تقديم المساعدة في حال احتاج أحدهم إلى مساعدة في حلّ الواجبات المدرسيّة.
– عدم الخوف من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لأنّ وجود إعاقةٍ ما لا يعني أنّ الأمر مُخيف. التعامل معهم بطريقة طبيعيّة؛ وذلك لأنّ بعض الأطفال والمراهقين يشكون أنّ لديهم شعوراً غير واثق تجاه إعاقتهم، لذا يجب التعامل معهم بشكل هادئ وطبيعي.
– دعوة الطفل للتعرف على أطفال آخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعريفه على قصصهم، ممّا يُساهم في إشعاره بأنّ الحياة الجيدة ممكنة مع وجود إعاقة.
– علمي طفلك أن الطفل من ذوي الاحتياجات هو في النهاية طفل، يحتاج إلى مساعدته، وهو ما يجعل طفلك يشعر بالمسؤولية تجاهه ويساعده بالفعل.
– علمي طفلك أن يخترع ويطرح بعض الأنشطة الجديدة التي يمكن أن يمارسها مع ذوي الاحتياجات وتتوفر فيها تكافؤ الفرص بينهما، كالرسم واللعب والتلوين.
– علمي طفلك أن يكون أكثر هدوءاً مع ذوي الاحتياجات ويستوعبهم.
– اعرضي على طفلك فكرة أن يساعد صديقه بأن يتحدث ببطء مثله إذا كان يعانى من تلعثم، ولا يتفاخر بمهاراته أمام الطفل من ذوي الاحتياجات.
– أخبريه أن يظهر الابتسامة عند التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
– علمي طفلك تجنّب التحديق أو إظهار أي ردّ فعل عند رؤية أي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لتجنّب إحراجه.
– علمي طفلك أن عليه سؤال ذوي الاحتياجات الخاصة في حال حاجتهم إلى المساعدة، وتجنّب أخذ زمام المُبادرة دون عِلمهم، لئلا يشعروا بالشفقة.
– يجب التحدث مع ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل إيجابيّ، والابتعاد تماماً عن التذمر أو التحدث عن المشاكل الخاصة.
– لو كان صديق طفلك من ذوي الإعاقات السمعيّة، فيجب التربيت على كتفه من أجل لفت انتباهه، ثمّ التحدث معه بتمهّلٍ وبشكل واضح.
– أما إن كان صديق طفلك من المُقعَدين، فيجب الجلوس عند التحدث معه، وذلك ليكون المُتحدِث على مستوى الشخص المُقعَد.
– إن كان الطفل من ذوي الإعاقات البصرية، فمن الأفضل لمس يده ليعرف أنّ هناك من يتحدّث معه، ويُفضَّل وصف المكان الذي يتمّ التواجد فيه، مع ذكر أسماء الأشخاص الموجودين هناك.
– تقديم المساعدة لهم، وتجنب التنمر والسخرية منهم حفاظاً على نفسيتهم.
– يجب مناداة الطفل باسمه أو أحب الألقاب إليه والبعد تماما عن الألقاب التي ترتبط بالقصور لديه أو التنمر عليه.
– يمكنك إخبار طفلك بقصص الملهمين الناجحين من ذوي الهمم ليتعلم أنهم قادرون على الحياة والتحدي، ويمكن لطفلك أن يخبر صديقه من ذوي الهمم بتلك القصص ليشاركه وجدانياً ويشجعه على النجاح في الحياة بهذا الدعم النفسي.
كيف أساعد طفلي ليكون نموذجاً فعالاً في المجتمع للتوعية بذوي الاحتياجات الخاصة؟
– يمكن لطفلك أن يشارك أصدقاءه بما تعلَّمه عن ذوي الاحتياجات الخاصة عبر تدريبه على الإلقاء أو الأداء لمشهد تمثيلي أو قصة أو مسرح عرائس حسب ما يمتلكه من مواهب يمكن تنميتها واستخدامها في تلك النشاطات.
– يمكن مساعدته في تصميم مجلة حائط توعوية تعلق بالبيت أو المدرسة أو النادي تحت إشراف المختصين.
– يمكن مساعدة طفلك أيضاً في عمل فيديو يناسب الأطفال بعمره يخبرهم بطرق التعامل معهم وحبهم وتقبلهم.
– عقد زيارات ميدانية لمراكز ذوي الاحتياجات الخاصة وتنظيمها بالتعاون مع بقية أصدقائه وتنسيق المهام المنوط بهم القيام بها، والسماح لهم بالمشاركة في الإعداد المسبق لهذه الزيارة من شراء ألعاب وهدايا لأصدقائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
– يمكن تقديم مشاهد تمثيلية وتطبيقها في الحياة اليومية عن استشعار النعم وأهميتها في حياتنا والشعور بأصدقائنا الذين حرموا منها وكيف يمكن تعويض ذلك أو التفكير بحلول بديلة وإبداعية لتلافي هذا القصور.
ختاماً.. علينا دائماً أن نتحلى بالشجاعة والحب ونعلم ذلك لأطفالنا، ننقل لهم كيف نتقبل الآخر ونحترمه ونتعامل معه بما يناسبه، ونطرح سؤالاً مهماً على أذهاننا بشكل يومي: "ماذا لو كنا مكانه من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ كيف نحب أن يتعامل معنا الآخرون؟"، أعظم شيء قد تقدمه للبشرية هو أن تنشئ طفلاً يتسم بالإنسانية، يحب ويرحم ويتقبل كل البشر وليس فئة معينة فقط، فالعالم لا يحتاج المزيد من البشر بقدر حاجته إلى الإنسانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.