نعم هي مهمة النساء منذ تطور البشرية، لكنها ليست مهمة سهلة، على الأقل عند المرة الأولى. فالأمومة للمرة الأولى تجربة تغيّر الواقع كما تعرفه المرأة؛ ما قبل الحمل والولادة يختلف كلياً عما بعده.
في الزمن الحالي، بمجرد أن تعرف المرأة أنها حامل لعل أول ما تلجأ إليه هو مواقع الإنترنت المتخصصة بالحمل والولادة، إلى جانب الأمهات المخضرمات في محيطها الاجتماعي كأمها أو شقيقتها أو صديقتها. تحصل على الدعم والطمأنينة ممن سبقتها إلى التجربة لتتحضر نفسياً لما سيحصل.
ولكن ماذا كانت تفعل الأمهات الحوامل قبل الإنترنت والتواصل اليومي والكم الهائل من الدراسات؟
معتقدات الأمومة عبر التاريخ
التنبؤ بجنس الجنين
بينما يمكن التعرف حالياً على جنس الجنين من خلال تصوير الرحم بالموجات ما فوق الصوتية ما بعد مرور 4 أشهر على الحمل، فكانت أمهات الماضي يلجأن لإشارات غير عادية لمعرفة هذا اللغز.
– تناول طعام دافئ عند اقتراب الولادة يزيد من فرص إنجاب ذكر
– تناول الطعام البارد يعني إنجاب أنثى
– ساد اعتقاد بأن البطن المرتفع يعني الحمل بذكر
– إذا كان ثدي المرأة الأيمن صلباً بعض الشيء فهذا يعني أنها حامل بذكر
– الجهة اليسرى تعني أنثى
كما ساد اعتقاد بأن المرأة الشابة ستحمل بذكور، بعكس المرأة الأكبر سناً التي تزيد فرص حملها بإناث، وذلك في مجتمع كان يفضل الذكور على الإناث.
أما في المجتمعات العربية فكان تحديد جنس الجنين يرتبط بحسن إطلالة الحامل، فلو ازدادت رونقاً وجمالاً فمعناه أنها حامل بذكر، أما إذا تدهور صحة بشرتها وكبر منخارها وشفتاها فهذا يعني أنها حامل بأنثى.
وبالطبع لا يوجد دليل علمي على هذه الافتراضات.
ومن المعتقدات الأخرى الشائعة أيضاً أنها لو وقعت على مؤخرتها فهذا يعني أنها حامل بأنثى، أما إذا وقعت إلى الأمام فهذا يعني أنها حامل بذكر!
النوم والطعام
يعود تاريخ استخدام الدليل للأمهات الجدد إلى القرن الثامن عشر، وتحديداً في كتاب للمؤلفة جاين شارب يدعى "The Midwives Book" أو "كتاب القابلات".
في هذا الكتاب المؤلف من 400 صفحة، تنصح جاين الأمهات الجدد بما يلي على سبيل المثال:
– لا تدعي طفلك مستيقظاً أكثر مما يريد
– استخدمي طرقاً تساعده على النوم كهزّه في المهد أو الغناء
– احملي طفلك بين يديك بصورة متكررة وارقصي معه قليلاً
– لا تدعيه يرضع الكثير من الحليب دفعة واحدة، بل قليلاً من الحليب على مرات متعددة
– لا تستخدمي الثدي نفسه عند الرضاعة كل مرة
كان المتوقع من المرأة الإنجليزية مثلاً في القرن السابع عشر أن تبقى متأهبة وتستجيب لرغبات طفلها بمجرد بكائه.
بالنسبة للبكاء، كان بعض البكاء جيداً للرئتين ونمو الدماغ، لكن البكاء المستمر دليل لمشكلة ما، إذ ساد اعتقاد أن الرضيع قد "يتعرض للكسر في بطن بسبب إجهاده" من البكاء.
وهو ما سيتغير لاحقاً مع تغير دور المرأة ومساهمتها في سوق العمل بعد بضعة قرون.
الرضاعة والنوم بمواعيد أو على الطلب؟
في ستينيات القرن الماضي، اقتحمت المرأة سوق العمل بقوة، فكانت الأمومة تزيد من الضغوط الحياتية عليها، وبدأ وقتها مفهوم جدولة الرضعات والنوم في محاولة منها لتنظيم حياتها.
لكن التاريخ المنقول شفهياً لما كانت تعتمده الأمهات في السابق، كانت الأم للمرة الأولى متأهبة لبكاء رضيعها أكثر من المرة الثانية ثم الثالثة وما يلي.
فبعد ولادة الطفل الثاني، تكون الأم أكثر استرخاءً وأقل توتراً وسرعة في الاستجابة لبكاء الطفل، وهو ما يشبه إلى حد بعيد ما تختبره الأمهات في عصرنا الحالي.
العودة إلى العمل
في مجتمعات السكان الأصليين في أمريكا، تشير الموروثات الشعبية إلى أن الأم التي ولدت طفلها حديثاً لا تشارك في أعمال القبيلة التي تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً، لكن ذلك لا يمنعها من المشاركة بالمهام اليومية البسيطة كالطبخ.
أما في بريطانيا مثلاً، فكان من المعتاد في سبعينات القرن الماضي أن ترتاح المرأة في منزلها بعد الولادة لفترة من الزمن، بينما يستمر الرجل في العمل وتأمين متطلبات العائلة.
أما في المجتمعات العربية، فكانت فترة النفاس تستمر لمدة 40 يوماً، وبمجرد استعادة الأم عافيتها قليلاً تعاود الأعمال المنزلية بمساعدة نساء العائلة المقربات، مع الإشارة إلى منعها مثلاً عن لمس المخللات أو المساهمة في إعدادها.
لذا، فقد خضع معنى وواجبات الأم إلى تحول كبير خلال القرون الماضية، وتحديداً منذ منتصف القرن العشرين، لكن ما لم يتغير قط هو غريزة الأم.
وبطبيعة الحال سيواجه كل جيل من الآباء صراعات فريدة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي حين قد تتغير فلسفات والأمومة، يبقى الهدف المطلق هو تربية أناس صالحين.
ومثل الأمهات اللواتي من قبلنا، سنواصل بذل قصارى جهدنا، أليس كذلك؟