إذا كنتِ زوجة جديدة وقررتي تأخير الإنجاب لبعض الوقت فغالباً ما ستسمعين بعضاً من هذه الجمل الشهيرة، أما إذا كنت أماً لطفل واحد فقط واتخذتِ قراراً بتأجيل الحمل الثاني فستتغير تلك الجمل إلى: "مش ناويه تخاويه بقا؟ هاتيهم ورا بعض مرة واحدة واخلصي…".
البعض يُسمعكِ هذه الجمل بنيّة طيبة، لكنها بالتأكيد تفتقر للوعي والمعرفة بمدى استعدادك لاستقبال مولود جديد أم لا، لذا عليكِ أن تتعلمي كيفية التعامل معها وكيفية الرد عليها بأفضل الطرق التي تحافظين بها على حياتك الخاصة وسوائك النفسي، فوعي ومعرفة الزوجين بما يتطلبه إنجاب طفل هو الطريق الذي سيرشدكِ إلى الوقت المناسب لاتخاذ قرار (الخلفة).
1. هل ما لديكما من معلومات عن الأبوة كافٍ؟
ما الهدف من إنجاب الطفل؟ هل فكرتما بذلك؟ هل تحدثتما معاً بهذا الشأن؟ هل هناك أهمية ورغبة مشتركة أن يكون لديكما طفل؟ هل تشتاقين إلى ضم طفلك بين ذراعيك أم أنك تستنكرين الفكرة ولا ترغبين بها؟ عندما يكبر ذلك الطفل ويغضب منكما ذات مرة ويسأل لماذا أنجبتماني؟! فهل سيكون لديكما جواب واضح وقاطع أم ستقفان وقتها لتفكّرا بالأمر أم أنكما ستستنكران أن يكون ذلك سؤالاً من الأساس؟
هل تعلمتما شيئاً عن مسؤولية الأب والأم؟ هل قرأتما كتاباً حول تربية الأطفال؟ هل حضرتما محاضرة تتحدث عن ذلك؟ هل التحقتما بدورة تعليمية تؤهلكما لهذا الدور؟ هل لديكما معلومات صحيحة من مصدر موثوق أم أنها مستقاة من نصائح كل من تعرفونه أياً كان؟ هل تعرف دورك كأب وتعرفين دوركِ كأم؟ أم ستسيران على خطى آبائكم وأجدادكم في الصواب والخطأ؟ هل ستربيان طفلكما معاً أم هل ستربيه الأم وحدها، أم هل ستتركان هذا العبء لتربيه دور الحضانات ورعاية الأطفال؟
2. هل تعرفتما أولاً على الهرمونات؟
إن تلك الحالة الجنونية لزوجتك التي تصاحب الدورة الشهرية ناتجة عن تغير معدل ضخ الهرمونات في جسدها؟ وهل تعلم أيضاً أن تلك الهرمونات تنتج بكثرة خلال فترة الحمل، وأن هناك وحشاً يدعى هرمون الحمل يجعل تلك المرأة التي تعيش معها وتعرف عاداتها كأنك لم ترها من قبل في حياتك فتصبح أحياناً شرسة وعنيفة وتتصيد لك الأخطاء لتنفجر فيمن حولها، وأحياناً أخرى تحدثها حديثاً عادياً فتنهمر في بكاء حاد لا تدري يا مسكين ماذا فعلت في دنياك لترى كل هذا البكاء والنكد؟ وهل تعلم أن كل ما يتطلبه الأمر منك هو معرفة أن كل هذا ما هو إلا عرض زائل سيزول بعد فترة من الولادة وستعود زوجتك إلى سابق عهدها ولكنها تحتاج منك إلى التقبل والاحتواء، فعندما تحتضنها وتضع يدك على شعرها وتخبرها بأنك تشعر بها وأنك إلى جوارها سيهدأ البركان وسيتحول الوحش إلى قط وديع مسالم يختبئ بين ثنايا ذراعيك ليحتمي من كل تلك التغيرات التي تعصف بكيانه.
هرمونات الحمل يمكن أن يصاحبها ما يسمى اكتئاب الحمل -في بعض الحالات- ويجب عليك معرفة بعض المعلومات عنه وطلب الدعم من زوجك ومن طبيبتك وأصدقائك وأهلك لتخرجي من تلك المرحلة بسلام، لأنه إن تُرك الأمر دون دعم فقد يصل إلى مراحل سيئة من الاكتئاب قد تؤذي بها نفسك وطفلك، فيجب أن تكوني على وعي بذلك وتحصلي على الدعم الكامل لمواجهته.
3. هل أنتما على استعداد للتضحية؟
هل أنتَ مستعد لأن تدخل منزلك فلا تجد لك طعاماً جاهزاً ثم تتفاجأ بأنك أنت من سيحضر الطعام لك ولزوجتك لأنها تحمل طفلاً في أحشائها يجعلها هَزِلة وضعيفة ولم تستطع تحمل إعداد الطعام؟ أم هل ستثور ثائرتك وتخبرها بأن من واجباتها كزوجة أن تحضر الطعام لزوجها؟ هل أنتَ مستعد لإلغاء مواعيدك مع أصدقائك من أجل اصطحاب زوجتك لعيادة الطبيب لتتابع معها تطور جنينكما والحالة الصحية للأم أم أنك سترسلها في كل مرة مع والدتها أو إحدى أخواتها أو حتى بمفردها فذلك ليس من أولوياتك؟! وبعد أن تضع مولودكما هل ستحمله عنها لتنام هي قليلاً أم ستترك لها الغرفة لتنعم بنوم عميق في غرفة الضيوف حتى لا يزعجك صوت بكاء الصغير؟ هل أنتَ مستعد لتلقي مكالمة زوجتك في وقت عملك وهي تبكي وتطلب منك أن تأتي الآن إلى المنزل لأنها لم تعد تستطيع التحمل وحدها؟ هل ستقوم بتهدئتها وتخبرها أنك إلى جوارها أم ستخبرها بأنك لست متفرغاً لتلك التفاهات وأن كل النساء يحملن وينجبن؟
هل أنتِ مستعدة لأن تقومي بتعديل وترتيب أولوياتك واهتماماتك التي سيتعطل معظمها -بعض الوقت- بمجرد علمك بالحمل لأن هناك طفلاً قادماً إلى العالم يحتاج منك أن تحافظي عليه وتعتني به؟هل أنتِ مستعدة لتغيير عاداتك الغذائية بما يتناسب مع صحة جنينك؟ هل ستتقبلين التغيرات التي تحدث لجسدك برضا لأنها ضريبة الأمومة وتعتبرينها جزءاً من الرحلة والهبة أم هل ستنقمين على حملك الذي جعلك بهذا الحجم والشكل؟ هل أنتِ مستعدة أن تتركي عملك أو تؤجلي طموحك العملي -في بعض الحالات- إذا تطلب الأمر أن ترتاحي لتحافظي على جنينك، أم هل ستلومين ذلك الطفل على توقف مسيرتك المهنية التي كانت مشرقة قبل مجيئه؟ وهل ستضعينه في حضانة أطفال بعد ولادته بشهر لتتفرغي لعملك، أم أنك تعلمين أن من أول واجباتك كأم هو تربية طفلك والعناية به وألا شيء سيحقق لك ذاتك وسعادتك إن لم تحققي ذلك مع طفلك أولاً؟ هل ستعطينه حقه في الرضاعة الطبيعية التي يستحقها أم أنه لا وقت لديك لتلك الرفاهيات!
4. إنجاب الطفل الثاني: هل تأكدت من استعداد طفلك أولاً؟
إذا كان لديكما طفل وتخططان لإنجاب طفل آخر فلابد من مراعاة مدى استعداد الطفل الأول لقدوم وافد جديد للأسرة، فمثلاً عندما يكون لديك طفل يمر بمرحلة خلع الحفاض فسوف يؤثر حملك الجديد سلباً على مرور تلك المرحلة بسلام وسيزيد من المدة اللازمة لخلع الحفاض وستسوء حالتك وحالة طفلك النفسية، فأنت متلهفة لخلع الحفاض قبل قدوم الطفل الجديد وستضغطين عليه وعلى نفسك دون وعي، ويمكنك القياس على هذا الأمر باستعداد طفلك الأول لتناول طعامه أو ارتداء ملابسه بمفرده دون مساعدتك، من سيلبي احتياجاته في أول شهور حملك والتي غالباً ما تأتي بحالة من الإعياء والانزعاج المصاحب لتغير الهرمونات في جسدك، من سيأخذ طفلك إلى مدرسته أو أماكن دروسه، أم هل قمت بالاستعداد وتوفير بعض الأنشطة في منزلك لينشغل بها في تلك الأيام التي لن تستطيعي فيها النهوض من السرير؟
وإذا كان طفلك في سن تسمح لك بمناقشة الأمر فيجب التحدث إليه حول الحمل وماهيته وإشراكه في المهام اليومية لمساعدتك في المرور من تلك المرحلة بسلام ، فالأطفال دائماً ما ينزعجون عندما يفاجأون بالأشياء فهم يفضلون معرفة الأمور والاستعداد لها بخطوات تدريجية بدلاً من معرفة الأمر على حين غرة ما يسبب لهم الارتباك وتغير السلوك، وإذا لم تكن الأم على استعداد لذلك مع طفلها الأكبر فستبدأ مرحلة من الصراع والغيرة والعناد بعد قدوم الطفل الجديد.
5. هل لديكِ قنوات للدعم؟
عليكِ أن تفكري عزيزتي مراراً وتكراراً في تلك النقطة بالتحديد، فالحمل والولادة وما يصاحبهما من مهام ومسؤوليات يحتاج إلى تواجد قنوات داعمة للأم، فما هو الدعم المتاح لديك لتمري من تلك المرحلة بسلام؟ هل لديك زوج متعاون ستتشاركان معاً تلك المرحلة بكل ما فيها أم أنك ستحملين كل شيء على عاتقك وحدك؟ هل لديك صديقة داعمة تستطيعين أن تلجئي إليها لتفرغي عن كاهلك قليلاً ولو بالحديث؟ هل لديك أم أو أخت يسكنان إلى جوارك وتستطيعان الوصول إليك سريعاً إذا تطلب الأمر؟ هل علاقتك بجارتك جيدة فيمكنك طلب الدعم منها في بعض الأوقات؟ هل لديك طبيبة متفهمة تستطيعين التحدث إليها والبوح بما يجول في خاطرك؟ هل هناك من سيكون معك للدعم خلال الحمل والولادة؟ بالطبع لن تحصلي على كل تلك الأنواع من الدعم كاملة، ولكن لابد من توافر بعضها فسوف تحتاجين على الأقل إلى اثنين أو ثلاثة من قنوات الدعم السابقة، فحاولي توفير أقصى دعم ممكن قبل الشروع في تلك الخطوة، اطلبي من طبيبتك أن تستمع إليك وتناقشا حول كل مخاوفك، واطلبي من زوجك أن يجلس وأن يحتضنك ويطمئنك وأن يتواجد إلى جوارك عندما تنتابك نوبة البكاء اليومية المصاحبة لتقلب الهرمونات، لا تنتظري أن يدعمك أحد دون أن تطلبي ذلك، ساعدي نفسك حتى يساعدوك واطلبي وتعلمي أن تعتني بنفسك ومتطلباتك ليعتني بك الآخرون، فأنت وطفلك تستحقان الدعم والاحتواء وستحتاجان إلى الكثير حتى تمر المرحلة بسلام.
لا تنجرفي حول ما يريده الآخرون لحياتك وفكّري بما تريدينه وبما تستطيعين فعله، تحدثي مع زوجك كثيراً وتناقشا كثيراً حول أولوياتكما وما يتطلبه الأمر منكما ولا تحضرا طفلاً للعالم لستما على استعداد له، فما أكثر المشوهين في هذا العالم، لا تجعلي طفلك واحداً منهم، فحقه عليك هو الحب والاحتواء والرعاية والأمان، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كنتما مستعدان لإعطائه ما يستحق.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.