من الجميل أن تكون لك أُم تحرص على الاطمئنان عليك في كل وقت، تجهز لك الأطباق التي تحبها دون أن تطلبها، ترافقك دعواتها في كل مكان، تفتح لك حضنها متى أردت، تنام على ركبتها متى شئت، تحكي لها همومك وأنت تعلم أنها لن تضجر، تقول لها طرائفك المملة فتضحك، فقط لأنك أنت مَن تسردها.
أما الأم فسعادتها تكمن في أن ترى فلذات أكبادها سعداء لا ينقصهم شيء، تتحمل فترة الحمل بوهنها، ثم آلام الولادة التي لا يضاهيها أي ألم، تسهر مع صغيرها إلى أن يصبح أباً أو أماً، تطبخ وتغسل، تعمل وتربِّي، ترعى وتدرس، سواء كانت عاملة أو ربة بيت، متعلّمة أو أمية.
تعطي كلَّ طاقتها وقوتها لأبناء تنسى حياتها، أو بالأحرى ترى أنها خُلقت من أجلهم، حتى لو ألمَّ بها تعب، تحايلت عليه لكي لا تشغل بالهم، تجعل من نفسها بؤرة للأمان لهم حتى لو كان الخوف يسكنها، تدفئهم حتى لو كان البرد ينخر في عامها.
يستحيل وصف تضحيات الأم، فهي الشخص الوحيد الذي يعطي دون أن ينتظر شيئاً من أحد.
بعد كل هذا السخاء الذي رأيته من أمي فكّرت ملياً أنني لا أريد أن أصبح مستقبلاً بهذا السخاء مع أبنائي، لن أجعل حياتي ملكاً لهم، سأعطي لأسرتي ثلثي وقتي وسأحتفظ بالثلث الآخر لي.
صارحت أمي بما يجول في عقلي، فقالت وهي تبتسم أنني لن أستطيع.
لا أعلم لما يبدو الأمر بهذا الحجم، ماذا سيحدث إن أصبحت الأمهات أنانيات قليلاً، لو أصبحت الأم تفكر في صحتها بقدر ما تفكر في تحضير الغذاء وكيّ الملابس، ماذا لو أصبحت الأم تحكي عن مخاوفها وأحزانها بقدر ما يفضفض به أبناؤها لها، ماذا لو أصبحت الأم تخرج للفُسح بقدر ما يخرج إليها أولادها، ماذا لو قررت هذه الأم ألا تُحضر الطعام في البيت لمدة أسبوع كامل كعطلة لها، لن يحصل شيء إن فكرت الأم في نفسها وصحتها وسعادتها بنفس المقدار الذي تفكر فيه في فلذات أكبادها.
قبل فترة سافرت إحدى المؤثّرات في مواقع التواصل الاجتماعي إلى إحدى الدول لقضاء عطلتها، وتركت صغارها الثلاثة مع أمها وحماتها، لتجد نفسها أمام هجوم شرس من متابعيها، والسبب أنها سافرت وتركت صغارها، وأنها أم بلا رحمة. والحقيقة أن هذا الهجوم من وجهة نظري كان سببه الرئيسي أن هؤلاء الأمهات هاجمَنها لأنهنَّ لم يستطعن أن يتحكمن في عاطفتهن بالطريقة الصحيحة، فاستسلمن لها، وسلمن حياتهن لأبنائهن، ونسين أن يعشن حياتهن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.