ستتمكَّن النساء في السعودية من قيادة السيارة قريباً، في خطوةٍ هي الأبرز نحو نيل حيّز من الحرية في دولةٍ، تُعتبر من أكثر دول العالم محافظة.
ففي 24 يونيو/ حزيران 2018، ولأول مرّةٍ في تاريخ المملكة العربية السعودية، سيُسمح للنساء أخيراً بقيادة السيارة. ويُعتبر هذا الإصلاح أحد أشكال الحداثة في السعودية، التي يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى إبرازها. واستعداداً لاستلام النساء مقود السيارة، تمّ افتتاح 5 مدارس لتعليم القيادة مخصَّصة للنساء في جميع أنحاء المملكة.
ففي العاصمة الرياض، إحدى مدارس تعليم القيادة ستكون داخل جامعة الأميرة نورة للبنات، حيث سُجّل فيها ما يقارب 50 ألف طالبة. وفي المكان المخصَّص للتدريب والمجهّز بأجهزة استشعار على الأرض، تمّ توفير 350 سيارة من نوع "تويوتا" على ذمّة الطالبات.
وذكرت مديرة مدرسة تعليم القيادة، عنود آل الشيخ، أن "هذا الحلم يراود النساء طيلة الحياة، وها هو الآن يصبح حقيقة". وقد تحصلت عنود آل الشيخ على رخصة قيادتها عندما كانت تقيم في الولايات المتحدة، إلا أنه ليس لها حق قيادة السيارة في بلدها.
كما قالت طالبة في الطب (22 سنة) ضاحكةً "هذا سيكلّفني أقلّ من التكاليف التي أنفقها على سيارات الأجرة". وعلى الرغم من أن جسد هذه الطالبة كان مغطى بأكمله بعباءة سوداء، إلا أنها لم تتردَّد في الحديث مع صحافي أجنبي ووجهها مكشوف، قائلة "تصبح الحياة معقدة عندما لا يتمتع المرء بالاستقلالية. أنا أريد فعلاً أن أذهب إلى الجامعة في السيارة، وأن يصبح بإمكاني الذهاب إلى العمل دون الاعتماد على السائقين. ورغم التغيير المتواضع الذي يطرأ على المجتمع، إلا أنه ينطوي على أهمية عالية بالنسبة لمجتمعنا".
نسبة النجاح 80 بالمائة
تشهد هذه الدولة، البالغ تعداد سكانها 32 مليون نسمة، نقلة نوعية لاسيما أنها من آخر بلدان العالم التي تمنع النساء من قيادة السيارة، ولطالما مُنعت النساء السعوديات من اقتحام الحياة اليومية والعامة في المملكة. وبحسب موقع Le Point الفرنسي، فإن اللواتي خرجن إلى العمل، فهنّ إما في قطاع التعليم أو في القطاع الطبي. ولكن التنمية الاقتصادية، ونية الحكومية في الحدّ من الاعتماد على اليد العاملة الأجنبية، تتطلب في الوقت الحاضر من جميع السعوديين اقتحام سوق العمل، بما في ذلك النساء. وتُمنح نسبة 65 بالمائة من الشهادات الجامعية في المملكة العربية السعودية إلى النساء، مع العلم أنهنّ لا يشكّلن سوى 20 بالمائة من إجمالي الموظفين السعوديين.
يُذكر أنه، وفي يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2017، أصدر الملك سلمان مرسوماً ملكياً يُجير للمرأة الحصول على رخصة قيادة. ومنذ شهر تقريباً، فتحت أول مدارس تعليم القيادة للنساء أبوابها في الرياض، حيث سجّلت عدّة فتيات أسماءهن. وبمقابلٍ مادي يقدَّر بنحو 2400 ريال سعودي (أي ما يعادل 540 يورو) يحقّ للسعوديات التمتّع بتكوينٍ يمتدّ لثلاثين ساعة في قيادة السيارة وفي تعلّم قانون الطرقات، قبل الحصول على رخصة القيادة.
يعادل هذا المبلغ الميزانية الشهرية التي يتعيّن على المرأة العاملة أن تنفقها على تكاليف التنقل في سيارةٍ يقودها سائق. وتبلغ نسبة النجاح في هذا الاختبار 80 بالمائة في الوقت الحالي. وبالنسبة للنساء الحاصلات على رخصة قيادة من بلد أجنبي، فسيتسنّى لهنّ استبدالها بترخيصٍ سعودي، انطلاقاً من اليوم الثامن من الشهر القادم، دون أي تعقيد في الإجراءات.
لقد أدرك مُستوردو السيارات هذا الربح المفاجئ جيداً. فعلى سبيل المثال، وردت في إحدى إعلانات شركة فورد المعلّقة على حائط في جدة، المدينة الساحلية الكبرى الواقعة على سواحل البحر الأحمر، العبارة التالية "شغّلن محركاتكنّ سيداتي".
بين الأمس واليوم
في السابق، كان السجن مصير كل امرأة تدافع عن حقها في قيادة السيارة. وقد مثلت سنة 1990 تاريخ اندلاع أولى الاحتجاجات العامة، قبل أن تُستأنف مرة أخرى في السنوات الأخيرة. وللمطالبة بحقوقهنّ، أطلقت النساء السعوديات حملة فعالة على موقع تويتر، تشاركن فيها هاشتاغات مثل "النساء للقيادة" Women2Drive أو "فليتوقف استعباد المرأة السعودية" StopEnslavingSaudiWomen.
ومع ذلك، لا تزال المرأة السعودية بحاجة إلى وصيّ قانوني (مثل الزوج أو الأب أو الأخ…) لكي يكون لها الحق في فتح حسابٍ مصرفي أو استئجار شقة أو السفر إلى الخارج أو العثور على وظيفة أو حتى للعلاج. علاوة على ذلك، لا تزال شهادات المرأة في المحكمة تساوي نصف شهادة الرجل، كما أن نصيب الفتاة من الميراث يُعادل أيضاً نصف نصيب الإبن الذكر.