في مساء يوم الأحد 25 مارس/آذار 2018، كانت المُعلّمة السعودية هيفاء صقر، (35 عاماً)، تستقل سيارة أوبر في طريق عودتها إلى المنزل، سرحت بذهنها في فكرتين؛ الأولى حول طفلها الذي يُفترض أن تقلّه حافلة المدرسة إلى المنزل في هذا التوقيت، والثانية وهي الأهم: متى ستخلع هذا الحذاء ذا الكعب العالي؟!
تحس بتعب وألم شديدين في قدميها بعد يوم أمضت 6 ساعات منه تقف عليهما وهي تدرّس طالباتها في إحدى مدارس الرياض، ورغم المعاناة فمن المستحيل أن تستغني عن ارتداء الكعوب العالية؛ فهي "علامة من علامات الأنوثة" بحسب وصفها.
هيفاء، وعكس الاتجاه السائد بالدول الغربية في تخلي النساء عن انتعال الكعوب العالية، لن يمنعها التورم في قدميها عن تغيير نمط ملابسها، الذي تعتبر الكعب العالي أساسياً فيه، وخاصة أنه جزء من ثقافة مجتمعها وسيداته اللاتي يعتبرنه رمزاً من رموز الأناقة والأنوثة.
الراتب مقابل الكعب العالي
تحدِّق المدرِّسة في الكعب الطويل المدبب بإعجاب، دفعت ثمناً له 500 ريال سعودي (نحو 140 دولاراً)، وقد تنفق نصف مرتبها الشهري، فقط في سبيل الأحذية عالية الكعب.
ولكن، ما تدفعه هيفاء على أحذيتها يعتبر متواضعاً أمام صديقاتها، فقد يصل -في بعض الأحيان- ثمن الحذاء الواحد من الماركات العالمية إلى 5000 ريال سعودي (1300 دولار) كماركات GUCCI وCHLOÉ وVALENTINO، وغيرها.
وتنفق هيفاء التي تعتبر بحسب كلامها واحدة من كثيرات تنفق على الأحذية ما بين 200 إلى 500 ريال على الحذاء الواحد، وقد تشتري أكثر من حذاء في الشهر، خاصة إذا صادفتها مناسبات عائلية أو رسمية، فلا بد من أن تكون أنيقة وتنتعل الكعب المناسب مع الفستان المناسب؛ إذ تختاره بعناية ومن ماركة عالمية.
وترى أن الكعب عنصر مهم لإكسسوارات المرأة السعودية والتي تعبر عن شخصيتها، كما تؤكد هيفاء لـ"عربي بوست" بحماسة شديدة.
وحسب خبرتها وتعاملها مع الطبقات المجتمعية كافة بحكم عملها في المجال التعليمي، فإن المرأة السعودية قبل الزواج وبعده لا تتغير، وتحافظ على معايير أناقتها، التي قد تكلفها قدراً كبيراً من راتبها، كما أن طبيعة عملها المتنوعة تتطلب منها أن تكون خارج المنزل فترة طويلة، وهي تنتعل الكعب العالي دون تعب أو ملل؛ لذا تقتني أشكالاً مختلفة؛ عملية ورسمية.
ولكنها وسيدات جيلها تختلفن عن فتيات العشرينات السعوديات اللواتي يفضلن ارتداء الأحذية الرياضية والتي بالفعل توفرها لهن الماركات العالمية حتى، ولكن لا نعرف هل سيتخلين عن ذلك الحذاء الرياضي عند بلوغهن الثلاثينات؟ ربما!
ولكن بالنسبة لهيفاء فالوقت الوحيد الذي قد تتخلى فيه عن الكعب هو في أثناء فترة التسوق؛ لتتمكن من التجول بِحرية وسرعة أكبر، وتختم حديثها مازحةً: "لا تتخلى المرأة عن الكعب أبداً؛ فهو يعزز أنوثتها ويكمل أناقتها".
اختلاف في وجهات النظر
وعلى النقيض من هيفاء وبالجانب الآخر من الكرة الأرضية، تحارب الناشطة الأميركية فلوريا هاتشينسون الصورة النمطية ضد النساء، والتي تسوّق لأحذية الكعب العالي كرمز للمرأة والأنوثة.
فلوريا، التي تعمل وكيلة أعمال فنية، أمٌّ لـ3 بنات، تتخوف من الآن من طريقة تلقّيهن هذه الرسائل المبطنة عبر رموز التعبير أو "الإيموجي".
اشتهرت فلوريا مؤخراً، بعدما قررت الاعتراض على استخدام حذاء الكعب العالي الأحمر كصورة تعبيرية لحذاء النساء، وأرسلت مقترحاً إلى لجنة الرموز التعبيرية في مجمع UNICODE، المسؤول عن الأيقونات التي نستخدمها كل يوم في وسائل التواصل الاجتماعي.
تعتمد فلوريا في موقفها على الإحصائيات، التي تشير إلى أن 92% من مستخدمي الإنترنت يلجأون إلى الرموز التعبيرية في محادثاتهم اليومية، بينما يرغب 75% في مزيدٍ من هذه الخيارات، بعدما أصبحت شكلاً أساسياً من مخاطبات العصر.
واعتبرت أن الحذاء الأحمر العالي يتضمن تلميحات جنسية وإثارة، تخشى على بناتها وجيل الصغيرات حول العالم من تشرّب هذه الأفكار، خصوصاً أن سن تعرُّض الأطفال لهذه الصور والأشكال بات أبكر من ذي قبل.
معركة فلوريا التي تنتظر ردَّ اللجنة عليها، لا تهم هيفاء الصقر، التي تتخيل نفسها خارجة من غير كعب عالٍ، ولا يمكن -في نظرها- أن يمثل عائقاً أمام المرأة، فهي قادرة على المشي به في كل الحالات، حتى عند القيادة، التي أصبحت من حق السعوديات، وإن ضايقها يمكن استبداله داخل السيارة مؤقتاً.
ثورة في مسقط رأس الصناعة
فلوريا ليست الوحيدة التي تحارب الكعب العالي، فقد شهدت السنوات الماضية -حسب تقرير نشرته صحيفة "ذا نيويورك تايمز"- اعترافاً من كبرى دور الأزياء بأهمية الحذاء المسطح وإقبال السيدات عليه، الأمر الذي لا يمنع من دمج الراحة بالأناقة، فخرجت عروض الأزياء؛ مثل: "برادا"، و"سيلين"، و"جيفنشي"، بموديلات عصرية وأنيقة.
وشيئاً فشيئاً، تحولت النظرة إلى بعض هذه الموديلات بأنها اختيار من يطلق عليهم "الهيبيز" إلى خيار مريح وعملي في عالم متسارع الخطى.
ويشير التقرير إلى أن خيارات السيدات في أميركا تحولت بصورةٍ كبيرة نحو الأحذية الرياضية والمريحة في السنوات الأخيرة، وتُعدُّ أحذية "ألبيردز" التي تُصنع من صوف المارينو لـ"العدائين"، حالياً، جزءاً من زي موظفي شركات وادي السيليكون غير الرسمي؛ بحثاً عن الراحة خلال نهار عمل طويل.
وأصبح من المألوف رؤية الموظفين وهم ينتعلون أحذية "دانسكو" و"كروكس" التي كانت تُرى فقط في المستشفيات ومطابخ المطاعم.
من الملكية إلى الإثارة الجنسية
خلال عصر النهضة، كانت أحذية الكعب العالي والأحذية ذات النعل السميك تعطي الرجال ميزةً تنافسية بين أقرانهم قصار القامة، وسرعان ما اتخذتها المحظيَّات رمزاً للمكانة، فكنّ ينتعلن حذاءً سميكاً أكثر ارتفاعاً عن الأرض؛ ليتعالين عن أفراد البلاط الأخريات، في عرضٍ رمزيٍّ للهيمنة الجنسية.
وقبل أن تكتسب أحذية دار "كريستيان لوبوتان"، بنعلها الأحمر، شهرتها العالمية حالياً، ارتدى لويس الرابع عشر حذاءً أحمر اللون ذا كعبٍ عالٍ، طوله قرابة 13 سم، وأمر بألا ينتعل "الأحذية ذات النعال الحمراء" سوى أفراد البلاط الملكي.
وفي عشرينيات القرن الماضي، أصبحت أحذية الكعب العالي موضوعاً للتشريعات؛ إذ اقترح مشروع قانون في ولاية يوتا الأميركية فرض غرامةٍ مالية قيمتها من 25 إلى 500 دولار على الأقل، على أصحاب الأحذية التي يزيد طول كعبها على 3 سم، مع إمكانية الحكم بالسجن مدة تصل إلى عام كامل.
وعلى الرغم من أنَّ النساء لم يعُدن يُعاقَبن بالقانون؛ بسبب اختياراتهن الخاصة في الأحذية، فإنَّ العامة ما زالوا يقيّمون المرأة حسب خيارات حذائها، وتستوي في هذا النساء العاديات وزوجات الرؤساء كذلك.
وإذا حققت فلوريا هدفها، فستسهم في القضاء على فكرة أحذية الكعب العالي كرمزٍ للأنوثة في الغرب، لكنها ستبقى في الشرق عند هيفاء ومواطِناتها السعوديات الموظفات منهن تحديدا من أساسيات الأناقة واكتمال الأنوثة.