قد ترى أنه من اللطيف التقاط صورة لطفلك وهو يجري حول الملعب، أو وهو يعاني نوبة غضب ثم تنشرها على الشبكات الاجتماعية. لكن، هل فكرت يوماً في أن هذا الأمر خطأ أو غير قانوني؟
كانت الحكومة الفرنسية قد حذرت مطلع هذا العام الآباء من نشر صور أطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب موقع The Conversation.
يواجه الآباء، بموجب قوانين الخصوصية الصارمة في فرنسا، عقوبات تصل إلى السجن سنة وغرامة 45.000 يورو (64.000 دولار) إذا أدينوا بنشر تفاصيل حميمية عن أطفالهم دون موافقتهم.
إن هذه الشرعية الجديدة التي أعطاها الآباء لأنفسهم هي المغزى القوي لفكرهم عن الأبوة والأمومة في عصر الفيسبوك. نحن البالغين دائماً ما نُبدي مشاعر عدم الرضا عن الطريقة التي ينشر بها الشباب معلومات عن حياتهم الشخصية على الإنترنت.
لكن، إذا ما نظرنا لأنفسنا: هل نحن كآباء نملك الحق في أن نجعل صور عائلاتنا مُتاحة للجميع على الشبكات الاجتماعية؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن الذي سمح لنا بهذا؟
يُعد ميلُنا إلى المبالغة في نشر صور أطفالنا جزءاً من القضية، حيث توصلت دراسة حديثة لموقع "Nominet" -السجل الرسمي لأسماء النطاقات في المملكة المتحدة- إلى أن الآباء والأمهات ينشرون نحو 200 صور لأطفالهم الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات كل عام؟
هذا يعني أنه سيكون للطفل نحو 1000 صورة إلكترونية قبل عيد ميلاده الخامس. لقد بلغ الأمر حد أننا إذا كنا لا نرفع صوراً إلكترونية لأطفالنا فسيكون السؤال الموجه إلينا من قبل الآخرين هو: هل نحن آباء مقربون من أطفالنا؟
يعني هذا المفهوم الجديد أن تتشكل هوية إلكترونية قوية للأطفال على الإنترنت من صنع أشخاص آخرين. قد تكون هذه العملية شبيهة بعملية إنشاء هويات تخص المشاهير؛ إذ يتحمل الآباء أمر تشكيل شخصيات أبنائهم على الفضاء الإلكتروني بالطريقة التي يريدونها، على سبيل المثال، إنه طفل عبقري، أو عاق، أو مصمم للأزياء أو صعب المراس أو غيرها من الصفات.
ما اعتقادك عن الصورة التي يرسمها عنك والدك أو والدتك إلكترونياً؟ هل تعتقد أنهم يرسمون صورة دقيقة عما أنت عليه بالفعل؟
هناك أيضاً قضية عدد الإعجابات والتعليقات على مثل هذه الصور. ألسنا ننتقي نشر المنشورات التي نعتقد أنها ستحصد أكبر قدر من اهتمام الجماهير دون أن ندري؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف نحقق ذلك بتحريف الهوية التي ننقلها عنهم؟
الإنترنت لا ينسى
غالباً ما نقول لأطفالنا إنه بمجرد نشر شيء على الإنترنت سيظل موجوداً عليه للأبد، وهذا أحد الهواجس الأساسية للأطفال. أظهرت الأبحاث أن الآباء لا يضعون في اعتبارهم طول عمر المعلومات الرقمية التي ينشرونها عن أطفالهم، فضلاً عن إمكانية الوصول المحتمل إليها.
لن يستطيع طفلك السيطرة على أول فيديو مُحرج سُجل له بالمنزل وهو يتعلم أول دروسه في الغناء، إلى أين سينتهي الفيديو؟ ومن الأشخاص الذين سيطّلعون عليه؟
إن هذا الجيل من الأطفال سبق نشر الصور التي تخص حياتهم الخاصة قبل مولدهم، وذلك حين نشر الآباء صور فحص ما قبل الولادة لأصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم.
بالطبع، لا يقصد الآباء بهذا السلوك إلحاق الضرر بأبنائهم بشكل ما؛ بل يرون في كثير من الأحيان أنهم ينشرون شيئاً شخصياً عن حياتهم أكثر من نشرهم شيئاً يخص أطفالهم.
هناك فائدة أيضاً من مشاركة تلك المنشورات. فالمنشورات التي تتحدث عن التبول اللاإرادي لدى طفلك يمكن أن تساعد صديقاً في إيجاد حلول لها، أو أن تعزز من صبرهم في التعامل مع مسألة شبيهة بتلك مع أطفالهم. يشعر العديد من الآباء بأهمية وجود مجموعات داعمة كتلك.
ونظراً لحداثة وسائل الشبكات الاجتماعية، فإنه من الصعب تحديد ما إذا كانت نشأة الصغار في ظل الشبكات الاجتماعية يمكن أن تؤثر على خصوصية الأطفال، وسلامتهم، وأمنهم. ولكن، كانت الشبكات الاجتماعية موجودة أيضاً منذ زمن كافٍ حتى الآن -يبلغ عمر موقع فيسبوك 14 عاماً الآن- بما يجعلنا نأخذ تلك المسألة على محمل الجد.
لقد حان الوقت لطرح سؤال كيف يمكن للأفراد -الأطفال والكبار على حد سواء- إدارة الحدود حول تبادل المعلومات الشخصية، وكيف يمكنهم التحكم في المعلومات التي يشاركونها عن أنفسهم؟
إن نشر صور مخجلة للآخرين على موقع فيسبوك دون موافقة أصحابها هو بالتأكيد أمر خادع، ولكن ما يعدّ أمراً مخجلاً يختلف قليلاً من شخص إلى آخر، ما يجعل تلك المسألة الجديدة أكثر من كونها حقل ألغام.
أشرِك الصغار
الإجابة عن السؤال حول كيفية التعامل مع تلك القضية المكتشفة حديثاً، ربما تكون في الإصغاء إلى ما لدى الأطفال من آراء حولها. وفي أحد الأبحاث التي أجريت مؤخراً في جامعة ميشيغان؛ طُلب من الأطفال والآباء والأمهات وصف القواعد التي اعتقدوا أنه ينبغي للأُسَرِ اتباعها فيما يتعلق بالتكنولوجيا.
ومن ناحية، يميل الكبار إلى النظر إلى هذه القواعد باعتبارها تمثل مقدار الوقت الذي يقضيه الصغار على الشاشة، بينما بلغت نسبة الأطفال الذين يعتقدون أهمية وجود قواعد لما ينشر أو لا يُنشر من قِبل الآباء على الشبكات الاجتماعية، 3 أضعاف نسبة الآباء. وذكر العديد من الأطفال أنه ينبغي للآباء عدم وضع أي منشورات عن أطفالهم على الإنترنت دون الحصول على موافقتهم.
في حين رأى كل من الأطفال والآباء أن مشاركة الصور والأحداث والأخبار الإيجابية ملائمة أكثر من مشاركة تلك السلبية. فصورة الطفل الذي يلعب بالأرجوحة في الحديقة ستحظى على الأرجح بظهور أقل بكثير من مقطع فيديو على موقع يوتيوب الذي يدخل فيه الطفل في نوبة غضب بسبب عدم حصوله على وجبة الإفطار في وعائه المفضل.
إذا كنت أحد الآباء الذين يبحثون عن نصيحة أو تعاطف حول مشكلة سلوكية، فإن نهج الجماعة ما يزال مفيداً جداً، فقط احرص على عدم نشر صورة تحمل اسم طفلك عليها. فهذا سيساعد في الحد من قابلية البحث عنها والوصول إليها.
فيما يعد طلب الحصول على الإذن من أطفالك جزءاً من القضية وجزءاً من الحل أيضاً؛ إذ إن سؤالك لطفلك حول مدى إعجابه بالصور الخاصة به وما إذا كان يمكن وضعها على الإنترنت؛ يمكن أن تكون محادثة سريعة جداً ومتسمة بالاحترام.
لا يتعلق نشر الآباء صور أطفالهم على الإنترنت بالهوية الرقمية فقط؛ بل يتعلق أيضاً بهوسنا بالتقاط الصور لأطفالنا، خصوصاً عندما يحرزون تقدماً (أو لا يحرزون) في أداء أنشطتهم الخاصة بهم.
الأمر الذي يمكن أن يُشعر الأطفال بالضغط في أثناء أداء الأنشطة ليُمكّنوا والديهم من التقاط الصورة المناسبة للنشر. ما يريد الأطفال رؤيته حقاً هو أن تضعهم في اعتبارك وتعترف بأهميتهم وأهمية أفعالهم بالنسبة لك.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Conversation. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.