في إحدى عيادات طب النساء والتوليد بشارع باريس في العاصمة التونسية، تجلس منى (32 عاماً) بانتظار دورها للدخول إلى الطبيب. منى تستعد للزواج خلال عطلة الشتاء القادم، وتحديداً في منتصف ديسمبر/كانون الأول لكن فرحتها لن تكتمل دون إجراء عملية جراحية بسيطة تعتبرها مسألة حياة أو موت.
تقول منى "أعرف أن البعض يرى ما سأقوم به عملية غش من المنظور الأخلاقي، لكني مجبرة على فعل ذلك درءاً للفضيحة، وصوناً لشرف العائلة ولزوج المستقبل".
منى أكدت لـ "عربي بوست" أنها قدمت إلى العيادة دون علم خطيبها أو حتى أسرتها، وقد استغرقت شهوراً في البحث على الانترنت لمعرفة تفاصيل إجراء عمليات رتق العذرية في تونس والعيادات التي تقوم بها وتكلفتها.
عمليات تلفّها السرية التامة
رتق البكارة عند الفتيات التونسيات تعد من العمليات التي تتم أغلب الأحيان في سريةٍ تامةٍ باعتبارها تتعلق بشرف البنت والعائلة من المنظور الاجتماعي.
د. منذر هو اختصاصي في طب النساء والتوليد ويقوم بعمليات ترقيع بكارة في مصحات خاصة بالعاصمة أكد لـ "عربي بوست" أن مثل هذه العمليات "لا يزال الإقبال عليها متواصلاً من قبل التونسيات من سن 20 إلى 35 سنة، ويتضاعف الطلب في فصل الصيف لارتباطها بموسم الأعراس، حيث قمت في أغسطس/آب الماضي بإجراء نحو 10 عمليات رتق للعذرية".
ويشدد الطبيب أن على جلّ الفتيات الباحثات عن العذرية المفقودة لم يتعرضن لعمليات اغتصاب، بل لتجارب عاطفية وجنسية فقدن على إثرها بكارتهن طواعيةً.
ويشرح د. منذر طبيعة هذه العمليات قائلاً، "بشكل عام هناك نوعان من عملية استعادة العذرية، الأولى مؤقتة وتسمى Hyménorraphie وتعتمد على استغلال ألياف بقايا غشاء البكارة وخياطتها في الوسط لتعود كما هي وتدوم العملية قرابة النصف ساعة، لكن عيبها يتمثل في سرعة تبدد الألياف بالتالي تتم قبل يوم أو يومين من ليلة الزفاف وتدوم 10 أيام فقط ويتراوح سعرها من 200 إلى 250" دولار.
أما الثانية فيطلق عليها اسم Hyménoplastie، وهي "الأكثر أماناً ولا تختفي بفعل الزمن وتتمثل في زراعة غشاء بكارة جديد عبر استئصال ألياف من رحم المرأة وزراعته بدلاً من غشاء البكارة القديم وتستغرق العملية نحو الساعة وتقدر كلفتها بنحو 500 دولار".
وحول شعور الطبيب ومسؤوليته في مثل هذه العمليات المحظورة قانوناً – شأنها شأن عمليات الإجهاض -، يعتبر د. منذر أنه يتعامل مع الفتاة التي تريد القيام بمثل هذه العملية كمريضةٍ يسدي لها خدمة إنسانية وطبية في نفس الوقت، ولا مجال لتقييمها من الناحية الأخلاقية حتى لو رآها البعض غشاً وكذباً.
إعلانات طبية عبر الانترنت
وبالرغم من حساسية موضوع العذرية في تونس والقيود الاجتماعية، فإن ذلك لم يمنع وجود صفحات طبية عبر الانترنت والشبكات الاجتماعية تقوم بتقديم إعلانات صريحة للتعريف بطبيعة عمليات ترقيع البكارة مع ذكر تفاصيل العملية وكلفتها والطبيب الذي يقوم بها.
كما تصنف بعض الشركات التونسية التي تقدم خدمات طبية مثل هذه العمليات ضمن خانة الجراحة التجميلية، شأنها شأن عمليات تكبير الثدي أو زراعة الشعر أو تصغير الأنف.
"شيزوفرينا" المجتمع التونسي؟
ويعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج أن ظاهرة رتق العذرية وإقبال الفتيات التونسيات عليهاً يعد مظهراً "من مظاهر نفاق المجتمع وهيمنة العقلية الذكورية التي تعطي لنفسها الحق من جهة لممارسة العلاقات الجنسية بكل حرية قبل الزواج، ثم تضع شرط العذرية كأساس لزوجة المستقبل".
ويضيف لـ "عربي بوست" أنه رغم إتاحة إقامة علاقات خارج إطار الزواج، نظراً لتوفر عامل الاختلاط في جميع الفضاءات الاجتماعية في البلاد، "فإن المجتمع والعائلة تجد صعوبةً في تقبل الزواج بفتاة غير عذراء، فللجانب النفسي والثقافي أهمية بالغة في تفسير هذا سلوك والموقف لدى التونس. فمن الناحية العملية تعتبر العلاقات الجنسية الحرة أمراً متاحاً لمن يريد، لكن هذا لا يمثل سبباً كافياً ومقنعاً لدى البعض بالقبول بعدم توفر شرط العذرية لدى الفتاة المقبلة على الزواج، نظراً لأن موروثنا الثقافي وتركيبتنا النفسية والقيم التي نتبناها تقف حائلاً دون قبولنا لهذه الصيغ المباشرة المتحررة من كل ضابط اجتماعي وأخلاقي. وعند وقوعنا في هذا (المأزق) فإننا نحاول البحث عن صيغة توفيقية أو (تلفيقية) نقنع بها ضريبة تحررنا وعدم الرغبة في تحمل مسؤلية مواقفنا وسلوكنا وخياراتنا أمام المجتمع، فنلتجئ إلى الترقيع كأسهل الحلول باعتباره الوصفة التي تلبي حاجاتنا دون الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير.أو انتقادات المجتمع".
بلحاج يرجع تواصل عمليات رتق العذرية في تونس رغم الدعوات الصريحة لتحرر المرأة التونسية فكرياً وجسدياً لعدة اعتبارات؛ أبرزها يتمثل في كون مشروع الزواج مازال إلى اليوم مشروعاً عائلياً ولم يتحول بعد إلى مشروع فردي وشخصي، بالتالي تكون القيم والعادات والتقاليد حاضرة بقوة من خلاله.
استصلاح العذرية حلال أم حرام؟
وعلى الصعيد الديني، يرى الشيخ فريد الباجي رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية أن عمليات استعادة البكارة هو نوع من أنواع الغش، حتى ولو كان أمرا أباحته الضرورة القصوى ويضيف لـ "عربي بوست" أن "الحديث واضح في هذه المسألة: (من غشنا فليس منا)، ومن تفعل ذلك لتغش زوجها أو خطيبها حتى ولو كانت عن حسن نية، فذلك لا يجوز شرعا وأعتقد أنه من الأفضل أن تصارح الزوجة زوجها بعدم عذريتها وتكون صادقة معه وقد يقبلها وهي في تلك الحالة".
الشيخ الباجي اعتبر أن غشاء البكارة ليس حجةً على عفة المرأة من عدمها، إذ يمكن أن تفقد المرأة بكارتها في ظروف غير فاحشة أو منكر، لذلك "تكون المصارحة والصدق أفضل بكثر من الخداع أو الغش" وفق تعبيره.
ولا توجد في تونس أرقام دقيقة حول نسبة الإقبال على ترقيع البكارة، نظراً لعامل السرية والتكتم الذي يحيط غالباً بمثل هذه العمليات، بينما تشير إحصائيات صادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2015 عن إدارة الطب المدرسي والجامعي بتونس أن نحو %70 من الإناث و83% من الذكور يقيمون علاقات جنسية.
وكانت دراسة ميدانية قديمة تعود لسنة 2008 أعدها الديوان التونسي للأسرة والعمران البشري أظهرت أن نحو 60% من الشبان التونسيين مارسوا الجنس قبل الزواج و18% من الفتيات.