في الأفلام السينمائية، حين يتنكّر الممثل الرجل في زيّ امرأة، فعادة ما يرتدي تنورة قصيرة، ويضع باروكة طويلة الشعر، وحمالة صدر، ولا يغفل أحمر الشفاه، وبالطبع لا ينسى الكعب العالي، فهكذا يرى أنه أصبح يجسّدُ امرأة كاملة المظهر.
ما إن يتخلَّص من هذا الزيّ، حتى يبدأ في لعن الكعب العالي ومخترعه، لما سببه من آلام في الظهر والقدمين. ولكن ماذا لو علم الرجال أن الكعب العالي صُنع في البداية من أجلهم، وانتقل فيما بعد إلى النساء؟!
الآن سنتعرّف معاً على تاريخ الكعب العالي وبدايته، والتطورات التي مرّ بها حينما انتقل من الرجال إلى النساء.
غير متعودة على ارتداء الكعب العالي لكنكِ مضطرة لذلك؟ هذه النصائح تساعدك على تجنب الآلام
انتعله عِلية القوم والجزّارون في مصر القديمة
يعود تاريخ الكعب العالي إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد، إذ كانت ترتديه علية القوم، في حين يُترك العامة حفاة الأرجل، وهذا حسب ما صورته جداريات القدماء المصريين. وصُممت هذه الأحذية من الجلد على شكل Ankh، مفتاح الحياة في مصر القديمة.
وارتدت كلٌّ من الإناث والرجال من الطبقة العليا أحذية عالية الكعب، فقط للأغراض الاحتفالية. كذلك كان يرتديه الجزارون في مصر القديمة، كي لا تخالط أرجلهم الدماء.
كذلك، استخدم اليونانيون القدماء أحذية الكوثرني kothorni المرتفعة المصنوعة من الفلّين، وكان يستخدمها ممثلو المسارح في أثناء التمثيل.
أيضاً، كان الرومان القدماء من كبار مصنِّعي الأحذية ذات الكعب العالي، وارتدوا الكعب العالي، للفصل بين الطبقات الاجتماعية. في روما القديمة أيضاً، ارتدت المومسات هذه الكعوب، باعتبارها طريقة تجعلهم يبدون أكثر جاذبية لزبائنهن.
ولم تكن أحذية الكعب العالي بالشكل نفسه الذي تبدو عليه في هذه الآونة، فقد كانت تشبه ما يسمى حالياً أحذية البلاتفورم (أحذية عريضة من المقدمة وذات ارتفاع عال من المقدمة والوسط والخلف).
كذلك، ارتدى اليابانيون القدماء أحذية الجيتاس Getas، وهي أحذية خشبية من نوع البلاتفورم بارتفاع بوصتين، لمنع زيهم الرسمي الكيمونو من الجر في الوحل.
ثم تطورت في أوروبا
في القرن الرابع عشر بتركيا، ارتدت نساء المنزلة العليا أحذية شوبين Chopin وهي أحد أنواع البلاتفورم، وكان يبلغ ارتفاعها من 7 بوصات إلى 30 بوصة؛ ومن ثم كانت من ترتديه تحتاج مساعدة من الخادم للتحرُّك.
استمرت أحذية Chopines في الانتشار بجميع أنحاء أوروبا حتى منتصف القرن السابع عشر. وأصبح أهل البندقية مشهورين جداً بهذه الأحذية المرتفعة للغاية.
ولكن نظراً إلى صعوبة تحرك السيدات المنتعلات هذه الأحذية، رأى المؤرخون أن تلك الأحذية استخدمتها تركيا والصين، لضمان عدم فرار المحظيّات.
في أواخر العصور الوسطى تغير شكل القباقيب والنعال الخشبية، وأصبحت تشبه أحذية الكعب العالي وعُرفت باسم شوبين Chopines، وارتدتها النساء في إيطاليا، للحفاظ على ملابسهن خالية من الطين.
انتعلها الفرسان في إيران القديمة
في القرن الخامس عشر، ببلاد فارس، انتعل الجنود والمحاربون الكعب العالي، لتثبيت أقدامهم على سرج الخيل كلما احتاجوا التوقف أو إطلاق السهام.
وخلال عصر النهضة بفرنسا، وبالتحديد في القرن السادس عشر، كانت "كاثرين دي ميديشي" (1519- 1589)، زوجة هنري الثاني ملك فرنسا، أول امرأة تنتعل الكعب العالي كما يبدو حالياً في القرن السادس عشر، فقد كانت تبلغ من الطول 150 سم، وأرادت أن تبدو أطول، كي تتمكّن من النظر في عيني زوجها.
في أوروبا بالقرن السادس عشر، كانت النساء تنتعل أحذية البلاتفورم، وكان بعضها يصل ارتفاعه إلى 60 سم.
ولكن نظراً إلى صعوبة المشي وحدها في أثناء انتعالها، فضَّلت دي ميديشي انتعال حذاء عادي يكون ارتفاعه في الخلف فقط، وهو الأشبه بأحذية الكعب العالي حالياً.
بدأ أفراد العائلات الملكية في استخدام هذه الأحذية، ومن بينهن ملكة إنجلترا ماري تيودور (ماري الأولى)، وسرعان ما أصبحت أحذية الكعب العالي رمزاً للثروة والقوة، وأصبح انتعالها شائعاً بين الأرستقراطيين والنبلاء.
وعقوبة انتعالها الموت في فرنسا
جلب المهاجرون الفارسيون الأحذية ذات الكعب العالي إلى أوروبا، حيث انتعلها الذكور الأرستقراطيون، ليظهروا أطول وأكثر هيبة.
وفي عهد الملك لويس الرابع عشر (1638- 1715) ملك فرنسا، كان حكراً على النبلاء، فقد أصدر لويس الرابع عشر مرسوماً ملكياً بأن النبلاء فقط ينتعلون الكعب العالي أحمر اللون، ولكن لم يكن أعلى من كعبه، ومن ينتعل الكعب دون إذن، يفقد رأسه حرفياً.
علامة أنثوية
مع مرور الوقت، وفي القرن الثامن عشر، بأوروبا، أصبح الكعب العالي أكثر عمليّة، فقد تبنَّى الفلاحون والطبقة العاملة أحذية تدعى باتنس (Pattens)، لحمايتها من القمامة في الشوارع.
في أوائل القرن التاسع عشر، تأثَّر أسلوب عامّة الناس بالأرستقراطيين والعائلة المالكة، وتخلى الرجال عن الكعب العالي، وأصبح الكعب العالي علامة أنثوية.
في العصر الفيكتوري بأواخر القرن التاسع عشر، أثّر إطلاق ماكينات الخياطة في تطور الأحذية فأصبحت أكثر متانة، وطرأت عليها بعض التغييرات، وأصبحت أكثر تقوساً.
الكعب العالي الخنجري ينطلق بعد الحرب العالمية الثانية
ومع ثلاثينيات القرن العشرين، أصبح الكعب العالي أكثر انتشاراً، وساعدت الملصقات الدعائية الكعب العالي رمز الأنوثة على الانتشار، ولكن أعاقت الحرب العالمية الثانية الإنتاج الكبير للكعب العالي، فأصبح للأثرياء مرة أخرى، بسبب قلة الإنتاج.
وفي الخمسينيات، أظهر مصممو الأحذية أحذية جديدة تسمى Stiletto أو الخنجر، ويستند فيها الكعب على قضيب معدني رفيع.
وفي الستينيات، مع اكتساب الحركة النسوية زخماً كبيراً، اعتقدت النساء أن الرجال يحاولون شلّ حركتهم من خلال الكعب العالي، ولذا انخفض الكعب مرة أخرى وأصبح أكثر سمكاً. وفي أواخر الستينيات، عاد الكعب العالي لإحياء نمط البلاتفورم مرة أخرى، متأثراً بنوع الشوبين chopines.
أمّا في الوقت الحالي، فتنتشر أحذية الكعب العالي بمختلف أشكالها وأنواعها، وكذلك بارتفاعات مختلفة للكعب، لتتمكن النساء من اختيار ما يناسبهن.