في عالم الطب، تعد فصائل الدم واحدة من العناصر الأساسية التي تشكل لغزاً يجمع بين التاريخ الجيني والاحتياجات الطبية الفورية. كل نقطة دم تسري في عروقنا ليست مجرد سائل حيوي يحافظ على الحياة فحسب، بل هي بوابة تكشف عن ميراثنا البيولوجي وتحمي أجسادنا من الأمراض والعدوى. من المدهش أن شيئاً بسيطاً مثل فحص فصيلة الدم يمكن أن يكشف الكثير عن صحتنا وحتى عن علاقتنا بالآخرين.
الفصائل الدموية، المقسمة إلى الأنواع الرئيسية A – B – AB – O لها دور حاسم في علم الأمراض والإجراءات الطبية. التوافق بين هذه الفصائل يمكن أن يحدد نجاح عمليات نقل الدم، وزراعة الأعضاء، وحتى العلاجات الجينية. الفهم الدقيق لكيفية تأثير هذه الفصائل على جسم الإنسان يساهم في تحسين العلاجات الطبية وتجنب المضاعفات المحتملة.
بينما يستمر العلماء في استكشاف الأسرار المحفورة في كل قطرة دم، يظل السؤال قائماً: كيف يمكن لمعرفة فصيلة دمك أن تغير طريقة عيشك وتعاملك مع مخاطر صحية محتملة؟ في ظل التقدم الطبي المتسارع، يُعد تقدير هذا الجانب البيولوجي جزءاً لا يتجزأ من الوقاية الصحية والتدخلات العلاجية التي تشكل نوعية حياتنا اليومية.
فصائل الدم والتبرع بها
الدم، هذا السائل الحيوي الذي يجري في عروقنا، ليس مجرد وسيط لنقل الأوكسجين والمغذيات، بل يحمل أسراراً عميقة تتمثل في بروتينات محددة تعرف باسم نظام ABO. تمثل هذه البروتينات مفتاحاً لتحديد فصائل الدم، حيث يتم تصنيف الدم إلى أربع فصائل رئيسية: A وB وAB وO.
يعتمد هذا التصنيف على وجود أو عدم وجود البروتينات A وB على سطح خلايا الدم الحمراء. فصيلة الدم A تحتوي على البروتين A بينما تحتوي فصيلة B على البروتين B، وفصيلة AB تجمع بين البروتينين، بينما لا تحتوي فصيلة O على أي منهما، ولكنها تمتلك أجساماً مضادة ضد كلا البروتينين.
من جانب آخر، يؤثر عامل ريزوس (Rh)، وهو بروتين آخر موجود على خلايا الدم الحمراء، بشكل كبير على التوافق في عمليات نقل الدم. يصنف الأشخاص إلى Rh إيجابي (Rh+) إذا كان البروتين موجوداً، وRh سلبي (Rh-) إذا كان غائباً.
وفقاً للجمعية الأمريكية للدم (American Red Cross)، هذا التصنيف مهم لأنه يحدد من يمكن أن يتبرع لمن ومن يمكنه استقبال دم من أي شخص في عمليات النقل الحرجة.
فيما يتعلق بالتبرع بالدم، فصيلة O- تعتبر "المتبرع العالمي" نظراً لعدم وجود بروتينات A أو B فيها؛ ما يجعل دمها مقبولاً لدى جميع الفصائل الأخرى. في المقابل، يعتبر الأشخاص ذوو فصيلة الدم AB+ "المتلقين العالميين" حيث يمكنهم استقبال الدم من أي فصيلة أخرى دون مشاكل تتعلق بالبروتينات A وB.
الفصيلة | Rh | تتبرع لـ | تأخد من |
A | + | A, +AB+ | A, -A, +O, -O+ |
B | + | B, +AB+ | B, -B, +O, -O+ |
AB | + | +AB | جميع فصائل الدم |
O | + | O, +A, +B, +AB+ | O, -O+ |
A | – | A, +A, -AB, +AB- | A, -O- |
B | – | B, +B, -AB, +AB- | B, -O- |
AB | – | AB, +AB- | AB, -A, -B, -O- |
O | – | جميع فصائل الدم | -O |
فصائل الدم والتبرع بالبلازما
يُعد الدم عنصراً حيوياً لا غنى عنه للحياة، ويتكون من مكونات أساسية تشمل خلايا الدم الحمراء، وخلايا الدم البيضاء، والصفائح الدموية، إضافة إلى البلازما التي تُشكل نحو 55% من حجم الدم. البلازما، وهي سائل يتميز بلونه الأصفر الباهت، تتكون أساساً من الماء بنسبة تصل إلى 90%، وتلعب دوراً مهماً في نقل العناصر الغذائية والأجسام المضادة والهرمونات عبر الجسم.
وفقاً للمعهد الوطني للصحة (NIH)، تُستخدم البلازما في معالجة مجموعة واسعة من الحالات الصحية الخطيرة والمزمنة. من بين هذه الاستخدامات، معالجة اضطرابات الجهاز المناعي وأنواع معينة من السرطان، بالإضافة إلى دورها الحيوي في عمليات زرع الأعضاء مثل الكبد والنخاع العظمي.
كما تُعتبر البلازما حاسمة في معالجة حالات الهيموفيليا، حيث تُستخدم لتوفير عوامل التجلط الضرورية التي يفتقر إليها دم المريض.
عملية التبرع بالبلازما تخضع لقواعد تختلف عن تلك الخاصة بخلايا الدم الحمراء بسبب وجود الأجسام المضادة التي قد تتفاعل مع بروتينات A وB الموجودة في الدم. على سبيل المثال، مرضى فصيلة الدم A يمتلكون البروتين A على خلاياهم الحمراء ولا يستطيعون تلقي بلازما من فصيلة الدم O أو B لأن الأجسام المضادة الموجودة في هذه الفصائل قد تهاجم خلاياهم.
ومن ناحية أخرى، فإن أصحاب فصيلة الدم AB يمكنهم تلقي البلازما من أي فصيلة دون مشكلة؛ ما يجعلهم "متلقين عالميين". الأشخاص ذوو فصيلة الدم AB يُشجعون بشكل خاص على التبرع بالبلازما نظراً لقدرتها على التوافق مع جميع فصائل الدم؛ ما يجعل بلازما هذه الفصيلة مورداً ثميناً في حالات الطوارئ والعمليات الجراحية الحرجة. فيما يلي توضيح للتوافق بين فصائل الدم والتبرع بالبلازما:
- فصيلة الدم A: يمكن التبرع بالبلازما إلى فصيلتي A وO، وتستقبل من A وAB.
- فصيلة الدم B: يمكن التبرع بالبلازما إلى فصيلتي B وO، وتستقبل من B وAB.
- فصيلة الدم AB: تعتبر بلازما هذه الفصيلة عالمية، حيث يمكن التبرع بها لجميع الفصائل وتستقبل من أي فصيلة.
- فصيلة الدم O: يمكن التبرع بالبلازما لجميع الفصائل ولكن تستقبل فقط من فصيلة O.
نسب فصائل الدم في العالم
وفقاً لكلية ستانفورد للطب في الولايات المتحدة فإن نسب فصائل الدم تختلف في وفرتها إلى ندرتها وهي كالتالي:
- الأشخاص ذوو فصيلة الدم O+ يمثلون حوالي 37.4% من السكان البالغين.
- الأشخاص ذوو فصيلة الدم O- يمثلون حوالي 6.6% من السكان البالغين.
- يمثل الأشخاص ذوي فصيلة الدم A+ حوالي 35.7% من السكان البالغين.
- الأشخاص ذوو فصيلة الدم A- يمثلون حوالي 6.3% من السكان البالغين.
- يمثل الأشخاص ذوو فصيلة الدم B+ حوالي 8.5% من السكان البالغين.
- الأشخاص ذوو فصيلة الدم B- يمثلون حوالي %1.5% من السكان البالغين.
- يمثل الأشخاص ذوو فصيلة الدم AB+ حوالي 3.4% من السكان البالغين.
- الأشخاص ذوو فصيلة الدم AB- يمثلون حوالي 0.6% من السكان البالغين.
الزواج والحمل وعلاقته بفصيلة الدم
على الرغم من أن فصائل الدم لا تؤثر بشكل مباشر على فرصة إقامة زواج سعيد ومستقر، فإنها قد تلعب دوراً حاسماً في حالات أخرى، خاصةً عند التخطيط للأسرة وأثناء الحمل. إذ تبرز أهمية معرفة فصيلة دم الشريك لا سيما في الظروف الطارئة التي قد تتطلب التبرع بالدم.
فصائل الدم والحمل
وفقاً لموقع "كيدز هيلث"، تُعتبر الاختبارات المبكرة لفصيلة الدم وعامل الرايزيسي من الخطوات الأولية الهامة في متابعة الحمل. يُمكن لعامل الرايزيسي، الذي يُشير إلى وجود بروتين محدد على خلايا الدم الحمراء، أن يسبب مضاعفات إذا كانت الأم تحمل عامل رايزيسي سالباً والأب إيجابياً.
في هذه الحالة، قد يرث الجنين العامل الرايزيسي الإيجابي من والده، مما قد يؤدي إلى تعارض محتمل إذا تم مزج دم الأم والطفل، خصوصاً خلال أو بعد الولادة.
هذا التعارض لا يُشكل خطراً في الحمل الأول عادةً، لأن دم الطفل لا يمتزج بدم الأم في معظم الحالات. ومع ذلك، خلال الولادة، يُمكن للدم أن يختلط، وقد تتعرف الأم على بروتين Rh كجسم غريب وتبدأ في تكوين أجسام مضادة ضده.
الوقاية من مضاعفات Rh
الأمهات ذوات العامل الرايزيسي السالب قد يتعرضن أيضاً لبروتين Rh عبر عدة طرق أخرى؛ مثل نقل الدم بدم إيجابي العامل الرايزيسي، الإجهاض، أو الحمل خارج الرحم. لمواجهة هذه المخاطر، تُتاح حلول طبية تساعد على الوقاية من تكوين الأجسام المضادة، وهو ما يُمكن أن يُحافظ على صحة الأم والجنين خلال الحمل.
متى يكون الطفل في خطر؟
يُعد مرض Rh الانحلالي لحديثي الولادة قضية صحية خطيرة يمكن أن تحدث عندما تكون الأم ذات عامل رايزيسي سالب وتحمل طفلاً بعامل رايزيسي إيجابي. هذا الاختلاف في عامل الرايزيسي يمكن أن يقود إلى تفاعل مناعي حاد يُهدد صحة الجنين.
في حالة الحمل الأول، قد لا تظهر مشاكل عند الأم ذات العامل الرايزيسي السالب، حيث لا تتعرض عادةً لدم الطفل. ومع ذلك، خلال أو بعد الولادة، يمكن أن يحدث اختلاط للدم بين الأم والجنين؛ ما يؤدي إلى تكوين الأم لأجسام مضادة ضد عامل Rh الإيجابي. هذه الأجسام المضادة لا تسبب مشاكل خلال الحمل الأول، لكنها تظل في جسم الأم وتصبح نشطة في الحمل الثاني أو اللاحق إذا كان الجنين يحمل عامل Rh إيجابياً.
عندما تنتقل الأجسام المضادة للأم إلى دم الجنين في حمل لاحق، تعتبر هذه الأجسام بروتينات عامل Rh على خلايا دم الجنين كأهداف غريبة. هذا التفاعل يؤدي إلى انتفاخ خلايا الدم الحمراء لدى الطفل وتمزقها، مما يؤدي إلى حالة تُعرف بالانحلال الدموي، ويمكن أن ينتج عنه تعداد دم منخفض جداً لدى الطفل، مما يُعرض حياته للخطر.
لتجنب مضاعفات مرض Rh الانحلالي، يُعتبر التدخل الطبي الوقائي ضرورياً. يتم إعطاء النساء ذوات عامل Rh السالب حقنة تُعرف بحقنة غلوبولين مناعي مضاد لـ RhIg خلال الحمل وبعد الولادة إذا كان الطفل يحمل عامل Rh إيجابياً.
هذه الحقنة تعمل على تحييد الأجسام المضادة التي قد تُهاجم خلايا دم الطفل قبل أن تتاح لها الفرصة لتكوين استجابة مناعية.