دعا اتحاد أطباء الأطفال في بريطانيا إلى فرض حظر تام على ضرب الطفل على مؤخرته في إنجلترا وأيرلندا الشمالية، في خطوة من شأنها أن تجعل القانون يتماشى الدول البريطانية الأخرى وهي ويلز واسكتلندا.
إذ يجد الكثير من الناس أن ضرب الطفل على مؤخرته أمر غير مقبول، وقد يكون له دور في إصابة الطفل باضطرابات سلوكية من بينها التأتأة.
كأب أو أم ومهما كان موقفكم من طريقة تربية أبنائكم، فهناك قدر كبير من الأدلة العلمية التي تشير إلى أن الضرب ليس غير فعال من حيث الانضباط فحسب، بل يمكن أن يجعل سلوك الطفل أسوأ ويكون له آثار سلبية طويلة المدى على نموه.
فما هي أضرار ضرب الطفل على مؤخرته؟ وما هي الحلول البديلة؟
أضرار ضرب الطفل على مؤخرته
آنا أزنار، وهي أكاديمية في جامعة جون كابوت في روما ومؤسسة REC Parenting، وهي منصة على الإنترنت لدعم الآباء قالت: "تخبرنا الأدلة العلمية بأن جميع أنواع العقاب الجسدي، بما في ذلك ضرب الطفل على مؤخرته، تعتبر سلبية بالنسبة للأطفال".
وأضافت وفقاً لما نقلته صحيفة inews.co.uk الحكومية البريطانية: "الضرب هو أسلوب الانضباط، والهدف من التأديب هو تعليم الطفل أن سلوكه كان خاطئاً، ولكن عندما نضرب طفلاً، الشيء الوحيد الذي نعلمه إياه هو الخوف منا، قد يتوقف الطفل عن فعل كل ما كان يفعله ولكن فقط لأنه يخاف منا".
وتظهر الأبحاث أن الضرب لا يجعل الطفل يتصرف بشكل أفضل على المدى القصير أو الطويل، وفي بعض الحالات، قد يؤدي الضرب إلى جعل سلوك الأطفال أسوأ".
قامت دراسة أجريت عام 2021، بقيادة جامعة كوليدج لندن ونشرت في مجلة The Lancet، بتحليل 69 ورقة علمية وتوصلت إلى بعض النتائج الواضحة حول العقاب الجسدي.
أولاً، أنه يجعل الأمور أسوأ، حيث توصل العلماء إلى "استنتاج ساحق مفاده أن العقاب الجسدي ينبئ بزيادة المشاكل السلوكية بمرور الوقت، وذلك من خلال جعل الطفل أكثر عدوانية.
وثانياً، أنه لا يوجد شيء جيد يمكن قوله عن العقاب الجسدي بالنسبة لنمو الطفل، حيث وجدت بعض الدراسات التي تم تحليلها أن لها تأثيراً ضاراً والبعض الآخر لم يكن لها أي تأثير.
وكتبت المؤلفة الرئيسية أنيا هيلمان من كلية لندن الجامعية: "يشير اتساق هذه النتائج إلى أن العقاب الجسدي ضار بالأطفال وأن العلاجات السياسية لها ما يبررها، وهي مرتبطة بزيادة في النتائج السلبية للأطفال".
في حين وجدت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2021، ونُشرت في مجلة تنمية الطفل، أن ضرب الطفل على مؤخرته يمكن أن يكون مؤلماً للغاية لدرجة أنه يمكن أن يغير طريقة عمل دماغ الطفل.
وجاء في الدراسة أيضاً: "نحن نعلم أن الضرب ليس فعالاً ويمكن أن يكون ضاراً بنمو الأطفال ويزيد من فرصة حدوث مشكلات تتعلق بالصحة العقلية".
وقال خورخي كوارتاس، الذي أجرى البحث في جامعة هارفارد: "من خلال هذه النتائج، نعلم أيضاً أنه يمكن أن يكون لها تأثير محتمل على نمو الدماغ، وتغيير البيولوجيا، وتؤدي إلى عواقب دائمة".
وجدت الدراسة أيضاً أن الضرب يقلل من قدرة الطفل على التحكم في عواطفه تحت الضغط بطرق مشابهة لسوء المعاملة الشديدة.
وباستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، لاحظ الباحثون تغيرات في استجابة الدماغ بينما شاهد الأطفال سلسلة من الصور التي تظهر تعبيرات الوجه التي تشير إلى الاستجابة العاطفية، مثل العبوس والابتسامات.
ووجدوا أن الأطفال الذين تعرضوا للضرب كانت لديهم استجابة نشاط أعلى في مناطق الدماغ التي تنظم هذه الاستجابات العاطفية وتكشف التهديدات، حتى في تعبيرات الوجه التي قد يعتبرها معظمهم غير تهديدية.
ضرب طفل على مؤخرته قد يتسبب باضطرابات سلوكية
دراسة أميركية أجرتها مؤسسة Clinical Psychology أكدت أن تعرض الأطفال للضرب على مؤخرتهم من قبل والديهم بهدف العقوبة قد يزيد خطر إصابتهم باضطرابات في السلوك من بينها التأتأة.
وفي دراسة أخرى أجريت عام 2016 في مجلة علم نفس الأسرة تضمنت تحليلاً تلوياً للأبحاث التي تقيس تأثير الضرب في مرحلة الطفولة على السلوك والصحة العقلية.
ونظر الباحثون في عشرات الدراسات التي شملت أكثر من 160 ألف طفل، لمعرفة ما إذا كان الضرب مفيداً أم مرتبطاً بسلوكيات ضارة في مرحلة البلوغ.
وفي تحليلهم، وجدوا أن البحث التجريبي لا يدعم الحجة القائلة بأن الضرب فعال في مساعدة الأطفال على تحسين سلوكهم.
وبدلاً من ذلك، رأوا أدلة على أن الضرب كان مرتبطاً بأكثر من 12 نتيجة غير مرغوب فيها في مرحلة البلوغ جميعها متعلقة بالاضطرابات السلوكية، بما في ذلك تدني احترام الذات، وقضايا الصحة العقلية، والسلوك المعادي للمجتمع، والميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين بسبب مشاكلهم أو أفعالهم.
كيف يؤثر الضرب على الدماغ؟
تساءلت دراسة نشرت عام 2021 في مجلة تنمية الطفل عما إذا كان ضرب الأطفال قد تسبب في تغيرات في أدمغتهم مقارنة بالأطفال الذين لم يتعرضوا للضرب.
قام الباحثون بدراسة أطفال كانت أعمارهم حوالي 36 شهراً عندما بدأت الدراسة.
خضع الأطفال للتقييم الأولي والتصوير العصبي، وفي العامين التاليين، تم تقييمهم أربع مرات أخرى.
خضع المشاركون لتقييم خامس بعد سنوات عندما كانت أعمارهم بين 10 و12 عاماً.
خلال هذه المتابعة، طلب الباحثون من الأطفال تحديد ما إذا كانوا قد تعرضوا للضرب أو تعرضوا لأشكال أخرى من العقاب البدني.
واضطر فريق البحث إلى استبعاد 26 طفلاً من الدراسة لأنهم قرروا أنهم ضحايا الاعتداء الجسدي أو الجنسي، (قام فريق البحث بتنبيه السلطات المحلية وأبلغ عن سوء المعاملة).
ومن بين المشاركين المتبقين، قال 40 (22 أنثى) إنهم تعرضوا للضرب، وقال 107 (53 أنثى) إنهم لم يتعرضوا للضرب.
ثم استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) بينما كان الأطفال ينظرون إلى شاشة الكمبيوتر التي تومض وجوه الممثلين، واحداً تلو الآخر.
وأراد الباحثون التأكد من أن الأطفال ينتبهون للوجوه، لذلك طلبوا منهم الضغط على زر للإشارة إلى ما إذا كان الوجه ذكرا أم أنثى.
وتباينت تعابير الوجوه، فمنها ما بدا خائفاً، ما أراد الباحثون معرفته هو كيفية استجابة أدمغتهم لمحفز الوجه الخائف.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن الضرب له تأثير على أدمغة الأطفال.
عند مقارنتها بالأطفال الذين لم يتعرضوا للضرب، كان لدى الأطفال الذين تعرضوا للضرب استجابة عالية للوجوه الخائفة.
أظهر التصوير نشاطًا أكبر في "مناطق متعددة من قشرة الفص الجبهي الإنسي والجانبي (PRC)، بما في ذلك القشرة الحزامية الأمامية الظهرية، والـ PFC الظهرية الإنسية، والقطب الأمامي الثنائي، والتلفيف الجبهي الأوسط الأيسر.
وخلص الباحثون أيضاً إلى أن الضرب ربما يغير كيفية إدراك الدماغ للتهديدات البيئية.
يشير هذا إلى أن الضرب يغير الاستجابة العصبية للطفل للإشارات العاطفية ويجعله أكثر يقظة تجاه التهديدات المحتملة، بما في ذلك المشاعر التي تشير إلى تهديد محتمل.
وأشار مؤلفو الدراسة إلى أنه تم ملاحظة نتائج مماثلة بين الأطفال الذين تعرضوا للإيذاء أو الصدمة.
وهذا يعني أنه من الممكن أنه على الرغم من أن الضرب قد يبدو أقل حدة، إلا أنه يمكن أن يكون له نفس التأثير طويل المدى على كيفية إدراك الدماغ للتهديدات.
فرنسا أيضاً تمنع ضرب الأطفال على مؤخرتهم
في عام 2018، تقدّم 29 نائباً فرنسياً بمشروع قانون يحمي الأطفال من أبسط الاعتداءات الجسدية وهي ضرب الأطفال على مؤخرتهم.
وجاء ذلك بعد انتقادات قدمها مجلس أوروبا بشأن القوانين الفرنسية المتعلقة بالعقاب الجسدي على الاطفال والذي قال فيه إنه ليس واضحاً وغير ملزم أو محدد، لا سيما وأنّ القانون الفرنسي يمنع العنف ضد الأطفال، ولكنه يعترف لأولياء الأمور "بحق تأديب" أطفالهم.
وفي عام 2019، أصبحت فرنسا الدولة الـ 55 التي تحظر تمامًا "العنف التربوي العادي" بحق الأطفال لا سيما الصفع/ الضرب على المؤخرة.
السويد أول دولة تمنع ضرب الأطفال بهدف تربيتهم!
في عام 1979، أصبحت السويد أول دولة تحظر ضرب الأطفال في المدرسة والمنزل.
هناك 65 دولة لديها حظر مماثل اليوم، لكن 14% فقط من أطفال العالم يعيشون في دولة لا يمكن فيها الضرب في المدرسة أو المنزل؛ 76% من الأطفال، بما في ذلك الأطفال في الولايات المتحدة، يتمتعون ببعض الحماية ضد الضرب خارج المنزل؛ و10% من الأطفال في جميع أنحاء العالم لا يتمتعون بأي حماية ويمكن أن يتعرضوا للضرب في المنزل أو المدرسة.
كيفية معاقبة الأطفال بعيداً عن الضرب؟
بحسب مركز تنمية الطفل والأسرة التابع لجامعة شمال إلينوي الأمريكية، فإن هناك بدائل بإمكانها معاقبة الأطفال بعيداً عن الضرب وهي:
1- إعطاء الخيارات: يمنح الاختيار بعض السيطرة للطفل وفقًا لشروط الوالدين، الآباء الذين يجيدون حقًا تقديم الخيارات لديهم أطفال أكثر امتثالًا وجيدة في اتخاذ القرارات!
2- خذ استراحة: نعم، أنت الوالد ابتعد، لا بأس أن تقول لطفلك: "أنا منزعج جداً من التعامل معك الآن؛ سنتحدث عن هذا لاحقاً".
3- إشراك شخص آخر: إذا شعرت أن طفلك قد أثار غضبك لدرجة أنك قد لا تكون مسيطراً على الأمور، فاطلب من شخص آخر مساعدتك والذي لا يشاركك بشكل وثيق في الموقف، هذا يقلل من احتمالية ضرب طفلك.
4- علمه ما تتوقعه: بدلاً من معاقبته على سوء التصرف، علمه ما يمكنهم فعله بشكل مختلف، أخبره: "في المرة القادمة، من فضلك قم بتعليق معطفك في الخزانة! كيف يمكننا مساعدتك على تذكر القيام بذلك؟".
5- التعرف على سلوكياته الإيجابي: لذلك، عندما يعلق هذا المعطف، أخبره بمدى تقديرك لذلك! في كثير من الأحيان، يلاحظ الآباء سوء سلوك أطفالهم ويتجاهلون الأشياء التي يقومون بها بشكل جيد.
6- نفذ الوقت: القاعدة العامة هي دقيقة واحدة لكل سنة من أعمارهم، إن الإعداد الذي يتم فيه تنفيذ المهلة ليس بنفس أهمية حقيقة أنك تربط سوء السلوك بالنتيجة، حاول أن تجعله مكاناً هادئاً ولا يتمكن الطفل من جذب انتباهك أو مكافأته دون قصد، إذا كان الطفل يعاني من نوبة غضب، فيجب أن يبدأ وقته عندما يهدأ ويمكنه السيطرة عليه طوال مدة المهلة.
7- عاقبه: غالباً ما يكون توفير نتيجة منطقية فعالاً للغاية، اربط دائماً النتيجة بسوء السلوك، "أود أن أتمكن من اصطحابك إلى المتجر، لكن تذكر آخر مرة كنت تتجول فيها في المتجر ولم تستمع إلي، حسنًا، أنا لست مستعدًا لذلك، أبقى في المنزل، ربما في المرة القادمة ستتمكن من الاستماع وحينها يمكنك الذهاب معي".
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.