لسنا نبالغ لو قلنا إن مخدر الفنتانيل (Fentanyl) يجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ غير مسبوق. فقد صادرت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية حوالي 379 مليون جرعة منه، خلال العام 2022، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
وفي تقريرٍ نشرته صحيفة Le Monde الفرنسية أوائل العام 2023، أكدت أن الفنتانيل أقوى من الهيروين بـ50 مرة. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تسجل وفاة شخصٍ كل 7 دقائق من آثار هذا المخدر، الذي يتمّ توزيعه على شكل سائلٍ وأقراص وبودرة.
ووفق وزارة العدل الأمريكية، يتم استيراد الفنتانيل من المكسيك، وتحديداً من "سينالوا كارتل" (تأسست عام 1989) و"نكست جينيرايشن جاليسكو كارتل" (2009)؛ وهما شبكتان متنافستان مرتبطتان بغسل الأموال، والاتجار بالمخدرات، والرشوة، والقتل، والخطف.
المكونات الكيميائية الرئيسية لتصنيع هذا المخدر يتم إحضارها من الصين، ويُصنّع في مختبراتٍ سرية داخل المكسيك. وغالباً ما يتم العثور على حبوب الفنتانيل في علب "الليغو" بشكلٍ خاص، أو داخل جوز الهند.
وفي الفترة الأخيرة، بات الحصول على هذا المخدر أمراً سهلاً وبمتناول الجميع، بعدما تراجع سعره بسبب كثرة العرض عليه.
ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، يُعدّ الفنتانيل قاتلاً صامتاً، والضحايا من الكبار والشباب، والأغنياء والفقراء، ومن ساكني المدن الكبرى والبلدات الصغيرة.
لكن، ما هو الفنتانيل؟
هو مادة أفيونية اصطناعية قوية، تشبه المورفين نوعاً ما، لكنها أقوى بنسبة 100 مرة. ومثل المورفين، فهو في الأساس دواء يُستخدم عادةً لعلاج المرضى الذين يعانون من آلامٍ شديدة، خاصةً بعد الجراحة، وقد شاع بين مرضى السرطان.
لا يُصرف الدواء إلا بوصفةٍ طبية، ويُعرف بأسماء، مثل: Actiq، وDuragesic، وSublimaze. لكنه بات يُستخدم أيضاً بشكلٍ غير قانوني، وهو الآن أكثر الأدوية المرتبطة بوفيات الجرعات الزائدة من المخدرات في الولايات المتحدة.
عند وصف الطبيب له، يمكن إعطاؤه كحقنة، أو لصقة توضع على جلد الشخص، أو على شكل أقراص مصّ، مثل قطرات السعال.
لكن الفنتانيل المستخدم بشكلٍ غير قانوني، والمرتبط غالباً بالجرعات الزائدة الحديثة، يُصنّع في المختبرات. يُباع هذا المخدر الاصطناعي كمسحوق بودرة (مثل الكوكايين)، أو يوضع في قطرات العين وبخاخات الأنف، أو على شكل حبوب.
ومنذ صيف العام 2022، حذرت شرطة مكافحة المخدرات الأمريكية من ترويج الفنتانيل الذي بات يُصنّع على شكل أقراصٍ، في نسخ متعددة الألوان؛ وذلك بهدف إغواء الجمهور الأصغر سناً والأكثر سذاجة.
بعض تجار المخدرات يخلط الفنتانيل مع مواد أخرى، مثل: الهيروين، والكوكايين، والكيتامين، والإكستاسي؛ لأن القليل من الفنتانيل كافٍ ليجعل الشخص منتشياً، ما يجعله خياراً أرخص.
وبحسب المعهد الوطني لتعاطي المخدرات، فإن عملية الخلط تلك "محفوفة بالمخاطر" لا سيما حين "لا" يُدرك الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أعلاها (هيروين، كوكايين، وإكستاسي) أنها قد تحتوي على الفنتانيل، كمادة مُضافة رخيصة.
فالفنتانيل أقوى وأسرع مفعولاً من المواد الأفيونية الأخرى، واستخدامه أو استخدام أي مادة مخدرة تحتوي عليه يزيد من خطر الإصابة بجرعة زائدة. وخطر الفنتانيل أكبر إذا كان مخلوطاً مع مادة غير أفيونية، مثل الكوكايين، أو عندما لا يتعاطى الشخص في العادة مواد أفيونية.
كيف يؤثر الفنتانيل على الدماغ؟
الفنتانيل، وغيره من المواد الأفيونية الاصطناعية، من الأدوية الأكثر شيوعاً التي تسبب الوفاة بجرعات زائدة. حتى الجرعات الصغيرة منه يمكن أن تكون مميتة. ووفقاً لموقع CDC، يموت أكثر من 150 شخصاً كل يوم بجرعات زائدة من المواد الأفيونية الاصطناعية.
وغالباً ما يستحيل معرفة ما إذا كانت المواد المخدرة الأخرى، أو الأدوية، تحتوي على الفنتانيل.
مثل الهيروين والمورفين والعقاقير الأفيونية الأخرى، يعمل الفنتانيل من خلال الارتباط بمستقبلات المواد الأفيونية في الجسم، والتي توجد في مناطق الدماغ التي تتحكم في الألم والعواطف.
يتكيف الدماغ مع المواد الأفيونية بعد تناولها مرات عدة، مما يقلل من حساسيته، فلا نعود نشعر بالمتعة إلا من خلال هذا المخدر. حين يصبح الناس مدمنين، فإن البحث عن المخدرات وتعاطيها يسيطران على حياتهم.
ومن أبرز تأثيرات الفنتانيل: السعادة القصوى، والتخدير، والنعاس؛ لكنه لاحقاً يُشعر الفرد بالغثيان، والارتباك، ويؤثر على النفس وقد يؤدي إلى فقدان الوعي أحياناً.
يمكن لأي شخص أن يتناول جرعة زائدة من الفنتانيل، فيتباطأ تنفسهم أو يتوقف، ما قد يقلل من كمية الأوكسجين التي تصل إلى الدماغ، وهي حالة تسمى "نقص الأكسجة". ونقص الأكسجة يمكن أن يؤدي إلى غيبوبة، وتلف دائم في الدماغ، وحتى الموت.
النالوكسون.. علاج الجرعة زائدة
يُمكن لدواء النالوكسون أن يعالج الجرعة الزائدة من الفنتانيل عند إعطائه على الفور، فهو أحد الأدوية المضادة للمواد الأفيونية، مثل: المورفين، والبثيدين، والأوكسيكودون، والكوديين.
من المهم عدم الخلط بين النالوكسون والنالتركسون؛ فاستخدام النالوكسون يكون بشكلٍ أساسي في حالات التسمم بالمواد الأفيونية، بينما يُستخدم النالتركسون للمساعدة في علاج الإدمان.
يعمل النالوكسون (Naloxone) عن طريق الارتباط السريع بالمستقبلات الأفيونية ومنع تأثيرات الأدوية الأفيونية. لكن الفنتانيل أقوى من الأدوية الأفيونية الأخرى، مثل المورفين، وقد يتطلب جرعات متعددة من النالوكسون.
يعكس النالوكسون آثار الجرعة الزائدة، وحجب تأثيراتها، لأنه يعمل بشكلٍ أساسي على مواجهة نقص التنفس الذي يصيب الإنسان حين يتناول جرعة زائدة من الفنتانيل، أو المواد الأفيونية.
يتوفر النالوكسون بشكلين:
- محلول قابل للحقن (إبرة)
- بخاخات أنف (NARCAN، وKLOXXADO).
وحين يُعطى عن طريق الوريد، تبدأ التأثيرات خلال دقيقتين، لكنها تحتاج إلى 5 دقائق حين يُحقن في العضل. وتستمر تأثيرات النالوكسون بين نصف الساعة والساعة، وقد يحتاج الشخص إلى جرعات متعددة منه، حسب قوة المادة التي تعاطاها.
لهذا السبب، وإذا كنت تشك في أن شخصاً ما تناول جرعة زائدة، فإن أهم خطوة يجب اتخاذها هي الاتصال بالإسعاف أو نقله إلى أقرب مستشفى حتى يتمكن من تلقي عناية طبية فورية.
وبمجرد وصوله إلى المستشفى أو أي مركز عناية طبي، سيُعطى النالوكسون لو تم الاشتباه في تعاطيه عقار أفيوني.
بعض الولايات الأمريكية أقرّت قوانين تسمح للصيادلة بإعطاء النالوكسون من دون وصفة طبية. يمكن للأصدقاء والعائلة استخدام بخاخات الأنف سهلة الاستعمال، لإنقاذ شخص يعاني من جرعة زائدة.
يجب مراقبة الأشخاص الذين يتم إعطاؤهم النالوكسون لمدة ساعتين أخريين بعد إعطاء آخر جرعة من النالوكسون، للتأكد من أن التنفس لا يبطأ أو يتوقف.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.